فيصل شمس يكتب: المسلسلات ونهاية خفة الدم المصرية

يحتاج أي مسلسل كوميدي في العصر الحالي لمشاهدين صبورين للغاية حتى يصلوا إلى نقطة الضحك المأمولة، والتي يمكن أن تكون في النهاية ضحكة واحدة يتيمة أو مجرد ابتسامة خفيفة.. أسرة كاملة تأمل في قضاء وقت لطيف في المساء يصيبها اليأس نتيجة مسلسل يلهث ليفتعل الكوميديا ويفشل. ما الذي حدث مؤخرا جعل الكوميديا بهذه الصعوبة، وشكك كثيرا في خفة الدم التي يتمتع بها الشعب المصري؟

الإجابة ليست صعبة كما قد نتصور

أولها أن السوشيال ميديا تقدم كوميديا مستمرة وحية بعدد قد يبلغ آلاف المقاطع يوميا بأفكار جديدة ومبتكرة تلقى رواجا كبيرا ويتحدث عنها الجميع، والمثير في الأمر أن هذه المقاطع قد تكون إعادة إحياء لمشاهد من الأفلام والمسلسلات سواء القديمة أو الجديدة والتي قد تكون عادية أو سخيفة في العمل الفني وتكون مضحكة بالفعل في السوشيال ميديا.. لقد انتهى عهد الاحتكار عندما انتشرت السوشيال ميديا بأفكارها وإمكانياتها.. والآن يمكن لشخص بسيط يملك خفة الدم المصرية أن يصبح نجما كوميديا بمجرد امتلاكه أفكار جديدة وموبايل.. وأصبح العالم الموازي هو العالم الحقيقي الذي يعبر بالفعل عن خفة الدم المصرية.

وكما نرى فالمسلسلات غير قادرة على مواكبة هذا التطور، بل إن فكر وخيال كتاب السيناريوهات أصبح محدودا لدرجة استخدام مقاطع وأفيهات السوشيال ميديا لصناعة مشاهد ومواقف في المسلسلات.. تخيل معي أن هؤلاء الكتاب لديهم فراغ فني لدرجة أنهم لا يجدون ما يكتبونه لتحدي السوشيال ميديا.

من يكسب إذن؟ السوشيال ميديا قطعا.. ما الذي يجعلني أجلس في زاوية منتظرا ضحكة من مسلسل تعبان، بينما تصفح سريع لمدة 5 دقائق على التيك توك سوف يغرقني ضحكا أنا وعائلتي وجيراني في العمارة المقابة وابن عمتي المغترب في السعودية.

السبب الثاني أنه يبدو بوضوح أن عملية اختيار كتاب السيناريو لا تخضع لقواعد واضحة، وربما تعتمد على الصداقات والعلاقات أكثر من قيمة الكتابة والمحتوى، ويبدو أن المعايير الفنية للجودة غير مطبقة ولا توجد أدوات ووسائل منهجية وعلمية للحكم على سيناريو بأنه جيد أو غير جيد.. لقد حاول المهتمون تطبيق ورش الكتابة مثلا لضمان أن يكون المنتج جيد.. لكن يبدو أن هذه الطريقة لم تفلح حتى الآن.. ورأيي أن ذلك بسبب غياب المعايير والأدوات التي يمكن من خلالها القياس ومن ثم الفهم والتوقع.

نرشح لك: فيصل شمس يكتب: محاولة إنقاذ مي عمر

طبعا مهما كانت المعايير فإن الجودة مسألة نسبية للغاية في توقع مدى نجاح الدراما.

السبب الثالث أن الفنانين الكوميديانات لا يديرون عملهم الفني بكفاءة، لذلك وجدنا تعثرات كل من أحمد حلمي ومحمد سعد ومحمد هنيدي وشباب مسرح مصر ومحاولاتهم الحثيثة للعودة بأفكار جديدة دون نجاح يذكر.. طبعا في بعض الأحيان لا يمكن إلقاء اللوم عليهم، فعملية الإنتاج المتسارعة لا تترك لهم الفرصة للتأني والتقييم والاختيار وهم موضوعون تحت ضغوط ربما تكون مادية أو تسويقية تضطرهم للظهور في أعمال فنية بسرعة قبل أن ينساهم الجمهور.. لكن جزء من التعثر سببه أيضا النجوم أنفسهم الذين قد يملكون حرية الاختيار وحرية البحث عن سيناريو جيد وتنفيذه.. لكنهم لا يفعلون ذلك فيما يبدو ولا يستخدمون حقوقهم الضمنية المتعارف عليها للتحكم بدرجة ما في الأعمال الفنية.. والنتيجة في كثير من الأحيان صفر.. لذلك يقعون في تنفيذ أعمال لا تمت للضحك بصلة أو مجرد اسكتشات ثقيلة الدم يطلقون عليها مسمى عمل فني.

نرشح لك: فيصل شمس يكتب: علاقة "نعمة الأفوكاتو" بالبطاطس

يبدو أن المركب تسير ولا تقف مطلقا ولكنها أثناء الطريق تسقط من حساباتها من يملكون موهبة حقيقية وقد تطويهم في النسيان.. وفي النهاية تكسب السوشيال ميديا لأنها أنقذت سمعة خفة الدم المصري بعد أن أغرقتنا المسلسلات بثقل الدم والتهافت.