اسم العمل كان مُلهما.. السيناريست محمد الحناوي يتحدث عن "أعمل إيه"

هبة جلال

الحنين للماضي وللزمن الفني الجميل دفع السيناريست والمؤلف محمد الحناوي إلى تسليط الضوء على كوادر ساهمت بقدر كبير في ريادة الإذاعة المصرية العريقة على مستوى العالم العربي وهذه الشخصيات المنسية أو التي يطلق عليها “الجنود المجهولة” رأى المؤلف إبراز دورها وإلقاء الضوء على جانب من دورها الهام والملهم من خلال مسلسله الدرامي “أعمل إيه” تذكيراً للجمهور بالزمن الفني الجميل وإحياء للدور الذي لعبه مبنى ماسبيرو والإذاعة المصرية في تشكيل وجدان الجماهير.

إعلام دوت كوم” حاور السيناريست محمد الحناوي حول هدفه من مُسلسل”أعمل إيه”وسبب اختياره لمهنة هندسة الصوت ليمتهنها بطل العمل، ودلالة استخدام بطل العمل الدائم لسماعة الأذن عند استعماله للهاتف المحمول، وماذا عن الأغاني التي تم اختيارها للعمل، وحول كتابته لعمل درامي ينتمي لنوعية الأعمال الدرامية الطويلة في وقت يُفضل فيه الجميع الأعمال الدرامية القصيرة، وماذا عن عنونة الحلقات، وكيف وجد تشبيه أداء إحدى بطلات العمل بالفنانة عبلة كامل، وفيما يلي أبرز تصريحاته:

1- الهدف الأساسي من المُسلسل الدرامي “أعمل إيه” تقديم عمل فني به “نوستالجيا” تذكر الجمهور بذكريات زمن الفن الجميل فوجدت أن أنسب وأسرع طريق لمعايشة الجماهير هذه الحالة وبشكل معاصر دون أن يشعروا أننا نتحدث عن الثمانينات أن يكون بطل العمل مهنته مرتبطة بالإذاعة لأنها أعظم نوستالجيا بالنسبة لنا.

2- أردت تسليط الضوء على الكوارد المنسية أو الجنود المجهولة في الإذاعة نظرا لتقديسي بشكل شخصي لمبنى ماسبيرو وعراقته ولأن الأعمال الفنية تتحدث دائما عن مقدمي البرامج والصحفيين ولكن لا تتحدث عن مديري الإضاءة أو مهندسي الصوت فهذه الكوادر كانت مُلهمة لي فجعلت بطل العمل يمتهن هندسة الصوت.

3- تمنيت أن يكون “أعمل إيه” 30 حلقة كحد أقصى ولكن وفقا لخطة عرض الشركة المُنتجة طلبت 45 حلقة وكان الإتفاق على ذلك ،ومن هنا كانت المُغامرة في كيفية التنفيذ وأن تخلو الـ45 حلقة من الملل والأحداث الباردة وتكرار المعاني وتكون بنفس سخونة الـ10 حلقات وبها دماء متجددة فى مسيرة الأحداث والبناء الدرامي.

4- العمل بدأ باسم “أعمل إيه” ولم يتم تغييره لأن الاسم كان مُلهما لي فبطل العمل رجل لديه أربع فتيات وأمه وأخته وزوجته فماذا يفعل في هذا الزمن الملئ بالتحديات فأول سؤال ستطرحه الجماهير هو “هيعمل إيه” عبد الله الفولاني.

5- أصعب منطقة كتبتها في العمل كانت التراجيديا بشكل عام والحلقات الأخيرة بشكل خاص ومعنى الصعوبة هنا الآلم فكانت مؤلمة للغاية بالنسبة لي لأننى تعايشت مع هذه الأحداث كثيرا.

6- شخصية عبد الله الفولاني كانت مُرهقة في كتابتها طوال الوقت فهي شخصية غير متوقعة دائما وكتابتها يجب أن تكون بحساب شديد لأنها عمود القصة وأي خلل بها سيُؤثر على العمل كاملا والشخصية التي تليه في الصعوبة كانت شخصية إيناس وكذلك شخصية مازن لأنها مُعقدة ومتأرجحة دائما ما بين اليمين والشمال.

7- اللمسة الفنية فى إنترو العمل والخاصة بـ”هُنا القاهرة” و”الساعة الآن” من اقتراح مونتير العمل والتتر لانفعاله بالعمل وقصته فاقترح هذه اللمسة ونالت إعجابنا فقُمنا بتنفيذها.

8- تسمية كل حلقة وعنونة الحلقات الغرض منه لفت الإنتباه للحدث الأبرز ولكن ليس معناه أنه فقط المهم فى الحلقة لكنه عماد الحلقة ومحورها ،وأحب هذا الإبتكار كثيرا لأن عنونة الحلقات لها طعم مختلف بالنسبة لي وتعطيني إيحاء أكثر.

9- تسمية بنات عبد الله الفولاني على أسماء مطربات الزمن الجميل تمجيدا لهذا الزمن ولكن بشكل مُعاصر فبطل العمل عاشقا لهذه النوستالجيا وننقل من خلاله كيف كان هذا العصر الذهبي فى مصر من حيث الطرب والموسيقى والفن لدرجة جعلته يُحقق ريادة مصرية على مستوى العالم العربي وكان يستحق أن يتأثر به بطل العمل لدرجة تجعله يُسمي بناته بأسماء مطربات هذا الزمن الجميل.

10- الدلالة من الأغاني التي تم استخدامها في العمل هي حالة النوستالجيا حتى يرى الجيل الجديد سحر هذه الأغاني بشكل غير مباشر ودون إنشاء فوضعناها مُغلفة في علبة شيكولاته تُسمى الدراما.

11- عبد الله الفولاني هو الشخص الذي تمنيت أن أصل إليه بكل صفاته فهو شخص لا يملك إلا حب الخير للجميع كما أنه ليس مثالي كما يعتقد البعض فهو إنسان من لحم ودم ولم يكن مثالياً بالمعنى المفهوم فهو به طيبة وهناك شخصيات أشد نقاء واستقامة ومصالحة مع النفس أكثر من عبد الله ولكننا للأسف منذ فترة طويلة ونحن نصدر النماذج العكسية أو النماذج المُختلفة عن ذلك لأن هناك تصور لدى بعض الصُناع أن المواضيع الحراقة هي التي تُحقق مشاهدات لأن الجماهير تريد رؤية ذلك وهذا الأمر ليس حقيقي فالجماهير تريد رؤية كافة الألوان ولكن على حقيقتها فالجمهور يريد الصدق.

12- عبد الله الفولاني لم يكن مثاليا بالدرجة الأولى ودليل ذلك وقوعه فى أكثر من خطأ ومن ضمن هذه الأخطاء تزويره لشهادة ميلاد ونسبه لفتاة ليست ابنته وجعلها تعيش في كنفه كل هذه الفترة كما أنه ضعف أمام حاجته للمال وحاجة أسرته عندما وافق على تلحين موسيقى “هلس”.

13- علاقة عبد الله الفولاني بالعود والعصفور كنت أريد أقول من خلالها وبشكل غير مباشر أن هذا الرجل متصالح أيضا مع الطيور والجماد نفسه فعلى الرغم من كل المآسي التي مر بها إلا أن خفة روحه ونقائه وضميره جعلوه يرى الدنيا كلها جميلة ويتحدث معها وترد عليه فهناك حالة من السلاسة بيّنه وبيّن الأشياء مثل الحالة التي بينه وبين البني آدميين وهذا الأمر هو الذى يجعله مختلفا ويخترق القلوب.

14- استخدام بطل العمل لسمّاعات الأذن عند استخدامه لهاتفه المحمول كانت من اقتراح الفنان خالد الصاوي وعندما اقترحها أعجبتني كثيرا والمقصود منها أنه يُقدس حالة الصوت بحكم مهنته كمهندس صوت فيحب دائما أن يسمع الصوت بأذنيه الاثنين مثلما اعتاد في عمله.

15- أهم ما يُميز الفنان خالد الصاوي توهجه الفني فلديه توهج دائم وانفعال مستمر فى القصة وجدية ومرونة في تطويع الشخصية والمناقشات لأنه يُريد الوصول لأفضل صورة ممكنة فنحن نُسميه راهب الفن لأنه يهب حياته كاملة للفن ولا يتعامل مع الفن من أجل النجومية أو على أنه وظيفة لكنه يعيش شخصياته معايشة كاملة وهذا الأمر نادر الحدوث وعندما يحدث يكون ممتعا للكاتب وللمُخرج أيضا يرفض أن يوضع في قالب معين من الأدوار ولا يتدخل فى مساحات أدواره بالعكس كان أحيانا يطلب تدعيم شخصيات نالت إعجابه.

16- الفنانة صابرين جسدت شخصية “إيناس” بشكل رائع وفاقت توقعي فقد قمت بترشيحها للدور وعندما تحدثت معها أخبرتها بأنني سمعت صوتها منذ الحلقة الأولى ولا استطيع رؤية أحد غيرها في الدور لأنها شبه أمهات كثيرة في البيوت المصرية وكنت دائما أقول لها استعدي للنهاية لأنني كنت أعلم أنه سيكون عليها ضغط كبير.

17- صابرين أنضج من أنها تعلق على فكرة تجسيدها لشخصية أم لأربع فتيات فقد كان اهتمامها الأول والأخير بالشخصية لأنها كانت مُغرمة بها فكان اهتمامها حول أصل إيناس ومن اين أتت وإلى أين تذهب حتى تقوم بعمل خلفية للشخصية .

18- تشبيه شخصية “عنبة” التي جسدتها الفنانة ريهام الشنواني بالفنانة عبلة كامل في المسلسل الدرامي”إمرأة من زمن الحب” فيه ظلم كبير لريهام لأنها لم تقصد تقليد الفنانة عبلة كامل لأنها سعت لتأخذ الشخصية في إتجاه جديد فمن الممكن أن يحدث تماس بينها وبين أداء “لبيبة” فمن الصعب أن تتجرأ فنانة أو تُفكر في تقليد النجمة عبلة كامل.

19- تأثرت بكل أعمال الراحل أسامة أنور عُكاشة ولكن لم يأت في ذهني هذا الربط ولم أركز في أن الخط الدرامي لـ”لبيبة” في “إمراة من زمن الحب” شبيه بـ”عنبة” في “أعمل إيه” وأنها كانت أخت الزوج أيضا خاصة وأن في إمراة من زمن الحب كانت الفنانة سميرة أحمد هي من أتت بـ”لبيبة” من المنيا لكن “عنبة” ظهرت في العمل بعد 10 حلقات وصلة الربط كانت شقيقها عبد الله وليست زوجته كما أنها لم تكُن مُقيمة إقامة دائمة في القاهرة.

20- جعلت شخصية “شادية” تشبه عبد الله في الصفات حتى أقول إن الأبوة ليست في الدم فقط وإنما قد تكون أبوة معنوية أيضاً ودليل ذلك أن البنت التي ليست من صلبه هي أقرب بناته إليه ليس في الشكل ولكن في الطباع والروح والأخلاق والثقافة فقد اكتسبت كل صفاته بالحب لأن الحب أساس الأبوة المعنوية فالحب يعوض التأثير الجيني.

21- شخصية “فايزة” لخصها عبد الله في مشهد عندما قال إنها سمعته ذات مرة وهو يُصلي ويقول يارب ولد فاستجابة لرغبة والدها استقر هذا المعنى داخلها منذ أن كانت طفلة إلى أن كبُرت وهذا هو المغزى الدرامي للشخصية ولكن البُعد النفسي للشخصية أنها تمثل شريحة كبيرة من الفتيات المتمردات على فكرة الأنوثة ومكسورة الجناح واللاتي يدعمن فكرة محاربة الذكورية أو المجتمع الذكوري مؤخرا وتتبنون فكرة “الاندبندنت وومن”.

22- سلطت الضوء على الظاهرة المُنتشرة كالنار في الهشيم وهو الاستغراق المُبالغ جدا والتأثر الجنوني وأثر السوشيال ميديا على حياتنا خاصة على الفتيات من خلال شخصية “نجاة” فشخصية نجاة كانت مهمة للغاية بالنسبة لي لأنها تمثل الدرجة المؤدية لمخاطر حقيقية مثل السقوط في بئر الـ”تيك توك”.

23- الهدف من شخصية أم كلثوم عدم استهانة الأسر بذكاء الأطفال في هذا العصر وألا يتعاملوا معهم على أنهم أطفال ليس لهم آراء ودليل ذلك أن أم كلثوم قالت في النهاية كلام لوالدها لم يُقال من شقيقاتها الكبار والمقصود من كلامها أن الطفل الذي نستهين به يكاد يكون أذكى أشقائه.

24- صياغة شخصية ليزا كانت صعبة للغاية لأنه كان مطلوب أن تكون مفارقتها مع البيت المصرى خفيفة الظل دون مبالغة وفي نفس الوقت تكون حدث مهم فالأشياء التي تطرح تصور كوميدي هي في الأصل دراما تكون مُعقدة فى كتابتها.

25- الفنانة هدى الإدريسي نجحت في تقديم شخصية “ليزا” بشكل مختلف عن شخصية “مارجريت” في “الصعلوك” فمارجريت كانت فرنسية تتعامل بروح طفلة على عكس ليزا فهي ناقمة على هذا المجتمع ولا تُحبه وأتت في البداية كي تستدرجهم لتأخذ شقتها فاندمجت معهم رغما عنها.

26- المقصود بعجز البصر لشخصية الشيخ زكريا أنه ضمير عبد الله الفولاني أو العدالة ودليل ذلك أنه هو الذي أرشده للطريق الصحيح في النهاية من خلال السبع آيات وكانت بهن الإجابة تدريجيا.

27- الشيخ زكريا في “أعمل إيه” و”عم صلاح” في “هي ودافنشي” بينهما صلة تماس وهي العمى لكن عم صلاح كان صحفياً مثقفاً يُدرس اللغة العربية في الحارة ويسعى ليعلم الناس ولكن الشيخ زكريا كان صوفي.

28- شخصية “مازن” تتلخص في اسم برنامجه “أصل وصورة” وقصدت من خلال هذه الشخصية مناقشة أزمة الإعلامي الذي يعيش حالة الكذب في حياته الشخصية والتي ينتج عنها أنه رغم نجوميته إلا أنه يواجه أزمات وجودية فهو يرى أنه ليس رجلا فقد باع نفسه لسيدة مما أفسد عليه متعة ونشوة النجاح.

29- اختفاء مازن عن المشهد الآخير للعمل يتعلق بالدراما وإمكانية طرح جزء ثاني فقد تعمدت أن تسير الأمور على طبيعتها بمعنى رفضت إغلاق كل الخطوط الدرامية لمجرد أنها الحلقة الأخيرة فلدينا حياة تسير بشكل طبيعي فـ مازن جلس مع شادية بعد الحلقة واعترف لها بحبه وصمتها دليل على موافقتها ولكنهما في أزمة كبيرة فالفتاة اكتشفت أنها ليست إبنة والدها ووالدتها ومازن فضح نفسه على الهواء في البرنامج ومازال بينه وبين فريال مشاكل فمن الطبيعي أن أزماتهم لم تنته بعد وعلاقتهما لا تُحل فى يوم وليلة لأنهما في أزمة لا يمكن الاستهانة بها وتحتاج لزمن حتى تُحل.

30- ردود الأفعال حول العمل فاقت توقعي فالجمهور إنفعل بعائلة عبد الله الفولاني وارتبط بهم وكأنهم يجلسون معهم بمنازلهم وتسببت هذه الردود في حالة من النشوة الرائعة لدي خاصة وأن حالة التفاعل من الجمهور نادرة الحدوث.

31- وجود موسم درامي شتوي شئ مُبشر بالنسبة لي ففكرة وجود مواسم على مدار السنة غير الموسم الدرامي الرمضاني مُهم ومُفيد للصناعة الفنية لأن ذلك يحل مشكلات كثيرة في الدراما ويُعطي فرصة بشكل أكبر لظهور مواهب فنية فالزحام بالموسم الرمضاني أصبح مُبالغ فيه وهناك أعمال كثيرة تُظلم لمجرد العرض بالسباق الرمضاني.

نرشح لك: خطوة مؤثرة ومُهمة.. محمد مهران يتحدث عن “أعمل إيه”