أسباب مناهضة مناصري الحزب الجمهوري في أمريكا للإعلام

محمد إسماعيل الحلواني

طوال السنوات العشرين الأخيرة، تراجعت مستويات ثقة الأمريكيين في وسائل الإعلام التقليدية – خاصة بين الجمهوريين وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب.

ومنذ أواخر التسعينيات على الأقل، كان الجمهوريون أكثر تعبيرًا عن عدم ثقتهم في وسائل الإعلام. وابتداءً من عام 2015، تراجعت الثقة بين الجمهوريين، حيث انخفضت من 32 في المائة إلى 10 في المائة في عام 2020.

نرشح لك: دراسة.. التغطية الإخبارية لجائحة كورونا في أمريكا سلبية بشكل صادم

ويمكن تفسير هذا التراجع جزئيًا إذا فهمنا أن الجمهوريين غالبًا ما يكونون أكثر صراحة في انتقادهم لوسائل الإعلام والتي اعتبروها تمثل تحيزًا ومحاباة لصالح الديمقراطيين والليبراليين.

ولكن الجديد على مدار الأشهر الـ12 الماضية، هو أن الجمهوريين أصبحوا أكثر ميلًا للإعلان عن كونهم “مناهضين لوسائل الإعلام” وهذه العبارة ترسخ نفسها يومًا بعد يوم لتتحول بشكل طبيعي إلى جزء من هويتهم السياسية، وهذا على الأرجح يعمق فجوة الثقة في وسائل الإعلام التي صارت هائلة.

من المألوف أن يبحث كل من الجمهوريين والديمقراطيين عن مصادر الأخبار التي تعزز معتقداتهم وتساند ميولهم السياسية. وتوصلت دراسة جديدة، أشار إليها تقرير لموقع fivethirtyeight.com إلى أن التعرض لوسائل الإعلام الحزبية – سواء كانت ليبرالية أو محافظة – يساهم في خفض ثقة الجمهور العام في الصحافة السائدة بغض النظر عن الحزب السياسي. لكن ما يميز الجمهوريين في هذه المرحلة هو اعتمادهم المستمر على مصدر واحد فقط لجميع أخبارهم وهو: فوكس نيوز.

في دراسته للمشهد الإعلامي في الفترة التي تسبق دورة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، توصل مركز بيو للأبحاث أنه من بين 30 مصدرًا إخباريًا سأل عنها، فقط فوكس نيوز هي المصدر الموثوق به من قبل غالبية الجمهوريين.

(المصدر الثاني الأكثر ثقة لدى الجمهوريين هو قناة ABC News، وذكر 33 بالمائة أنهم يثقون في ABC News للأخبار السياسية والانتخابية مقارنة بـ 65 بالمائة يثقون في فوكس نيوز).

ويرجع ذلك جزئيًا إلى ارتفاع حدة الاستقطاب والعداء تجاه الطرف الآخر الذي سجل أعلى مستوياته على الإطلاق، ويربط الجمهوريون بشكل متزايد وسائل الإعلام الإخبارية بالحزب الديمقراطي. هذا يعني أنه من المرجح أن يرفضوا أي مصدر ليس فوكس نيوز أو شبكة “وان أمريكا نيوز”، أو “نيوزماكس”.

وفي يناير الماضي، من بين الأشخاص الذين قالوا إنهم صوتوا لصالح الرئيس السابق ترامب في عام 2020، وافق 92 في المائة بقوة أو إلى حد ما على أن “وسائل الإعلام السائدة اليوم هي مجرد أحد المكاتب التابعة للحزب الديمقراطي”.

إن عدم الثقة والعداء المتزايد للجمهوريين تجاه وسائل الإعلام، أمران مهمان لأنهم بالفعل يعزلون هذا التيار اليميني المحافظ عن الأخبار. وقد أكدت الدراسات خطورة أن يظل هؤلاء داخل فقاعة إعلامية تروقهم وتتوافق مع مزاجهم وميولهم السياسية، ومن السهل والمنطقي أن يكونوا معاديين للأخبار التي لا تتطابق مع معتقداتهم السياسية. وهذا يعني أيضًا أنهم سيكونوا واثقين للغاية في وسائل الإعلام الإخبارية المفضلة لديهم.

ويشير جوناثان لاد، أستاذ السياسة العامة والحكومة بجامعة جورجتاون ومؤلف كتاب “لماذا يكره الأمريكيون الإعلام”، إلى أن الجمهوريين يتلقون رسالة من فوكس نيوز (والنظام البيئي الإعلامي المحافظ الأوسع) مفادها أنه لا يمكن الوثوق بوسائل الإعلام السائدة. وقال لاد: “هذا ليس بجديد”، لكنه أضاف أن الانتقادات المستمرة لوسائل الإعلام المحافظة للصحافة تم “دفعها بقوة” من قبل الحزب الجمهوري في ثوبه المعاصر.

خذ على سبيل المثال ما حدث في عهد ترامب. خلال حملته الانتخابية للرئاسة وسنواته الأربع في المنصب، هاجم ترامب علنًا وسائل الإعلام، واصفًا الصحفيين أو المؤسسات الإخبارية التي تنتقده أو إدارته بـ “الأخبار الكاذبة”. ونتيجة لذلك، تكثفت تصورات مؤيديه الحالية عن التحيز الإعلامي وعدم الثقة في المؤسسات الإخبارية – وكان هذا صحيحًا بشكل خاص بين مؤيديه البيض، الذين من المرجح أن يتابعوا وسائل الإعلام المحافظة حصريًا.

بعبارة أخرى، أصبح العداء وعدم الثقة في وسائل الإعلام ضمن مكونات الهوية السياسية بين الجمهوريين والتي تنعكس بشكل خاص على النقاش السياسي عبر الإنترنت.

ورصدت دراسة حديثة عدد التغريدات التي تذكر عبارة “أخبار كاذبة” على مدار 15 شهرًا، وتوصل فريق الدراسة بجامعة ويسكنسون ماديسون إلى ارتفاع لافت في عدد التغريدات التي تستخدم الكلمات “نحن” و”هم” مع عبارة “الأخبار الكاذبة”.

بشكل أساسي، خلص الباحثون إلى أن المناقشات عبر الإنترنت حول “الأخبار المزيفة” كانت وسيلة للمحافظين لخلق شعور بالانتماء الجماعي للونهم السياسي.

وتوصلت دراسة أخرى أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن هذا الموقف يساعد في التنبؤ بعدد من الآراء السياسية.

نرشح لك: “ملك السلبيات”.. نجل بايدن يبتعد عن سمعته السيئة بجولة إعلامية وكتاب