بين ويجز وسفاح الإسماعيلية.. مين هما المصريين؟!

إيمان مندور

المشهد الأول

خلال الأيام الماضية انتشرت صورة من الحفل الأخير لمطرب الراب الشهير “ويجز” على مسرح المنارة، ويظهر خلالها أن الحفل كامل العدد بشكل مبهر، لدرجة أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي اندهشوا من هذا الكم الجماهيري الكثيف، ليتساءل كثيرون: هو مين ويجز ده؟!

السؤال ذاته استنكرت طرحه الفنانة كندة علوش، لتتناوله بالنقاش والتحليل مع جمهورها لكن من زاوية أخرى، معتبرة أن الراب أو الراب الشعبي أو التراب “لو مش بيعبر عن الشباب ومش شبههم ولا شبه إيقاعهم زي ما الناس بتقول، أومال مين الملايين اللي بتحضر حفلاتهم وبتتابعهم وليه أغانيهم عليها ملايين المشاهدات؟!”.. سؤال جيد سنجيب عنه في النهاية.

نرشح لك: 23 ألفاً من 31 دولة يحضرون حفل افتراضي نظمته Minly لـ “ويجز”

المشهد الثاني

مساء أمس ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو يوثق جريمة قتل بشعة في الإسماعيلية، قام خلالها أحدهم بذبح آخر في الشارع علنا، لدرجة أنه فصل رأسه عن جسده، في حضور الجميع، ولم يردعه أحد من المارة سوى أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، رغم أن الفيديو المتداول يظهر مئات الأشخاص تقريبا في مسرح الجريمة.

بعيدا عن أسباب الجريمة وطبيعة العلاقة التي تجمع القاتل والمقتول، كانت هناك حالة من الاستنكار العام على مواقع التواصل الاجتماعي عن تخاذل المواطنين، وكيف أنه لم “يعد هناك خير في الناس”، وأنه لا يوجد شخص شجاع واحد من بينهم ليتقدم للقاتل ويمنعه من فعله، ليتحول الاستنكار لوصف عام لحالة الشارع المصري، وأن “الجميع” مهما حدث لن يتدخلوا لينقذوك إذا ما حلّ بك خطب ما في الشارع.

والسؤال هنا هل الجميع كذلك بالفعل؟ هل الأغلبية؟ هل قلة فقط؟ وإذا كانوا قلة لماذا في كثير من جرائم القتل والتحرش وغيره لا نجد استجابة قوية من المواطنين؟ وفي كثير من المواقف الإنسانية والأمانة والنزاهة نجد استجابة قوية أيضا في الشارع؟ مَن الشارع أصلا؟ هل هذا أم ذاك؟!

المشهد الثالث

في نهائي القرن التاريخي الذي التقى فيه عملاقا كرة القدم، الأهلي والزمالك، فاز النادي الأهلي على غريمه الأزلي الزمالك بهدفين مقابل هدف واحد، محرزا بذلك لقبه التاسع في تاريخه لدوري أبطال أفريقيا، لتنطلق الاحتفالات في شوارع مصر بجميع محافظاتها وأقاليمها، في ليلة وصفت بأن “مصر لم تنم فيها”. هذا الاحتفال الكبير المدهش أدى لتساؤل منطقي “لمّا كل البلد بتشجع الأهلي أومال فين الزملكاوية؟!”

على الجانب الآخر، احتفل جمهور الزمالك بشكل جنوني بعد تتويج الفريق بطلا لمسابقة الدوري المصري الممتاز، للمرة الـ13 في تاريخه والأولى منذ 6 سنوات، لتنطلق الاحتفالات، وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بالتهنئات، ليعود التساؤل “كل دول زملكاوية ومستخبيين؟! هو الناس كلها طلعت زملكاوية ولا إيه؟!”

المشهد الرابع

قبل ساعات من انطلاق مهرجان الجونة السينمائي في دورته الخامسة، وقع حريق هائل بالقاعة الرئيسية لحفل الافتتاح، لينتشر الخبر كالهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وينتشر معه أيضا تعليقات شديدة السلبية ومليئة بالشماتة عن الحريق، وكيف أنهم تمنوا لو أن القاعة احترقت بمن فيها خلال الحفل. الأمر الذي دفع كثير من الفنانين وغيرهم من الجمهور العادي للتساؤل عن سبب هذا الكره الشديد، ومتى وكيف انتشر بهذا الحجم.. وإذا كان الجميع يكره الفن والفنانين بهذا الشكل فمن الملايين الذين يتابعونهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الملايين الذين يحضرون الأفلام في السينمات وعبر المنصات والقنوات، ومن الملايين الذين يشاهدون مسلسلات رمضان، ومن الملايين الذين يملأون المساجد والبيوت في التراويح.. من هؤلاء؟! ومن هؤلاء؟!

المشهد الخامس

في رثاء شعبي كبير نعى الجمهور المصري الفنان الراحل سمير غانم وزوجته الفنانة دلال عبد العزيز، بعد تجربة مرض وقصة وفاة درامية بسبب فيروس كورونا. الجميع يدعو بالرحمات ويذكر سمير غانم بالضحك والبهجة التي أدخلها على قلوب الجميع، ويذكر دلال بالفن والموهبة والأعمال الخيرية أيضا. كذلك لم ينس الجمهور ابنتيهما دنيا وإيمي من الدعاء مثل والديهما، لدرجة أن الفتاتين أكدتا لاحقا أنه لم يهون عليهما مصيبة الفقد تلك سوى المحبة الجارفة والدعوات الصادقة من ملايين الجماهير.

والسؤال هنا: إذا كان الجميع يحب سمير ودلال وابنتيهما، ويحب الفن الذي يقدمونه، فمن الجمهور الذي يهاجم الفن والفنانين عموما بالملايين أيضا؟!

تطول المشاهد ولا تنتهي إذا حاولنا رصدها، لكن أيا كانت الأمثلة فالإجابة واحدة على كل ما سبق..

هذه طبيعة المصريين، نحن 100 مليون، إن أحب كل مليون شيئا فماذا يضير الأغلبية الباقية؟ وماذا يمنع أصلا أن يحب الإنسان أكثر من شيء في الوقت ذاته؟! ومن قال إن الشجاع دائم الشجاعة والجبان دائم الجبن، ألا تختلف ردود فعل الإنسان بمرور الوقت والعمر والموقف والأحداث؟!

المصريون ليسوا مع هذا ولا ضد ذاك، المصريون هؤلاء جميعا، المزاجية الشعبية تعلو في مواقف وتهبط في أخرى بلا سبب، لكن “وَهم الأكثرية” هو من يصنع تلك الحالة من التساؤلات والحيرة، خاصة في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي قد توهمك عشرات أو مئات أو آلاف المنشورات خلالها أن البلد لم تنم بسبب أمر ما، رغم أننا 100 مليون، هل لم ينم الـ 100 مليون؟ هل نصفهم؟! أم الربع؟! هل تعلم أخيك في الغرفة المجاورة نائم أم مستيقظ؟!

فكر في العدد مرة أخرى، فكر في كل تلك التناقضات، فكر في الأكثرية الدائمة لكل الاتجاهات، فكر ولا تلتفت للأصوات التي تقول إن الشهامة والشجاعة والمروءة ضاعت من المصريين، لأنها إن ضاعت في موقف وجدت في آخر، وما أكثر المصريين وما أكثر المواقف وما أكثر مدّعي التنظير في العوالم الافتراضية.

ميزان الأمان أن يستمر هذا التنوع، فينافس الفن الجيد الفن الردئ، وتنتصر اللعبة الحلوة على العصبية الكروية، ويعرض كل موهوب بضاعته فيجد رد فعل إيجابي من هذا أو سلبي من ذاك، لا يهم النتيجة المهم أن يجد الجميع فرصة لكل شيء، المهم أن يستمر هذا التنوع في الأشياء ونقائضها أيضا.. أما اختيارات الجمهور فاتركها لـ “مزاج الجمهور”، لأنها ستحدث حتما.. وبدون أسباب!