3 ترندات في 24 ساعة.. نقلع الحجاب ولا نلبسه؟

ترندات

إيمان مندور

بعض القضايا يكون من الأفضل عدم التعليق عليها وتحليلها إبان اشتعالها، بل يجب الانتظار حتى تكون الأجواء هادئة، كي لا يربط المتلقي بين القضية العامة المجردة التي يتم تناولها، وبين وقائع بعينها قد نتفق أو نختلف بشأنها.

وبناء عليه، نجد أن فكرة “العنصرية بسبب الملابس داخل مصر” تدخل في إطار هذا النوع من القضايا، بل وتحتاج لاستخدام تعبيرات دقيقة للغاية حتى لا تفاجأ في النهاية أنك أصبحت محسوبا على أي من الفريقين، خاصة أن أغلبية كل فريق حين تدافع عن حقوقها تسلب الطرف الآخر حقوقه في الحرية ذاتها، وبالتالي الوقوف في المنتصف في هذه الأزمة قد لا يعجب الكثيرين، ولن يجد القبول المطلوب لدى العامة، لكنه في كل الأحوال مجرد “فضفضة”، قد تصبح في يوم ما طرف خيط يبدأ منه التغيير للأحسن.

نرشح لك: “فتاة الفستان” بجامعة طنطا تروي واقعة تعرضها للتنمر من قبل مراقبتين

ترندات

نعود لموضوعنا الأساسي، ونؤكد أنه رغم كل ما ذكرناه سابقا، إلا إن أزمة المحجبات وغير المحجبات في مصر لا تكاد تهدأ عواصفها في مكان حتى تبدأ في مكان آخر، وبالتالي من الصعب الوصول لتوقيت ملائم للأجواء العامة كي نتناولها خلاله بهدوء، وهو ما يبرر حديثنا الآن رغم وجود 3 قصص مثيرة للجدل خلال 24 ساعة فقط؛ أولهم الفنانة حلا شيحة التي لا تزال تتأرجح بين التمثيل والحجاب، ودوما ما يكون زواجها المؤشر الأهم لتغيير دفة قراراتها في هذا الشأن، فنجدها تبرأت من فيلمها الأخير، وابتعدت عن الفن للمرة الرابعة تقريبا، ووصلت لمنطقة وسط بين الحجاب وعدم الحجاب، ألا وهي وضع غطاء رأس خفيف يصاحبه ملابس محتشمة، بالإضافة للابتعاد عن الحديث في الفن، والاكتفاء بمنشورات دينية على فترات متباعدة.

القصة الثانية لطالبة بجامعة طنطا تعرضت للتنمر والإساءات أثناء تأدية الامتحان، بسبب الفستان الذي ارتدته، إذ لم يعجب المراقبات أن يكون الفستان قصيرًا بعض الشيء، فوبّخنها باعتبارها فتاة غير مهذبة “نسيت تلبس البنطلون”، كما قالت إحداهن لها.

أما القصة الثالثة، فما تكاد تخمد نارها حتى تشتعل من جديد حول “البوركيني”، أو ما يعرف بالمايوه الشرعي، ورفض بعض المنتجعات والأماكن السياحية لدخول السيدات اللاتي يرتدينه، باعتبارهن أقل رقيا من المكان وغير مقبول تواجدهن فيه، وأن المكان لا يقدم خدماته سوى لسيدات المجتمع غير المحجبات. لذلك ظهرت إحدى الفتيات باكية خلال الساعات الماضية، في فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، إثر منعها من السباحة بـ”البوركيني” داخل إحدى القرى السياحية.

هذه الوقائع الثلاث تكررت في قصص مختلفة سابقة، يختلف بالطبع سياق وتفاصيل كل قصة عن الأخرى، لكنهن يدخلن جميعا تحت نفس الإطار، ألا وهو “العنصرية ضد النساء بسبب الملابس”. هذه العنصرية ليست جديدة بالمناسبة، ففكرة الإيمان بأن الرقي يكمن في إظهار الجسد، والتخلف يقود لتغطيته، أو العكس، موجودة منذ أمد بعيد في مصر، وليست وليدة السنوات الأخيرة، أو تحديدا وليدة ما بعد ثورة يناير كما يتوهم البعض. فقط كل ما في الأمر أن ثورة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فضحت كل هذه القضايا، فصرنا نرى أزماتنا بوضوح وشفافية لم تكن موجودة من قبل.

نرشح لك: شيما صابر: منع لبس مايوهات المحجبات جهل وعنصرية

ترندات

ما الأزمة إذن؟ وما أسبابها؟ وكيف السبيل لحلها؟!

فيما يتعلق بالسؤال الأول، فالأزمة لها جوانب عديدة، لكن في الواقع لا أهمية لذكرها لأن الوجه الحقيقي لها يمكن تلخصيه في أن كل طرف منشغل بالآخر وليس بنفسه، فما يضير هذا أو ذاك أن فلانة بالحجاب أم بدونه؟! الأمر حرية شخصية بحتة، قرار له أسبابه سواء دينية أو اجتماعية، أو ربما نتيجة التعوّد فقط، أو حتى بلا مبرر.

لذلك نجد المشكلة ليست في كون تلك الفنانة ارتدت الحجاب، لكن في كونها بعد ارتدائه حرمت الفن وهاجمت زميلاتها، لو أنها ارتدته في هدوء هل كانت لتحدث مشكلة؟ على الجانب الآخر نجد أخريات عدن وخلعن الحجاب أو لم يرتدينه من الأساس، يقمن باتهام المحجبات بالتشدد والرجعية وغيره من الأمور، هل لو انشغلن بأنفسهن كانت لتحدث مشكلة؟!

ويدخل الرجال على خط المواجهة بالتأكيد، فهذا الداعية “صاحب العضلات” يبرر التحرش بسبب ملابس النساء، وهذا الفنان المثقف ينتقد المحجبات بسبب وبدون سبب ويروج لأن التخلف دخل مصر منذ أن تحجبت النساء، والحقيقة أن المشكلة ليست في النساء ولا في ملابسهن، لكن في أن كل فرد في المجتمع منشغل بغيره لا بنفسه، ورافض لحرية الآخر لمجرد الاختلاف معه.

كل هذه القضايا والنقاشات التي لا تنتهي تؤكد أن المجتمع عنصري.. نعم عنصري بمثقفيه وفنانيه وشيوخه ونسائه ورجاله، أعلم أن التعميم خاطئ، لكنهم الأغلبية للأسف، إذ ربما تكون كاتبة هذه السطور أو حتى قارئها به قدر من العنصرية ولا يدري، فمثلا لو كل واحد منّا سأل نفسه لماذا يعلق على قضايا بعينها حول ملابس النساء ويتجاهل أخرى رغم أن الأزمة واحدة؟! بمعنى أنك ستجد نفسك تشارك على مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا بعينها وتناقش المحيطين حال مواجهة فتاة لأزمة بسبب ملابسها المكشوفة، ستجد نفسك تدافع عنها وعن حقها في الحرية الشخصية، سوف تهاجم المجتمع وتتهم الجميع بالعنصرية، لكن على الجهة المقابلة لو أن الأزمة لفتاة محجبة تمت إهانتها أو منعها من دخول مكان، ستجد أنك قد لا تشارك في الأمر ولا تعلق على الأزمة، ستتعامل كأنك لم تسمع عنها أصلا.. بالطبع على الجهة البعيدة من هذين الفريقين سنجد قلة قليلة تدافع عن حق الجميع. ترندات 

وهذا لا ينفي في كل الأحوال أن اختيار الأشخاص للتعليق على قضايا بعينها وتجاهل أخرى، حق أصيل لكل فرد بلا شك، لكنه في الوقت ذاته مؤشر على أولوياته وقناعاته، مؤشر على أنك تميل لهذا وتبعد عن ذاك. لذلك العنصرية ضد المرأة بسبب الحجاب من عدمه لن تنتهي إلا بالإيمان بحقها في حرية الملبس والمعتقد وفي كل ما لا يمس الغير. لكن للأسف لا أحد يغير إيمانه وقناعاته، ليس بالأمر السهل أن يحدث ذلك، فمن يرى أن المرأة غير المحتشمة تستحق التحرش والاغتصاب، ومن يرى أن المحجبة متخلفة ومظهر من مظاهر الرجعية والتشدد، كلاهما وجهان لعملة العنصرية، التي ستظل متداولة في المجتمع، ما لم يعلن كل فرد عن رفضه لها تجاه الجميع، ولو بمجرد “فضفضة” في سطور وكلمات قد لا يهتم بها أحد، لكنها في النهاية دليل براءتك أمام نفسك من المشاركة هذا العبث.. الذي يبدو أنه لن ينج منه أحد بمرور الوقت.

ترندات