جورج أنسي يكتب: (شعوب) سياحية!

وقفت أمامه مندهشا فاتحًا فمي لأفهم ما يقوله بإنجليزية غير واضحة، وقد استخدم كل المفردات في محاولة للفت نظري لأمر ما بات مهماً  ألا يتجاوزه أو يهمله !

كان ذلك في محل لبيع الملابس في  مدينة ليماسول القبرصية أواخر تسعينيات القرن الماضي، وبعد جهد مضاعف أشار إلى ( سوستة ) الجاكت الذي أخترته، موضحأ أنها تعمل بصعوبة شديدة ولهذا السبب تم تخفيض ثمنها من 30 جنيهاً قبرصياً – حوالي 180 جنيه مصري في ذلك الوقت – إلى 11 جنيه قبرصي !، وهو ما يؤكد بوضوح أن هذا البائع بعقليته السياحية البسيطة اعتبر نفسه مسئولاً عن صورة بلاده في أعين السياح الأجانب ، وكما هو معروف أن صناعة السياحة أحد أهم مصادر الدخل القومي في جزيرة قبرص خاصة في جزئها اليوناني.

ومن حوض البحر المتوسط إلى قلب أوروبا، حيث جنيف مدينة المنظمات الدولية ودرة سويسرا ، وقد أكد لي صاحب محل (ساعات) أنه من الممكن أن يضع لي أي رقم على الفاتورة !!… جملة فاجأتني جدا، خصوصاً وأنني كنت بصدد شراء ساعتين لصديق وزوجته، أعطاني الفلوس بالقاهرة قبل سفري وكان الأمر بالنسبة لى مثيراً للدهشة، وإن كان الأمر بات واضحاً انه نوع من تسهيل كل أمور السائح الوافد بتقديم كل سبل الراحة بل وحتى ولو كانت (لمؤاخذة ) حاجة ” مش ولابد” ولاتتفق مع مبدأ الامانة  !!

هذان المثلان اللذان اخترتهما – من حصيلة ملاحظات مررت بها في العديد من دول أوروبا السياحية –  يجسدان نظرة المواطن الغربي العادي  لصناعة السياحة وأهميتها ، واذا انتقلنا إلى منظومة (التاكسي)  في أى بلد ، ولن أضرب هنا مثلا بدولة أوروبية أو أمريكا ولكنني سأتحدث عن أشقائنا العرب مثل الأردن وتونس والمغرب والتي يسير فيها التاكسي وفقاً لنظام دقيق وبمراقبة من الدولة، فلا أبالغ اذا قلت إن منظومة التاكسي تساهم بصورة او باخرى في تقديم الوجه الحضاري للبلد أمام السائح من عدم اللعب في العداد وتوصيلك لأى مكان ترغبه وفقاً لتعريفة محددة ومعروفة ..حيث لايتم فيها تجاهل أية (كسور) للعملة الوطنية، لأن (التاكسي) يعد أحد العناصر التي تؤخذ في الاعتبار عند تقييم الدول فيما يتعلق بالخدمات السياحية المقدمة.

الخلاصة التي أطرحها هنا من خلال هذة السطور، أن للشعب دور كبير في نجاح عملية الجذب السياحي وهو ما يمكن أن نطلق عليهم تعبير ( شعوب سياحية ) تفهم وتقدر معنى وقيمة السياحة باعتبارها مصدراً رئيساً للدخل القومي خاصة في دول لاتمتلك أية موارد أو مصادر للدخل إلا من خلال منتجها السياحي، وربما كان لمثل هذة الشعوب – خاصة في عالمنا العربي – دور فاعل فى هزيمتنا سياحيا وجذب جمهور اعتاد لازمنة طويلة الحضور والاستمتاع بالمنتج السياحى المصري، لكن مع تغير فكر وطبيعة شعبنا وتغير النظرة لصناعة السياحة بفتاوى شيوخ التطرف بتحريم العمل والتعامل فى هذا المجال مع مساهمة غير مباشرة من حكومات لم تعط للسياحة حقها وغياب الرقابة والمحاسبة ، اضف إلى ذلك تعقيدات الظروف السياسية وعدم الاستقرار منذ ثورة 25 يناير 2011 ..كل ذلك ساهم في تقلص أعداد الوافدين لمصر ، ولكن يبقى في النهاية أن أؤكد على دور المواطن العادي في تنشيط السياحة وهو ما أتمنى أن نعود اليه مجدداً في أقرب فرصة لانقاذ ما يمكن إنقاذه من سمعتنا السياحية .