خطة كيوبيد.. علاج مسرحي لمخاوف الحب والزواج

خطة كيوبيد

إيمان مندور

يتطلب النشاط الفني والثقافي كالإبداع استجابة وتفاعلا مستمرًا من المجتمع لإثرائه، ويسعى لتعميق الإحساس بالجمال ورفع القيم الروحية والثقافية لدى الناس، وهو ما يمكن إدراكه في تجربة “خطة كيوبيد”، العرض المسرحي الذي أخرجه أحمد فؤاد وشارك في بطولته الفنان القدير عبد المنعم رياض ونوال سمير وكريم الحسيني وأمنية حسن.

المفارقة التي لم يضعها القائمون على “خطة كيوبيد” في الحسبان أن يتزامن العرض مع تريندات مثيرة للجدل عن العلاقة بين المرأة والرجل قبل وبعد الزواج، فالعرض الذي يكشف الجوانب الحقيقية التي تمر بها العلاقات العاطفية، والأزمات التي لا مفر من مواجهتها في الحياة الزوجية، جاء بمثابة حل فني مباشر لمخاوف باتت تؤرق الشباب والفتيات من مسؤوليات الزواج.

خطة كيوبيد

نرشح لك: تفاصيل التحضير لعرض “خطة كيوبيد” على مسرح السلام


أي أنه بينما كانت القيامة تقوم على السوشيال ميديا بأن “الست ملزمة ولا مش ملزمة”، و”الراجل يمضي على القايمة أم لا”، و”المرأة ترفض أو توافق على إرضاع أطفالها وخدمة منزلها”، كان “خطة كيوبيد” يغرد خارج السرب المليء بالخلافات والحدة، ليتناول مخاوف الفتيات والشباب من الزواج، وسبل التغلب على تلك المخاوف، بطريقة عملية كوميدية مليئة بالعواطف والاستعراض والغناء.

الفكرة أم الكوميديا

يشير أحمد فؤاد، مخرج العرض المسرحي “خطة كيوبيد”، لـ إعلام دوت كوم، إلى أن الهدف كان تقديم الفكرة الأساسية بشكل ساخر وممتع، حتى يسهل جذب الجمهور للعرض وفهم الفكرة موضع التناول، قائلا: “عشان نجيب أكبر قدر من الجمهور لازم نوريله مأساته لكن بشكل ساخر، لأن الناس عارفه المشاكل كلها، مش محتاج تقوله المشكلة قد ما أنت بتستمتع.. هدف المسرح الأساسي هو الاستمتاع ثم تقديم الفكرة.. والشكل الكوميدي من أكتر الأشكال اللي الطابع المصري بيحبها لذلك سعينا لتقديم الفكرة بالطابع ده”.

أما الفنان عبد المنعم رياض، فيشير إلى أن مخاوف الارتباط تشكّل حالة واسعة من القلق لدى الشباب، ويسعى الجميع لإيجاد حلول واقعية لهذه الأزمة، فالحب شيء جميل، لكنه البداية لرحلة طويلة، وليس النهاية، حيث يأتي بعده التفاهم والاحترام والتصالح والمصارحة بالمخاوف حتى يتمكّن الطرفان من تجاوزها والاستمرار في العلاقة، وهو ما تنطلق منه فكرة “خطة كيوبيد”.

يواصل أن العرض يتناول قضية مهمة وفلسفية لكن بطريقة كوميدية، فالكوميديا أو الضحك الراقي يخاطب عقل المتلقي، وفي هذا العرض تتم مناقشة قضية فلسفية صعبة تخص كل المقبلين على الزواج أو الذين تزوجوا بالفعل، لكن بشكل كوميدي، أي أن الفكرة هي الأساس في “خطة كيوبيد”، ثم تأتي من بعدها الكوميديا.

تحضيرات العرض

يوضح أحمد فؤاد أن بداية الفكرة كانت في نقاش بينه وبين الفنان محسن منصور مدير المسرح الحديث الذي يحتضن قاعة يوسف إدريس ومسرح السلام، عن البحث عن فكرة لإعادة افتتاح القاعة بعد سنوات طويلة من إغلاقها، ووقتها اتفقا على تيمة الحب، وبدأ العمل بالفعل بالتعاون مع المؤلف عبد الله الشاعر، لتنتهي التحضيرات في النهاية بالعرض المسرحي “خطة كيوبيد”.

يضيف فؤاد لـ إعلام دوت كوم أن التحضيرات للعرض استغرقت شهرين، سواء في بناء الفكرة ورسم الشخصيات أو اختيار الممثلين، وقد كان هذا الاختيار هو الأكثر صعوبة في تلك الفترة، مضيفا: “اختيار الممثلين كان أطول فترة اخدناها في التحضير.. إنه مين الأربعة اللي يقدروا يعملوا الشغل ده، مكناش بندور على كوميديانات بالرغم من إن العرض كوميدي، كنا بندور على ممثلين محترفين عندهم القدرات الكاملة إنهم يقدموا تنوع شديد في الشكل المسرحي اللي بيقدموه.. لأن محتاجين في العرض غنا وأداء حركي وتمثيل تراجيدي وكوميدي.. وبالفعل رباعي المسرحية أجاد ده، وكلهم ظهروا بشكل مغاير للي الناس متعودة عليه”.

دور البطولة

خطة كيوبيد

التألق الأكبر خلال العرض كان للفنان القدير عبد المنعم رياض، من خلال تجسيد شخصية “كيوبيد” إله الحب عند الإغريق، الذي يترك مهمته بعدما تزوج ليمر بحياة عادية مع زوجته، وعندما يقترب موعد زواج ابنته يلاحظ الخلافات المستمرة بينها وبين خطيبها، فيتدخل بإخضاعهما لعدة اختبارات ليدركا تفاصيل الحياة التي يقبلان عليها، مما يزيد من فرص تمسكهما ببعضهما البعض.

في حديثه مع إعلام دوت كوم يشير عبد المنعم رياض إلى أنه شارك في “خطة كيوبيد” لثلاث أسباب؛ الأول الفكرة التي يتناولها العرض، فموضوع الحب والزواج والأزمات المرتبطة به يشغل الجميع وتدور النقاشات حوله على كافة الأصعدة، وبالتالي يأتي العرض ليقدم حلولا عملية بطريقة كوميدية خفيفة، قائلا: “أمر ممتع إن أنا أعيد طرح قضية تكاد تكون على السطح ولكن بشكل جديد ومن رؤية جديدة وبحلول عملية.. وده حمسني جدا”.

يضيف أن السبب الثاني هو ثقته في المخرج أحمد فؤاد، فقد كان التعاون بينهما بمثابة تحقيق لرغبة سابقة لديه في العمل معه كمخرج، قائلا: “وجود أحمد فؤاد كمخرج ده كان مخليني مطمن أوي، هو طبعا قدّم أعمال كتير لكن كنت شوفت له عمل واحد اللي هو (ديجافو) وعجبني جدا، إنه يقدم حاجة بهذا العمق وهذه الفلسفة وفي نفس الوقت بهذه البساطة والكوميديا.. فده خلاني حابب اشتغل معاه”.

السبب الثالث في رأي عبد المنعم رياض هو قاعة يوسف إدريس إحدى أهم قاعات الإنتاج المسرحي في مصر، والتي كان يتمنى تقديم عروض خلالها، لكن لم تسنح له الفرصة، إلى أن جاءته في عرض “خطة كيوبيد”، ليعاد افتتاحها بالعرض بعد 11 عاما من إغلاقها.

صعوبات الديكور والأزياء

خطة كيوبيد

يشير المخرج أحمد فؤاد إلى أن العمل المسرحي عمل متكامل لا يقوم فقط على الممثلين، بل يجب أن تكون العناصر كافة بنفس الدقة، وبالتالي لا بد أن يكون الديكور والأزياء على نفس المستوى مع باقي العناصر، وفي عرض “خطة كيوبيد” لم يكن الأمر بمثابة صعوبات بقدر ما هو تحدي لمساحة القاعة الصغيرة، قائلا: “فكرة إنه ازاي نتحدى المساحة ونقدم عرض في تغيير لأكثر من منظر في الديكور جوا مساحة صغيرة جدا، وتغيير لأكثر من شكل في الملابس بالرغم إنه مفيش كواليس، تحدي ازاي نخلي ده جزء من العمل الفني أصلا وإن التغيير يبقى كأنه جزء من فنيات العرض، والحمد لله وفقنا في ده لأن الممثلين مجتهدين جدا في خلق حالة التحول دي”.

وفيما يتعلّق بالصعوبات التي واجهها فريق العمل، أوضح الفنان عبد المنعم رياض أن صعوبة هذا العرض تكمن في انطلاقه من فرضية خيالية وأسطورية للغاية ولكنها على أرض الواقع تهم الجميع، وبالتالي ينبغي أن تجعل كل شيء حقيقي طوال العرض، خاصة في النقلات بين الأزمنة والمواقف، على أن يظل الجمهور منتبهًا ومصدّقا لما تقدمه، هذا بالإضافة لتغيير الأزياء بسرعة شديدة، وهو ما أجاده الجميع مع التدريب المستمر. وكذلك صغر مساحة القاعة بقدر ما كان أمرًا جميلًا بقدر ما كان مرعبًا في الوقت ذاته، لأنه يخلق حالة من الحميمية بين المتلقي والممثل اللذين يفصل بينهما مسافة أقل من متر واحد أو اثنين، وبالتالي “انفعالاتك كلها بحساب”.

يستطرد” “المتفرج متوحد معاك وجنبك، ده على قد ما بيخلق حالة من الحميمية والانبساط إلا إنه بيخلق لك صعوبة إنك بتبقى حريص إن تكون حقيقي طول الوقت وقادر توصله الرسالة بأسهل ما يكون”.

مشاكل المسرح

خطة كيوبيد

وفيما يتعلق بالمشاكل التي تواجه المسرح، يؤكد أحمد فؤاد أنه بالرغم من ظهور مواهب فنية مسرحية على كافة المستويات، إلا إن هناك مشكلة دائمة متعلقة بالإنتاج، فهناك صعوبة إنتاجية في الحصول على فرصة لتقديم عمل مسرحي متكامل بحسب رؤيتك الإخراجية، فجهات الإنتاج المسرحي قليلة في مصر، والأساس وزارة الثقافة وما بعدها اعتماد فردي وشخصي للمسرح المستقل الذي أصبحت حركته أكثر ضعفا نتيجة التكاليف المادية الكبيرة، مضيفا: “المسرح مكلف بينما العائد بتاعه مبيبقاش كبير ومبيغيطيش تكاليفه.. أي أنه في الأغلب هناك صعوبات إنتاجية بينما على المستوى الفني في ثراء في المواهب التي تستحق الفرص”.

على الجانب الآخر، يرى الفنان عبد المنعم رياض أن الصعوبة الحالية في المسرح تكمن في المواضيع التي يتم تناولها، بالإضافة لطريقة التناول التي يجب أن تواكب العصر وتصل بسهولة للجمهور، وكذلك الدعاية، فالجمهور عاد للمسرح بشكل لافت في السنوات الماضية، وبالتالي تحتاج العروض المختلفة لقدر كبير من الدعاية حتى يعود الجمهور بقدر أكبر، ويزداد استمتاعه بحالة التنوع المسرحي.