حكاية أول فرقة مسرحية نسائية في مصر

طاهر عبد الرحمن

يتفق كثير من مؤرخي الحركة الفنية أن البداية الحقيقية للمسرح في مصر كانت زمن الخديوي إسماعيل، وتحديدا عام 1869، الذي أمر فيه ببناء دار الأوبرا أثناء احتفالات افتتاح قناة السويس، وتلى ذلك بناء مسرح آخر كان موقعه في الطرف الجنوبي لحديقة الأزبكية وفيه قدمت فرقة أبي خليل القباني أولى مسرحياتها.

وفي نفس الفترة لمع يعقوب صنوع، وهو ما يمكن اعتباره “أبو المسرح المصري”، ذلك الفنان والكاتب والصحفي الذي اشتهر باسم “أبو نظارة”، وبلغت شهرته أن الخديوي إسماعيل أطلق عليه لقب “موليير مصر”، وقد دعاه لعرض مسرحياته في قصر عابدين، مقر الحكم وقتها.

نرشح لك: حكاية الفرقة.. لقطات نادرة وشهادات موثقة عن أول فرقة قومية للمسرح


ومن المتفق عليه كذلك أن يعقوب صنوع هو أول من أتاح الفرصة أمام العنصر النسائي للانضمام إلى فرقته وتقديم الأدوار في مسرحياته، وكانت تلك – بالنظر إلى الأفكار الاجتماعية وقتها – ثورة كبيرة، ومع الأسف الشديد فإن التاريخ لم يحفظ لنا أسماء الممثلات اللواتي ظهرن على المسرح في تلك الفترة.

إشارة تاريخية

كانت الصعوبات الاجتماعية سببا في تأخر ظهور النساء على خشبة المسرح، وهو ما دعا بعض أصحاب الفرق المسرحية للاستعانة بممثلات أجانب، سواء كن أوروبيات أو عربيات، شاميات على وجه التحديد.

لذلك فإن ظهور فرقة مسرحية نسائية في مصر يعتبر حدثا تاريخيا مهما، هذا الحدث الذي لم يلق الصدى أو الاهتمام المناسب له.

ولو قام أحد بالبحث عن أية معلومة عن تلك الفرقة فلن يجد شيئا، وهو قطعا تقصير كبير من مؤرخي الحركة الفنية في مصر، لكن لحسن الحظ توجد إشارة سريعة لتلك الفرقة كتبها الدكتور رمسيس عوض، في مقال له بجريدة الأهرام، عدد 10 مارس 1972.

إرهاصات الحرية في المسرح المصري

تحت هذا العنوان كتب د. رمسيس عوض، وهو شقيق الناقد الأدبي الأشهر د. لويس عوض، مقالا يذكر فيه أن أول فرقة -جوقة كما كانت تسمى- مسرحية شكلتها مجموعة من النساء كانت في عام 1910، وجد عثر على إشارة لها في مجلة “المحروسة”، عدد 4 مايو، وفيه خبر عن “جوق السيدات” الذي قامت 6 سيدات بتشكيله، ومحظور على الرجال الاشتراك فيه.

المثير أن ذلك “الجوق” قدم بالفعل عرضا مسرحيا في التياترو المصري يوم 22 إبريل، والرواية التي قُدمت كانت بعنوان: “لباب الغرام”.

نرشح لك: “المسرح القومي 100 عام”.. كيف تجعل من المادة الوثائقية وسيلة للإبهار؟


مسرحية غريبة

يلفت د. رمسيس عوض النظر إلى أن تلك الفرقة المسرحية اختارت رواية غريبة جدا لتبدأ بها عروضها، اسمها الأصلي “متريدات” وهي رواية قديمة جدا، كتبها شاعر فرنسي اسمه “راسين” عام 1672، وقد سبق وأن قدمتها فرقة أبي خليل القباني للجمهور المصري.

الأكثر غرابة هو أن كل شخصيات الرواية رجال، باستثناء شخصية نسائية واحدة، وفي رأي د. عوض أن ذلك ربما كان نوعا من التمرد من “فرقة النساء” على ما أسماه ب: “سيادة الرجل والرغبة في التحرر من سلطانه في المسرح والحياة”.

رأي الناقد القديم

ينقل لنا د. عوض رأي ناقد مجلة المحروسة في العرض الذي قدمته فرقة النساء تلك ويقول أنه لم يعجبه، ليس لأن التمثيل كان سيئا، ولكن لأن قلة عدظ عضوات الفرقة دعاهن إلى أن تقوم الواحدة منهن للقيام بأكثر من دور في المسرحية، وهو ما أثر على أدائهن بشكل عام، فجاءت المسرحية مترهلة وغير مقنعة، وكان أجدر بهن دعوة ممثلات أخريات للاشتراك معهن، بحيث تضطلع كل واحدة بدور خاص بها، تحفظه وتتقنه.

وفي رأي د. عوض أن ذلك النقص العددي كان سببه بالتأكيد هو نفور النساء عموما من المشاركة في الفرق المسرحية بصفة عامة.

نرشح لك: “علاء الدين” قبلة الحياة للمسرح المصري.. فتش عن التكنولوجيا!

 

ممثلات بلا أسماء

يلفت النظر في المقال الطويل الذي كتبه د. رمسيس عوض، وكذلك في الفقرات التي نقلها من مقال مجلة المحروسة القديم هو أنه لم يذكر أسماء أعضاء تلك الفرقة/الجوقة المسرحية، واكتفى فقط بذكر أنهن كن “ممثلات جوق شركة التمثيل”.

أكثر من ذلك فإن أحدا لم يذكر اسم تلك الفرقة على الإطلاق، وفي الغالب فإنها كانت “مغامرة” قصيرة الأجل ولم تستمر.

محاولة أخرى

في نفس المقال يستطرد د. رمسيس عوض ويواصل بحثه عن أخبار فرق مسرحية أخرى في ذلك الوقت، فيجد خبرا عن فرقة نسائية منشورا في عدد 4 أغسطس 1914، من جريدة الأفكار، ستقدم رواية عنوانها “العشاق الثلاثة”، وبطلاتها من الممثلات الشهيرات في عالم المسرح.

الغريب أن الجريدة اعتبرت تلك الفرقة هي “أول فرقة مكونة من النساء في القطر المصري”، وكأن محاولة عام 1910 لم تكن.. وربما تلك واحدة من خطايا الصحافة المصرية على مر الزمان!