غنّى له السادات وبكى زوجته لسنوات.. أسرار من بيت الموسيقار محمد سلطان

موسيقار الألحان الذي رأى النبي في المنام

ساعد الموهوبين الشباب.. ولم يحقق أمنية العندليب

أحب مصر بجنون.. والسيسي عبّر عن إعجابه بفنه

نفّذ وصية عمر الحريري.. وتجنب مشاهدة التلفزيون لهذا السبب


لا شك أن إجراء حوار يخص الذكرى الأولى لرحيل الموسيقار محمد سلطان، هو بالتأكيد من المواضيع القليلة التي قد يحتار الصحفي في اختيار العنوان المناسب لها، ليس فقط لغياب الإنسان الذي يدور حوله الحديث، لكن لأنه ذو طبيعة وسمات ندر وجودها، وندرت استمراريتها عبر رحلة حياته الطويلة؛ كالوفاء، صفاء القلب، خفة الظل، التسامح مع النفس والرحمة في التعامل مع كل ما هو ضعيف وبسيط.

قطعاً حين أوصى بعد رحيله أن يظل بيته مفتوحاً لها، لتقيم فيه كما تعوَّدت منذ 25 عاماً تقديراً لها ولإدارتها شؤونه حتى وفاته.. فإنه وفاء جميل منه.

إنها الأستاذة سميرة سليمان التي بدأت العمل مع الموسيقار محمد سلطان منذ كان عمرها لا يتجاوز الرابعة عشر، ورافقته حتى ألقى برأسه على ذراعيها مفارقاً الحياة.

اليوم، إعلام دوت كوم كان في ضيافتها داخل منزل الموسيقار الراحل؛ 1103 شارع كورنيش النيل، بصحبة السيدة داليا ماهر المذيعة بالإذاعة المصرية، والتي تربطها صداقة معه امتدت لأكثر من 40 عاماً، ليدور الحوار حول ذكرياتهما عنه.

موسيقار.. بأخلاق فارس

بدأت سميرة حديثها وهي تغالب دموعها قائلةً: "كان لي كأب وكنت له ابنة.. وكان دائماً يقول لي (لو كنت جبت بنت مكنتش هتحبني زيك). كان يبدأ يومه بصلاة الفجر حاضر، ويواظب على الصلاة فرضاً بفرض يدعو لوالده ووالدته وزوجته الراحلة الفنانة فايزة أحمد، ويقرأ القرآن الكريم لهم، وبعد تناول الإفطار(قطعة من الكيك وقهوة اسبريسو) نتوجه سوياً لنادي الجزيرة لممارسة رياضة المشي والجري، حيث كان يهتم بلياقته البدنية كثيراً، ويحافظ على تناول وجباته في مواعيد ثابتة، وعند العودة يبدأ في قراءة الصحف الورقية ليتابع الأخبار. أما ونسه الأكبر في القطط، إذ كان لديه 32 قطة، والمفضل لديه سامبو وتانجو".

تتذكر سميرة كيف كان يضحك عندما كانت تراه يطعم قططه وهو جالس على الأرض، فتداعبه بقولها "يا أبا هريرة، فيرد عليها بأن "ثوابهم كبير".

تضيف سميرة أن أخلاقه كانت مثل أخلاق الفرسان؛ فلم يتأخر يوماً عن شخص لجأ إليه سواء من الوسط الفني أو خارجه، فمثلا حقق للفنان عمر الحريري وصيته - بناء على اتصال هاتفي من إحدى بناته - بأن يتلقى العزاء فيه، وطلب منه الكاتب أنيس منصور - وكان لا يخرج من البيت كثيراً - أن يأتي إليه ومعه بعض الأصدقاء للاحتفال بعيد ميلاده لشعوره بحالة نفسية سيئة. وبالفعل استجاب له وذهب حاملاً العود لتكون سهرة غنائية ممتعة.

وحينما مرضت زوجة الفنان عادل أدهم وكانت في أواخر أيامها قام بزيارتها وقدَّم لها المساعدة المادية، وكان أول الحاضرين عند وفاة الملحن محمد الموجي والفنان محمود عبد العزيز.

كما كان يحكي دوماً - بحسب حديث سميرة - عن حبه ورفقته للفنان إسماعيل ياسين في مرضه وكيف تأثر بوفاته، وهو أيضاً من قام بدفن الموسيقار محمد عبد الوهاب والنزول معه في قبره، حيث لم يحضر أحد من أبنائه.

فايزة وسلطان

بعدما ترك الموسيقار محمد سلطان وزوجته المطربة فايزة أحمد منزل الزمالك ليسكنا في حي جاردن سيتي على كورنيش النيل، ظهرت بصماتهما الفنية والجمالية واضحة في كل ركن من أركان المنزل الجديد، إذ قاما بإحضار الأثاث من بلجيكا وفرنسا، وعلى جدرانه اللوحات الزيتية لكبار الرسامين وأكثر من بورتريه للفنانة فايزة. كما تزين طاولاته التحف الفنية الجميلة، بجوار التكريمات والجوائز التي حصل عليها كلاهما.


"كانت قصة حبهما أسطورية، فهي مثال للإخلاص والوفاء".. هكذا وصفت المذيعة داليا ماهر علاقة الموسيقار الراحل بزوجته المطربة فايزة أحمد، التي ظلَّ وفيًّا لها سنوات عديدة قبل وبعد رحيلها عام 1983، فلم تمر لها ذكرى إلا ويزور قبرها ويجلس يقرأ القرآن ويدعو لها وهو يجهش بالبكاء لفراقها.

تضيف داليا: "كانت دمعته قريبة أوي لما تيجي سيرتها أو يسمع أغنية لها، ويتحاشى مشاهدة التلفزيون لربما تأتي أغنية مصادفة لفايزة فيتأثر بها، وكان يدندن بأغنيتها (أحبه كثيراً) وهو يبكي وكتب لها فترة خصامهما (مشتريكي) التى غنَّاها هاني شاكر".

تابعت داليا ماهر أن علاقتها بسلطان بدأت عندما كانت في المرحلة الإعدادية، فقد بحثت عن رقمه في دليل التليفونات، واتصلت به لتخبره عن مدى حبها له ولفايزة أحمد، وطلبت منه أن يصطحبها معه عند زيارة قبر زوجته، وبالفعل حقق لها ذلك. ومن هنا توطدت بينهما العلاقة كأب وابنة يقدم لها النصيحة ويؤازرها في حياتها.

تتذكر داليا كيف حكى لها بداية تعارفه بالموسيقار محمد عبد الوهاب في جليم بالأسكندرية، حين كان في عمر 8 سنوات، حيث كتب رسالة لعبد الوهاب يعرّف فيها نفسه وموهبته ورقم تليفونه تركها مع حارس منزله المجاور له، وبالفعل اهتم "موسيقار الأجيال" بالرسالة وذهب إليه واستمع لموهبته في العزف، وأخبر والده اللواء عبد الحميد سلطان بأن له شأن كبير في عالم الموسيقى، إلاّ أن والده اشترط لدخوله عالم الفن أن يستكمل دراسته تماماً.


وتضيف أن سلطان وفايزة جمعهما حب عبد الوهاب واعتباره الأب الروحي لهما، كما جمعهما حرص والديهما على موهبتهما الموسيقية منذ الصغر، حيث امتلك كلاهما البيانو في سن صغيرة.

الجانب الروحي للموسيقار

تقول داليا ماهر: "أذكر أنه حكى لي مناماً لرؤيته الرسول عليه الصلاة والسلام، حين كان عمره 10 سنوات، ووقتها كان والده مسافراً صباح يوم الجمعة، وهو يريده أن يتناول معهم طعام الإفطار من الفطير والعسل، وحين نام بالليل رأى الرسول يخبره ألا يحزن فإن والده سيأكل معهم في هذا اليوم ولن يسافر، وبالفعل عندما استيقظ وجد رحلة والده وقد أُلغيت".

أضافت أنه كان متديناً وبار بوالديه، إذ كانا يقيمان معه في منزله هذا بعد رحيل فايزة أحمد، وتأثر للغاية برحيل والدته في عام 1991، ومكث في غرفته أسبوعاً، وعندما سألته عن أحواله رد بنبرة انكسار "عايش".

محمد سلطان مع أحمد فؤاد حسن مؤسس وقائد الفرقة الماسية

علاقة ممتدة بالرئاسة

تلتقط سميرة أطراف الحديث من داليا، وتصف كيف كان سلطان عزيز النفس للغاية، فعندما تولى إدارة جمعية المؤلفين والملحنين كان يسافر مأمورياتها على نفقته الخاصة رافضاً أن يحمّل الجمعية أي تكاليف، بل كان يساعد الموهوبين من الشباب دون أن يتقاضى منهم أجراً.

وحتى عند دخوله المستشفى في فترة من الفترات لإجراء عملية جراحية، قامت السيدة انتصار السيسي حرم رئيس الجمهورية بالاتصال به والاطمئنان عليه، سائلةً إياه إن كان يحتاج لأي شيء، فشكرها جداً وشكر سؤالها عنه.

وأشارت المذيعة داليا ماهر إلى أنها ليست المرة الأولى له مع الرئاسة، فعندما أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي لقاءً مع الفنانين والمثقفين وقت ترشحه للرئاسة للمرة الأولى، جلس بجوار سلطان وقال له "على فكرة أنا بحب فايزة وبحبك جداً".

تستكمل داليا: "علاقته أيضاً بالرئيس أنور السادات كانت طيبة للغاية، تصل لدرجة الصداقة، وبدأت عندما طلب منه السادات بعد انتصارات أكتوبر تلحين أوبريت يحكي عن تاريخ مصر فكان أوبريت (مصر بلدنا) كلمات حسين السيد، وشارك فيه العديد من المطربين والممثلين ( فايزة أحمد، وحيد سيف ،شكوكو) وتم تقديمه لايف على مسرح البالون لمدة شهر كامل، وللأسف هذا الأوبريت لم يُصوّر لكني احتفظ به كتسجيل صوتي".

هنا ابتسمت سكرتيرته سميرة، متذكرةً أنه حكى لها أن الرئيس السادات اتصل به يوماً ليأتي إليه في استراحة القناطر الخيرية محضراً العود، وقال له "عايز أغني يا سلطان"، وفعلاً بدأ سلطان العزف وغنَّى السادات أغنية العيون الكواحل.

أمنية العندليب.. لم تكتمل

عادت داليا للحديث موضحةً أنه كان دائماً يقول إن "وشه حلو" على كل من عمل معه من الفنانين، مثل ميادة الحناوي ونادية مصطفى وسميرة سعيد وهاني شاكر ومحمد ثروت ومدحت صالح.. إلخ. وأن سعادته كانت لا توصف بجائزة الدولة التقديرية، إذ لم ينلها ملحن من قبل.

محمد سلطان مع أحمد فؤاد حسن مؤسس وقائد الفرقة الماسيةمحمد سلطان مع أحمد فؤاد حسن مؤسس وقائد الفرقة الماسية

في النهاية، كان يتمنى سلطان أن يكتمل تعاونه مع العندليب عبد الحليم حافظ في أغنية "أحلى طريق في دنيتي"، ففي وقتها زاره عبد الحليم فجراً وأيقظه من نومه، وقدّم له كلمات الأغنية لمحمد حمزة، ولحّن سلطان بالفعل مذهب وكوبليه بصوت عبد الحليم، واتفقا على استكمالها عند عودته من سفره للندن للعلاج لكنها للأسف كانت رحلة العندليب الأخيرة وتوفي هناك.

وذهبت الأغنية لفايزة أحمد، وقبل أن تغنيها على المسرح أذاعوا الجزء المسجل بصوت عبد الحليم تكريماً له، وانفعل الجمهور للغاية لهذا الموقف المؤثر.

الأيام الأخيرة

"أنا بحب مصر فوق ما تتخيلي يا سميرة دي مذكورة في القرآن وأنا خايف عليها.. من 20 سنة كان يقول لي والدي جنازته خرجت من عمر مكرم ووالدتي وفايزة، ياريت أنا كمان لما أموت جنازتي تكون من عمر مكرم، ويا سلام لو تلفوني بعلم مصر".. هكذا أخبر سميرة في أيامه الأخيرة.

وتختتم سميرة سليمان حديثها: "قبل وفاته بـ 3 أيام كان حاسس إنه هيموت، ويوم الوفاة بعد تناول الفطار والغداء أخبرني أنه يشعر بضيق نفس وانقباض، وطلب مني عدم البكاء عليه، وكأنه يودعني، وعندما وصل الإسعاف عصراً طبطب للمرة الأخيرة على كتفي ومال برأسه على ذراعي وفارق الحياة".

نرشح لك: قضية التحرش الأهم والذكاء الاصطناعي هيموتنا.. 14 تصريحا لـ فدوى عابد عن دورها في "صوت وصورة"