كمال أبو رية.. طيب جدًا وكوميديان جدًا جدًا

مينا محب

كلما نظرت إلى أي عمل يشارك فيه الفنان كمال أبو رية، يتضح أنه يقدم دورًا دراميًا عميقًا له أبعاد إنسانية ونفسية، يحمل في طياته ملامح شخصية تتسم بالهدوء والطيبة والحكمة والبراءة، كما جرت العادة في معظم أعماله، ويتجلّى ذلك بوضوح في مسلسل أم كلثوم عام 1999، حيث جسّد شخصية الشاعر أحمد رامي ببراعة، وتمكن من إبراز سمات الرجل الرومانسي مرهف المشاعر، الحساس بصدق وواقعية.

ثم جاء عام 2001 مع سوق العصر ليُثبّت صورته كـ«الفنان الطيب»، عبر شخصية سيد العايق، الرجل المسالم المغلوب على أمره، الذي يحاول النجاة بعيدًا عن الصدام، ولا يرغب إلا في حياة مليئة بالسكينة، لا يهدّد فيها أحد ولا يؤذيه أحد.

ورغم هذا المسار، بدأت مساحة ظهوره تقل خلال العقد الأخير، إلى أن فاجأنا بانعطافة لم تكن في الحسبان، كاشفًا عن قدرات ظلّت كامنة لأكثر من أربعين عامًا، حين قدّم أول أدواره الكوميدية في مسيرته كضيف شرف ضمن الكبير أوي 7 بشخصية "حفني الديب"، وفيها قدّم حضورًا خاطفًا يعتمد على الجدية المفرطة داخل موقف هزلي، ما أظهر تحكمه في إيقاع المشهد وقدرته على توليد الضحك من دون تكلف أو مبالغة، ليبرهن أن داخله طاقة تمثيلية لم تُستغل بعد، وقابلة للانطلاق في اتجاهات جديدة تمامًا.

وهذه الخطوة لم تكن انحرافًا عن مساره أو محو تاريخه الفني الحافل، بل إعلانًا صريحًا عن رغبته في تأكيد قدراته الكوميدية كممثل، بعيدًا عن أي مبالغة أو افتعال، فظهوره القصير في الكبير أوي كان بمثابة برهان على أنه يستطيع رسم البهجة على وجوه المشاهدين، ومع هذا الحضور اللافت، جاء دوره في مسلسل (كارثة طبيعية) ليبرز مرة أخرى اتساع آفاقه الفنية وقدرته على التنقل بين الأنماط المختلفة دون أن يفقد هويته أو صدقه الأدائي.

نرشح لك: كمال أبو رية عن إيفيه نادية الجندي في "كارثة طبيعية": "ارتجالي والمفروض تفرح"

وتحليل أدائه هنا يعتمد على التعرف على الأدوات التي استخدمها ليظهر بهذا الثوب الجديد، فنجد أنه ركّز على «بناء الشخصية من الداخل»، بمعنى أنه انطلق من مواقف بشرية طبيعية، لا من كوميديا قائمة على التصنّع أو الافتعال، فظهر دور الأب بصورة واقعية تتفاعل مع الصدمة والضغوط، وهو ما جعل فعل الضحك نفسه نابعًا من التعرف على التجربة الإنسانية لا من تضخيم الحدث.

هنا يفرض السؤال نفسه: كيف استطاع ممثل اعتاد إقناع المشاهد بعمق الألم والسكينة الداخلية أن يجعلنا نضحك فجأة، دون أن يفقد احترامه أو مصداقيته؟

الإجابة تكمن في طبيعة الممثل التراجيدي نفسه وقدراته الكامنة على الانتقال بين الأنواع التعبيرية دون فقدان العمق الداخلي للشخصية، كما تشير دراسات الأداء التمثيلي. ويوسف وهبي مثال لافت، فهو ممثل تراجيدي صارم، حين دخل الكوميديا لم يفعل ذلك بالهزل أو التفلت، بل عبر جدية مفرطة تحولت في ذاتها إلى مصدر للضحك. ويفسّر هذه الظاهرة هنري برغسون في كتابه الضحك بأن الكوميديا تولد من الصرامة حين تختل، ومن الجدية حين تُؤخذ خارج سياقها، وهذه المنطقة هي ما يتحرك فيها كمال أبو رية.

وبناءً على ما سبق، يمكننا، عزيزي القارئ، تطبيق تلك النظرية على العمل الدرامي كارثة طبيعية. ويتضح أن هناك تضادًا صارخًا بين إصرار "أبو شروق" على الرصانة التي تخفي لامبالاة ساذجة تجاه حجم الكارثة، وفوضى السبعة توائم ومأزق الزوجين. الفجوة بينهم هنا تولد الضحك. فهو لا يطارد الإفيه، ولا يستدرّ الضحك، بل يترك الموقف ينهار وهو يحاول التعامل معه. فيتحول العجز نفسه إلى مفارقة، وتصبح تصرفاته المتحفظة أداة للضحك، ليكون "العاقل داخل عالم مجنون"، ويمنح الموقف ثقلًا ومصداقية، ويجعل الضحك جزءًا من البناء الدرامي.

السؤال الآن: هل سيكرر كمال أبو رية تجربة الكوميديا بعد كارثة طبيعية، أم سيعود إلى أدواره الطيبة المعتادة؟

التحول الذي شهدناه ليس تجربة عابرة، بل كشف عن طاقة داخلية استعدت اللحظة المناسبة لتخرج إلى الضوء. ويبدو أن هذا التحول يمثل امتدادًا طبيعيًا لمسيرته، حيث يستطيع أن يوجه خبرته وتجربته الطويلة في سياقات جديدة، ليجسد شخصيات تتنوع بين الجدية والمرح، دون أن يفقد قوّة حضوره أو حيويته على الشاشة.

وبهذا الشكل، يبرهن كمال أبو رية أن الممثل الحقيقي يملك القدرة على التجدد واستكشاف أبعاد جديدة لشخصياته. وكل ظهور له يصبح مناسبة فنية تحمل معه مزيجًا من العمق والبهجة، وتترك أثرًا دائمًا في ذهن المشاهد.

نرشح لك: كمال أبو رية يكشف سبب مشاركته في مسلسل "كارثة طبيعية"