عبد الرحمن جاسم يكتب: في حكمة السيتكوم.. عن مسلسلات الـ 15 حلقة

مسلسلات الـ 15 حلقة
خاص- إعلام دوت كوم

في الأصل جاءت كلمة “سيتكوم” كتعبير عن مسلسلٍ كوميدي يستخدم كاميرا واحدة مبنية على “كوميديا الموقف” يقوم بها “بطلٌ واحد” ينتقل بقصته من حلقةٍ إلى حلقة.

الكلمة بحد ذاتها هي جمعٌ بين كلمتين إنكليزيتين هما situation comedy وصغّرت كي تصبح “سيتكوم” في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، ويشار إلى أنَّ المخرج الأميركي ويليم آشر قد وصف غير مرةٍ بأنه “صانع السيتكوم” الأوّل، ومخترعه، خصوصاً مع مسلسلاتٍ مثل “أحب لوسي”(I love lucy). نسقاً؛ يختلف “السيتكوم” عن “المشهدية الكوميدية” حيث يستخدم “المؤلف/الصانع” شخصيات جديدة في حكايا مختلفة. صوّرت السيتكوم في صورها الأولى أمام جمهور، وكانت حلقاتها عبارةً عن نصف إلى ثلث ساعة معتمدةً على “صوت” الجمهور المشاهد، أو صوت “ضحكٍ” تسجيلي. هذا كلّه كان ما قبل بداية الألفية، ويشرح كثيرٌ من نقاد وباحثين في جامعة بيركلي عبر موقع الجامعة أنَّه بعد بداية الألفية بدأت الأمور آخذة بالتغيّر فاصبح هناك “سيتكوم” ولكن ذو قصّة “تراجيدية” وليست كوميدية، مبتعدةً تماماً عن جذر الفكرة.

عربياً، نضجت الفكرة، ولكن ليس إلى الحد الذي يمكن فيه القول بأننا قد استطعنا “تخليق” سيتكوماتنا الخاصة؛ صحيحٌ أن هناك كثيرٌ من السيتكوم صّنعت بذات الهمّة والطريقة والتفكير كالسيتكومات الشهيرة، نذكر منها “تامر وشوقية”(2006، تأليف: عمرو سمير عاطف وورشة كتابة، اخراج: أسامة العبد)، راجل وست ستات”(2007-2016، تأليف عمرو سمير عاطف، وإخراج أسد فولادكار)، ومؤخراً قبل أعوام “عايزة أتجوز”(2010، كتابة غادة عبدالعال، إخراج رامي إمام) وبالتأكيد التجربة الفلسطينية الخاصة “وطن ع وتر”(2009، كتابة عماد الفراجين إخراج أنس البلبيسي)، واللبنانية مع تجارب مثل “أس أل شي”، والسورية مع مسلسلات قويّة مثل “عيلة خمس نجوم” (وتوابعها، عيلة ست وسبع وثمان نجوم، 1994، تأليف: حكم البابا، إخراج هشام شربتجي) والذي يمكن اعتباره أوّل مسلسل “سيتكوم” بالمعنى الحرفي للكلمة، “يوميات جميل وهناء”(1997، تأليف: زياد الريس، وإخراج: هشام شربتجي)، وقس على ذلك. راق هذا النوع الفنّي إلى حدٍ كبير لمجموعة من المبدعين العرب، فأضافوا إليه بعضاً من “مهاراتهم”، وهذا العام كان نصيب المشاهد العربي، مع مجموعة من هذه النوع من المسلسلات.

“الكبير أوي7”

هو بالتأكيد ليس الجزء الأفضل للمسلسل الذي يمكن إعتباره “دجاجة أحمد مكي السحرية والتي تبيض له الذهب”. لقد استطاع أحمد مكّي عبر تخليقه لشخصيات مثل “الكبير” و”جوني” و”حزلقوم” و”فزّاع” و”هدرس” وبالتأكيد “الدكتور ربيع” أن يخلق شخصياتٍ شبيهةً وإلى حدٍ كبير بالشخصيات “الهزلية” الشهيرة في العالم. قلةٌ قليلة من الناطقين بالعربية لا تعرف “الكبير أوي” أو “المزاريطة” القرية الصعيدية الوادعة والتي تقوم على المزج بين المتخيل والمعاش اليومي. بنفس الإطار، قرر مكّي صناعة “ماكينته الخاصة” هو رفض استنساخ التجربة الأميركية دون لمسته السحرية “الممصرة”، فهو أخذ القرية الصعيدية بكل ما فيها، وأضاف إليها “ثقافة” غربية واسعة: بمعنى ستجد فزّاع –غفير العمدة الساذج للغاية- يحدّث العمدة حول اللورد فولديمورت من سلسلة قصص وافلام “هاري بوتر” الشهيرة، بسهولة بالغة ومفاجأة في آنٍ معاً.

نفس الأمر ينسحب على معظم الشخصيات التي تتناول “الثقافة” العامة المرتفعة للغاية كما لو أنها أمرٌ يومي. مثلاً تحكي “الكبيرة فحت”(سماء إبراهيم) عن إعجابها بما يسمى”الأولد سكول راب”(old school rap) ذاكرة أسماء “مغنين” من هذا النوع يعجبونها، والأسماء حقيقية ومعروفة لعشاق النوع. في ظل هذه الثقافة، سيظل المشاهد على موعد مع ذات “الغباء” و”المواقف الكوميدية” التي تنتشر بين الأبطال، خصوصاً مع شخصيات مثل “الدكتور ربيع” الذي يعرف الجميع أنه ليس “طبيباً” جيداً، أو “طبيباً” حتى مع هذا يلجأون إليه للتطبب. هذا لايعني أنَّ مكي قد نسي تقنيات السيتكوم الأصلية أو تجاهلها: فنهاية القصص هي ذاتها نهايات “السيتكوم”، تنتهي القصة أو الـstory curve فينتهي معه حال الأبطال، بمعنى أنه إذا “مرض” البطل في هذا الفصل(الحلقات المتصلة بذات الفكرة) فإنه حال انتهاء “الفصل” سيعودون كما كانوا، مهما كانت إصاباتهم “مدمرة”. إننا أمام مسلسل “هزلي” “غير حقيقي” وبنفس الوقت واقعي مئة بالمئة. جزء هذا العام، والذي وعد بالكثير، لكنه حتى اللحظة لم يفِ وإن كان ليس بسيء، لكن الجمهور كان يتوقع الأكثر والأقوى من محترفٍ “سيتكوم” ماهر وخبير مثل “مكي”.

طبعاً يحوز المسلسل أعلى نسبة تقييم لأنه في العام الفائت “كسر” المعتاد بأن خلط بين “العوالم” فأدخل “محمد سلام” ليقابل “هجرس” كاسراً البعد الرابع بين الممثل والمشاهد؛ ومر “مكي” بنفسه في المسلسل، وهذا لم يحدث بعد في أيٍ من “السيتكومات” الحالية.

تقييم المسلسل العام: 8/10، تقييم هذا الجزء: 5.5 إلى 6 من عشرة.

“الصفارة”

إذا كان من أحدٍ قادر على سحب البساط من تحت أقدام أحمد مكي فإنه وبدون منازع: أحمد أمين. لقد قطع الفنان الموهوب شوطاً كبيراً في محاولة صنع “مشروعه الخاص”، وقد يكون الصفارة وقد لايكون. مثّل الصفارة، والذي كتبه أمين بنفسه مع مجموعة من زملاءه في برامجه السابقة مضيفاً إليهم محمود عزّت وعبدالرحمن جاويش فيما أخرجه علاء إسماعيل.

طبعاً هناك مقالٌ طويل (بين مقالاتي العشر في “عشرية الدراما” حول المسلسل)، ولكن ما أود إيراده ههنا هو ببساطة تشريحه تحت “مجهر” السيتكوم: اللغة سريعة، الإيفيه حاضر، المشهد هو الذي يفرض “سلوك” وتحركات الأبطال، يضاف إلى كل هذا أنَّ هناك انسجامٍ بالغ بين أمين ومعظم أبطال العمل، فمثلاً يمسك “الشيخ اللبلوب”(الماهر والقدير محمد رضوان) بالبطل ويعطيه الأمان بشرط أن يسلمه الصفاّرة، فيفعل ذلك، ولكن “الشيخ اللبلوب” يغدر به، وحينما يسأله “شفيق”(أحمد أمين) لماذا فعل هذا: ألم يعطه الأمان؟ ليجيب “الشيخ اللبلوب”: أنا أديتك الأمان، وخدته منك تاني. لربما هذا واحدٌ من أقوى المشاهد هذا الموسم، والذي مر في الحلقة الأولى بسلاسة بالغة واعتيادية. في مشهدٍ آخر من الحلقة الرابعة، يتناقش مع الراقصة سمية(سامية الطرابلسي) حول أهلها الذين “يأتون يشقروا عليا مرة كل كام شهر”، فيسألها ساخراً: طب وليه اسرة حضرتك خنقاكي كدا؟ هما مش واثقين فيكي.

سمية تسكت وتسأل بخوف غريب: “تفتكر”؟ ساعتها يدير شفيق وجهه ناحية شقيقه وجيه(طه دسوقي) ، والذي يؤدي واحداً من أجمل “الشخصيات” في هذا الـ”curve”، ويسأله: إيه دا. هنا هو “يكسر” مباشرة الكوميديا سائلاً حول “منطقية” ما تقوله. هنا يخرج “أمين” من عباءة “قبول الكوميديا” وهي جزءٌ من سمات “السيتكوم”: كأن تقبل في الرسوم المحركة مثلاً وبشكل منطقي أنَّ البيانو يقع على رأس “الهر توم” ولا يحصل له شيء سوى أن “يتبطط رأسه”. أما أن تسأل لماذا يحصل ذلك، فهذا هو “الجديد” و”المختلف”. في الحلقة السابعة، يتناقش شفيق مع شقيقه وجيه حول إحدى “تهليلات الأطفال الشهيرة” وهي أغنية “كيلو بامية” سائلاً لماذا “القطة العمية تسرق قميص الإنكليزي” وعن علاقة “القطة العمية بالبامية”. قد تكون هذه الأسئلة “تافهة” ولكن من وظيفة الكوميديا أن تطرح أسئلة تجاوز المنطق إلى مرحلة “الضحك” على تكرارية الحضارات واستخدامها لجمل “مركبة” ذات لامعنى. طبعاً حتى اللحظة لا يعرف إن كان هذا المسلسل سيكون بأجزاء، مع أنَّ المشهد الأخير من المسلسل يفتح الباب أمام احتمالاتٍ من هذا النوع.

التقييم: 7 من عشرة.

“جت سليمة”

وإذا كنا نتحدّث عن الكوميديانات الذكور، فإن دنيا سمير غانم، هي واحدة من أفضل “مؤديات جيلها” لا ككوميديانة فحسب، بل كممثلة، مغنية، ومؤدية شاملة. تمتلك “شريهان الجديدة” إذا أحببنا تسميتها كذلك، الكثير من المهارات كونّتها في منزلٍ فني محترف يضم والدين مهمين سمير غانم ودلال عبدالعزيز، وصقلتها عبر سنواتٍ من العمل سواء الدرامي أو الكوميدي.

فضلاً عن الغناء وتقليد الأصوات والمهارة في الرقص. وعلى الرغم من وجود رقص وغناء في كلا العملين السابقين (الكبير والصفارة) إلا أنهما ليس بذات المستوى أو المهارة التي تستطيع دنيا تقديمه. هي حتى اللحظة لم تقدّم أغنية “العلامة” والتي سيحفظها الناس للأبد، لكنها في الطريق إلى ذلك، ويمكن التأكد من ذلك. في مسلسل “جت سليمة”(كتابة كريم يوسف، وإخراج إسلام خيري) نحنُ أمام عالمٍ اخترعته “سليمة” ودخلت إليه في محاولةٍ للهروب من كل ما حولها من ضغوطاتٍ وأهل “أشرار”. إنها قصةٌ “فوازيرٍ” تقليدية: أي “كليشيه” فوازير. هنا قد يعتقد البعض بأنَّ هذا قد يفقد المسلسل بعضاً من سحره أو قوته للحقيقة: أبداً. لقد اشتاق الناس لفوازير رمضان الشريهانية أو النيللوية (إذا أمكننا استعمال الإسمين  كصفة)، حاولت كثيرات بعد النجمتين الماهرتين القيام بفوازير، ولكنهن فشلن (بعضهن بشكل ذريع). تستطيع دنيا القيام بذلك وبسهولة، وهذا ما جعل كثيرين يعتبرون أنّ “جت سليمة” هو تكملةٌ لألف ليلة وليلة الذي قدّمته شريهان في العام 1986(كتابة طاهر فاشا، وإخراج فهمي عبدالحميد): الأجواء عينها تقريباً، الأسماء متقاربة، الحديث “المسجّع”،.فضلاً عن الجو المتخيّل الطفولي. بنفس الإطار، نجحت دنيا في أن تقحم “محمد سلاّم”، أحد أفضل مؤديي جيله في بطولة هذا العمل، وهذه “ضربة معلم”، فسلاّم جذاب، لديه خفّة ظل بديهية، يجيد الكوميديا، كما يمتلك حرفة الممثل وأدواته.

بالعودة للعمل في حد ذاته: إنه كوميديا إيفيه ممزوجة بكوميديا الموقف عينه، لكن دنيا أضافت عليه شيئاً من “حرفتها”: إنها مثلاً تستخدم أغنيات “عصرها” و “عالمها” كأن تستخدم أغنية “حلاوة روح” وحينما تسألها الملكة أم الأنوف(سلوى خطّاب) في الحلقة العاشرة، عن صاحب الكلام فتخبرها أنه “دا واحد حكيم، حكيم جداً” في إشارة لمؤدي الأغنية حكيم. أو مثلاً حينما يسألها الملك طمعان(خالد الصاوي) في الحلقة الرابعة حول أغنية “في الجنة” لعمرو دياب، فتشير إلى أنها من علمها إياه “عمرو دياب” مشيرة أنه “الراجل اللي رباني، لو بردانة يغطيني لو حرانة يهوي عليا، كان كل همّه أنا أكبر، وهو ما يكبرش”. طبعاً “إيفيه” دنيا واضحٌ بائن حول “شباب عمرو دياب الخالد”. باختصار، هذا العام استطاعت دنيا سمير غانم، تقديم سيتكوم مختلف، تفوّقت به على “سيتكوماتها” السابقة، فهل سيستمر الأمر، وستراكم عليه بأجزاءٍ جديدة؟

التقييم: 7.5 من عشرة.

(ملحوظة: التقييم استنسابي بعد مشاهدة معظم حلقات المسلسلات المقصودة، ومقارنتها بأصل حرفة السيتكوم، وبالجزء والقصة الحبكة وإداء الممثلين).

 

نرشح لك: 

عبد الرحمن جاسم يكتب: أحمد أمين.. صفّارة النجاح

عبدالرحمن جاسم يكتب: هل دخلت الدراما السورية مرحلة الكوما؟

عبد الرحمن جاسم يكتب: لماذا نجح “جعفر العمدة”.. محاولاتٌ للإجابة