محمود صالح يكتب: الإعلان الغنائي.. ما له وما عليه

سنحاول في هذه السطور فهم ماهية الإعلان الغنائي (الموسيقي) وتأثير سيطرته علي المشهد الإعلاني لهذا الموسم الرمضاني من خلال طرح حزمة الأسئلة والتي نحاول من خلال إجابتها البسيطة فهم طبيعة المشهد.

ستكون البداية بأسئلة قد تبدو مملة ولكنها ملحه لقراءة الصورة بشكل واضح

ما هو الإعلان الغنائي (الموسيقي) وكيف نشأ؟

الإعلان الغنائي هو أحد القوالب الإعلانية التي تستخدمها المؤسسات في الترويج لمنتج أو خدمة أو فكرة وتعود بداية الإعلان الغنائي إلى عام ١٩٢٢ مع انطلاق البث الإذاعي التجاري في أمريكا ولكن التأثير الحقيقي كان من خلال الاعتماد على أعمال غنائية شهيرة تشتري المؤسسات حقوقها وتستبدل كلماتها بالعلامة التجارية

ما هو الدور المطلوب من الإعلان بشكل عام والإعلان الغنائي بشكل خاص؟

الهدف المطلوب من الإعلان بشكل عام والغنائي بشكل خاص هو التعريف بالمنتج أو الخدمة أو الفكرة ثم الإقناع بالشراء أو تبني الفكرة، وأخيراً التذكير بالعلامة التجارية.

 

نرشح لك: محمود صالح يكتب: الموسم الإعلاني الرمضاني.. ملامح مبكرة لموسم لم تكتمل صورته

ما هي المواصفات المطلوب توافرها في الإعلان الغنائي لتحقيق أهداف عملية الترويج؟
لا بد من أن تكون الأغنية المستخدمة بسيطة وقصيرة وصاحبة تأثير يمكن للمؤسسة استثمار نجاحها وتأثيرها في خدمة المنتج أو الخدمة أو الفكرة مثل ما حدث مع شركات المشروبات الغازية العالمية في استخدامها لأعمال مايكل جكسون في عام ١٩٨٤.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة أين نحن الآن من كل هذا؟

الحقيقة الصادمة أننا الآن أمام مشهد عبثي بامتياز تبدوا ملامحه علي النحو التالي:

أولاً: ظن صناع الإعلان أن بإمكان القالب الغنائي للإعلان من أن يكون وسيلة سهلة ومضمونة في التأثير وذلك بسبب النجاح الكبير الذي حققته حملة شركة اتصالات تحت عنوان “مع بعض”.

والحقيقة أن هذا النجاح كان بمثابة فخ أفرز سلبيات كثيرة للمشهد الإعلاني المصري أهمها
تحول الإعلان الغنائي من كونه وسيلة لكونه هدف فأصبحت نفس الشركة كل عام تقدم عمل غنائي يحمل مضامين متقاربة بحثا عن نجاح النسخة الأولى فأصبحنا أمام حالة من حالات “تعاطي للإعلان الغنائي” ودخل هذا المعترك مؤسسات أخرى وعلى رأسها مؤسسة مصرفية وطنية جرت العادة كل عام على إنتاج عمل غنائي يتناول أفكار متقاربة تنجح في موسم نجاح ساحق وتفشل في مواسم أخرى.

ثانياً: عبثية المشهد خلقت لاعب جديد في صناعة الإعلان المصرية وهم صناع الأغنية الدعائية وظهرهم في شكل مجموعات عمل متجانسة مثل “الشاعر نصر الدين ناجي والملحن أحمد فرحات”، “الشاعرة منه عدلي القيعي والملحن أحمد طارق يحيى”، الأمر الذي شكل إغراء كبير لصناع الأغنية الطربية لدخول المجال خصوصا مع القيمة المالية المرتفعة للأغنية الدعائية مقارنة بالأغنية الطربية “الشاعر أمير طعيمة – الشاعر أيمن بهجت قمر – الشاعر والملحن عزيز شافعي – الملحن إيهاب عبد الواحد – الملحن عمرو مصطفى”، لم يتوقف المشهد هنا بل امتد أن وكالات إعلانية صناع أعمال غنائية بشكل حصري لا يقدموا أي أعمال لأي وكالة أخرى الأمر الذي أضاف عبثية اخري للمشهد.

ثالثاً: من المتعارف عليه أن يكون الإعلان بشكل عام قصير ومؤثر ومفهوم اختفت هذه الملامح من الإعلان الغنائي المصري فأضحت الإعلانات الغنائي عبارة عن أغاني طويلة مصورة على طريقة الفيديو كليب وذلك بسبب دخول صناع الأغاني الطربية على صناعة الإعلان بأفكار وتقاليد صناعة الأغنية الطربية.

رابعاً: الإعلان الغنائي بشكله الحالي كنسخ طويلة شكل عبء مالي كبير على المؤسسات في عملية البث وبشكل خاص كون إليه التسعير في البث الإعلاني تعتمد علي نسخة لا تتجاوز ٣٠ ث وبالتالي نسخة الإعلان الغنائي التي تتجاوز الدقيقتين يتم المحاسبة عليها كونها أربع إعلانات.

خامساً: انصرف الاهتمام إلي العنصر الموسيقي في الإعلان مع إهمال للمكون الإبداعي والرسالة الإعلانية في الإعلان فظهر رد فعل الجمهور بتسمية الإعلانات بأسماء المطربين وليس العلامات التجارية في ضربة قوية للمؤسسات المعلنة، والذي لجئت بعض المؤسسات إلى إنتاج حملات أخري لا تعتمد على القالب الغنائي لتفادي مشكلات الإعلان الغنائي الخاص بها وظهر بشكل واضح مع مؤسسات مصرفيه.

سادساً: الجمهور أصابه حالة تشبع حقيقية من الإفراط المبالغ فيه في عدد الحملات الإعلانية التي اعتمدت على الإعلان الغنائي وظهر تعبير ” إنتم هتغنوا علينا” وخصوصا كون الحملات الإعلانية خرجت من عدد محدود للغاية من الوكالات الإعلانية.

سابعاً: الإفراط في استخدام الإعلان الغنائي أصاب صناعة الإعلان المصري بعطب شديد تمثل في “خروج صناع المحتوى الإبداعي من المشهد – هجرة صناع الأعمال الغنائية المصورة والدراما إلى عالم صناعة الإعلان والمشكل الحقيقي أنهم كانوا محملين بأدوات وأفكار وتكتيكات صناعة الدراما والسينما والأغنية المصورة الأمر الذي أخرج صناعة الإعلان من مسارها الحقيقي.

ثامناً: تعامل المطربين بمادية مفرطة مع الموسم الرمضاني وكأن الموسم الرمضاني فرصة لإنتاج ألبومات قصيرة لهم، الفنان تامر حسني خرج على حسابه الشخصي يتفاخر بمشاركته في أكثر من خمس حملات إعلانية، الفنان عمرو دياب شارك في حملتين، الفنان أحمد سعد في حملتين، الفنان بهاء سلطان في حملتين، الفنان محمد العسيلي في حملتين إحداها بالتلحين والأخرى بالغناء، وضعت المؤسسات بشكل عام والحكومية والتنموية بشكل خاص في مرمى اتهام واضح من الجمهور وتساؤل حول العوائد الاستثمارية من هذه الحملات وضرورة محاسبتهم علي الحملات غير المدروسة الأمر الذي ضرب بشكل كبير قطاع المؤسسات التنموية في السنوات الماضية وأظن أن حالة الغضب الجماهيري ستضرب الحملات الحكومية قريبا لو استمر الوضع علي ما هو عليه.

تاسعاً: المشهد يحتاج إلى ضبط حقيقي أولى خطواته أن تمتلك المؤسسات فريق تسويقي قوي ومدرب يقدر علي إدارة المشهد وألا يترك للوكالات الإعلانية تتحرك بمفردها على حساب المؤسسات وأهدافها وميزانيتها.

نرشح لك: توفيق عبد الحميد يعلن اعتزال التمثيل بعد مسلسل يوتيرن

 

رغم كل ذلك إلا أن هنالك حملات إعلانية اعتمدت على الإعلان الغنائي وحققت نجاح وتأثير كبير على سبيل المثال لا الحصر حملة شركة اتصالات للفنانة ياسمين عبد العزيز والفنان كريم عبد العزيز لأنها كان تعتمد على جمل موسيقية قصيرة إلا أن العلامة التجارية كانت غائبة عن الحملة الأمر الذي جعل الحملة تنسب لنجومها ليس للشركة.

نلتقي في المقال القادم “الإعلان بالمحتوى.. نقطة ضوء حقيقية في المشهد”.