عمرو منير دهب يكتب: الأفضل للرجل أن يمشي على صراط مستقيم.. الفصل التاسع من كتاب "جينات أنثويّة"

أيهما يكذب أكثر: الرجل أم المرأة؟ سؤال محفوف بالمزالق والشراك؛ وإذا كان البعض (الكثير؟) يضمر أن الالتفاف على قول الحقيقة – فيما قلّ أو عظم شأنه من المواقف - مما لا يُستغرب أو يُنكَر على حواء للعديد من الأسباب (أشهر تلك الأسباب وأكثرها استساغة هو الدفاع عن النفس أمام سطوة البطش الذكوري)، فإن الجرأة على إعلان تلك القناعة المضمرة أو المتداولة خلسة قلّما تُواتي أحداً - سواء من الرجال أو النساء - ضمن سياق تحليلي جادّ، فالتهمة الجاهزة في تلك الحال تتعدّى "معاداة النسوية" Antifeminism إلى درجة خطيرة من "التحيّز الجنسي/العنصرية الجنسية" Sexism.

ولكن التلطّف كثيراً ما يسمح بتمرير العديد من التصريحات ضد المرأة دون الخوف من اتهام رسمي أو شعبي، خاصة إذا كان المزاح الهزلي هو الغلاف الذي يلفّ القول الملطَّف، بصرف النظر عن النوايا التي تغلّف بدورها سياق المزاح والهزل.

نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: قوة الضعف الأنثوي.. الفصل الثامن من كتاب "جينات أنثويّة"

في الواقع، السؤال/الاتهام بخصوص كذب حواء أكثر من صنوها آدم لا يصمد طويلاً في أي سياق جاد، فالتهمة المضادة من حواء جاهزة بصورة تلقائية: الرجل هو الأكثر كذباً، بل ما أقلّ ما يصدق الرجال (والقول لا يزال للنساء) عندما نحاصرهم من أجل قول/انتزاع الحقيقة في المواقف الصارمة (وتعريف الصرامة حديث ذو شجون).

مهما يكن، وبصرف النظر عمّن يكذب أكثر من الآخر، تبدو حواء أبرع في ضبط آدم متلبّساً بالكذب في هذا الموقف وذاك، والاستفادة من ثمّ من تلك المواقف لصالحها. الحق أن آدم قد ورّط نفسه ابتداءً حين أقرّ بأن تكون كلمة "رجل" ومفهوم "الرجولة" مرادفين لجملة من القيم الأخلاقية الرفيعة، ولعل الأدق أن آدم قد دفعته الحميّة إلى ذلك الإقرار في غفلة منه تحت وطأة تشجيع وتحفيز حواء له – تماماً كما تفعل مع طفلها الصغير - لغاية في نفسها ليس من الصعب إدراكها.

والحال كتلك، وبصرف البصر مجدّداً عن السؤال حول من يكذب أكثر من الآخر، ألا تبدو تبعات كذب أحد الجنسين على الآخر أشدّ وطأة على آدم منها على حواء؟

تحت عنوان "عملية كشف الكذب"، يقول خبير العمليّات السريّة Covert Operations ديفيد كريغ David Craig، في كتابه الصادر في ترجمته العربية بعنوان "كشف الكذب" عن الدار العربية للعلوم ببيروت عام 2012 ترجمةً للأصل باللغة الإنجليزية بعنوان Lie Catcher، يقول: "معظم الناس لديهم فكرة حول ما يشير إلى أن شخصاً ما يكذب، مثل التململ في المكان والتعرُّق وتحاشي الاتصال البصري. ولكن، على الرغم من أن هذه الإشارات صحيحة، إلا أن امتلاك قاعدة معرفية أساسية بسيطة في ما يتعلق بكشف الكذب يمكن أن يفضي إلى استنتاجات غير صحيحة إلى حد كبير. على سبيل المثال، إن الاتصال البصري الزائد على الحدّ يمكن أن يكون إشارة كذب أيضاً، لأن هذا الشخص يعرف أنه كذب ويحاول أن يبدو صادقاً. من هنا، فإن افتراض أن قلة الاتصال البصري إشارة حاسمة قاطعة إلى الكذب يمكن أن يؤدي إلى استنتاج غير صحيح. هذا الأمر يمكن أن يقودنا إلى الاشتباه في أشخاص أبرياء بأنهم كذبوا، وإلى تقييم الكاذبين بأنهم أبرياء. لسوء الحظ، بالنسبة إلى موضوع كشف الكذب، يصح القول إن قلّة المعرفة يمكن أن تكون خطرة".

قلّة المعرفة بالفعل خطرة فيما يتعلّق بالكشف عن الكذابين؛ ولكنها ليست خطرة فقط ضمن نطاق حسّاس كالعمليات السرية بل أيضاً في غير ذلك من الشؤون التي تبدو أقلّ حساسية كالعلاقة بين المرأة والرجل. ولكن مهلاً، من قال بأن علاقة آدم وحواء أقلّ خطراً أو حساسية من عمليات ديفيد كريغ السرية؟

مهما يكن، حواء – تحديداً – ليست بحاجة إلى جهود السيد كريغ ورفاقه لتعرف كيف تضبط آدمها متلبّساً بالكذب، خاصة عندما يلعب آدم دور شريك العمر الملاصق لها ليل نهار. وكان القياس المنطقي يقتضي أن يكون آدم الزوج كذلك بارعاً في ضبط حوّائه وهي تكذب إذا كان مناط القدرة على كشف الكذب هو الرفقة اللصيقة، ولكن قدرات آدم على هذا الصعيد تبدو متواضعة بوضوح، ولذلك أكثر من تفسير، فقد يكون الرجل أقلّ ذكاءً في هذه الناحية بحيث لا يستطيع قراءة لغة جسد قرينته كما تفعل هي مع لغة جسده "الساذجة"، وقد تكون العلّة في أن آدم لا ينشغل كثيراً بكذب حوّائه مثلما تفعل هي مع احتمالات كذبه في كل شاردة وواردة من حركاته وسكناته؛ وهذا بدوره له أكثر من تفسير، فقد يكون مردّه إلى كثرة كذب آدم وقلّة كذب حواء بصفة عامة، وقد يكون السبب أن حوّاء كثيرة الشك والتوجّس مقابل آدم الأكثر ثقة؛ وهذا أيضاً له أكثر من تفسير، فقد يكمن السبب في طبيعة حواء الشكّاكة بالفطرة إزاء كل قول وفعل لقرينها مهما يكن بريئاً، وقد تكون العلّة كامنة في طبيعة آدم الخوّان بالفطرة ما يستدعي من حوّائه حالة ترقّب واستنفار دائمة؛ وهكذا دواليك مع الاحتمالات المتتالية في لعبة القط والفأر (كناية عن سرمدية الملاحقة، دون تحديد مَن القط ومَن الفأر، مع أن ذلك واضح من سياق الكلام وواقع الحال).

اختصاراً لبيان القدرة على كشف الكذب والنفَس الطويل في التعامل مع المحتالين، ودون إضاعة الوقت في إثبات أيهما أكذب من قرينه بالفطرة، ردّت سيدة وقور بالإفادة/النصيحة التالية على سيدة وقور أخرى ولكن مؤرَّقة في جلسة نساء يتجاذبن أطراف الحديث عن ألاعيب الرجال: الرجل إذا راوغ في أقواله وتصرُّفاته واصلي المراوغة معه، وإذا مشى على صراط مستقيم أراح نفسه.