حوادث 20 يونيو.. رفاهية الحزن "حلال" على القارئ "حرام" على الصحفي

هدير عبد المنعم

الفضول سمة بشرية، وكلما كان الأمر غامضا ومشوقا كلما زاد الفضول داخل الإنسان وارتفعت نسبة الجاذبية لمعرفة تفاصيله، ولكن أن يكون الأمر هو عبارة عن مأساة مؤلمة.. هل ينتصر الفضول أيضا لمعرفة تفاصيل المأساة؟ حتى لو أن تلك التفاصيل مؤلمة؟.. بالأمس الموافق 20 يونيو شهدت مصر عدة حوادث مأساوية تفاصيلها مؤلمة، ومع ذلك تهافت الكثير والكثير لمعرفة التفاصيل المؤلمة والتعليق عليها وتحليلها!

المجبرون في الأرض.. طبيب ومحقق نيابة وصحفي

إذا كنت شخص غير مجبر بطبيعة عملك أو قربك من الحدث، أن تتابع تفاصيله، فأنت محظوظ وجدا، ولكن أن تختار بكامل إرادتك الحرة أن تنغمس داخل الحدث، فأنت تؤذي نفسك بشكل كبير.. عزيزي الذي قضى يومه بالأمس بين حادث طالبة المنصورة ثم انتحار شاب من أعلى برج القاهرة، وانتحار آخر بالمنصورة.. وأنت غير مجبر بأي شكل من الأشكال لمتابعتهم.. أنت في نعمة يتمناها غيرك، وغيرك هم أقارب ومعارف الضحايا، والطبيب والصحفي (يشمل كل من يعمل بمجال الإعلام) ومحقق النيابة.

نرشح لك: إلى عروس البحيرة وباقي النجوم: لا تضغط “نشر” ..النشر به سم قاتل

احتار العلماء في تفسير مشاهدة ونشر “فيديو ذبح فتاة”

ما الدافع وراء مشاهدة مقطع فيديو لشخص يذبح فتاة؟ ما الفائدة من رؤية مشهد مثل هذا؟ هل تم إشباع الفضول؟.. البعض لم يكتف بالمشاهدة بل وسارع بنشره بكثرة حتى من لا يرغب في المشاهدة وجد نفسه محاصرا بتلك المشاهد المؤذية، ما المنطق وراء المشاهدة والنشر؟.. هؤلاء هم أفراد عاديون، فعلوا ذلك بمحض إرادتهم، رغم التنبيه على ضرورة عدم تداول مثل تلك المشاهد لما لها من أثر نفسي سلبي على من يراها.

الحزن رفاهية لا يمتلكها الصحفي

هنا نتحدث عن الصحفي، لا يمتلك فرصة تلقي الخبر ثم الشعور بالحزن أو حتى تجاهله لحماية نفسه من الشعور بالألم.. لا، الصحفي يتلقى الخبر في صورته الأولية، وسريعا عليه البحث والتحقق وجمع المعلومات والتفاصيل حوله، الحزن أو التجاهل هنا رفاهية ليست متاحة.
نعود للصحفي الذي قضى يومه بين تلقي أخبار ضحايا لقوا حتفهم بطرق بشعة، وعليه أن يتعمق ويعرف التفاصيل حتى يقدمها للقاريء، خاصة أنه كما ذكرنا سابقا الكثير والكثير من الناس على مدار اليوم كان اهتمامهم الأول وقد يكون الوحيد هي تلك الحوادث، إذن تلك الحوادث “ترند” وهذا يزيد من أهميتها، وعلى الصحفي أن يعمل، والمقصود هنا العمل وفق الضوابط المهنية والأخلاقية للصحافة المنصوص عليها في مثل تلك الحوادث، أما المخالفون فلعلهم يتعظوا مما رأوه أثناء تغطيتهم الغير مهنية لتلك الحوادث.

يوم لا ينتهي

إذا كنت من أصحاب الفضول الذين قضوا يومهم في تتبع أخبار تلك الحوادث المروعة، والتهافت لمعرفة أي معلومة جديدة عنها.. دعني أخبرك أنه كان هناك صحفي يعمل ليقدم لك تلك المعلومات التي ازدادت أهميتها بسببك، ويتمنى فقط أن ينتهي اليوم أو ينتهي أمره هو فالخبر الوحيد الذي يتمنى أن يتلقاه هذا الصحفي هو أنه “إجازة” أو “مفصول عن العمل” ليهرول مسرعا خارج هذا اليوم، وأخبار الموتى، وتفاصيل وفاتهم المؤلمة، التي تسابقت أنت لمعرفتها ورؤيتها ونشرها!