هل يمكن النجاة من الموت؟ نتفليكس تقدم الإجابة

فاطمة خير

يعتقد الكثيرون أن العالم يتجه نحو مزيد من “الواقعية” ويبتعد عن الخيال، وأن البشر يركضون دون توقف نحو الحصول على مكاسب مادية بحتة، في الحقيقة أعتقد أن كثيرون من البشر يركضون بشغف نحو اتجاهٍ آخر، يزداد فيه الخيال بحثًا عن إجابات تبدو أسئلتها في هذا العصر محض جنون.

ربما تبدو هذهِ المقدمة رغبةً في البحث عن حياة أقل ضغوطًا، ولا أساس لها على أرض الواقع، لكن الحقيقة أن اتجاهات متزايدة تجنح نحو البحث في الماورائيات صارت تتضح يومًا بعد يوم، ووجدت صداها في الإنتاج الفني للمنصة الأكثر مشاهدة نتفليكس، والأمر أكثر من كونه مجرد إنتاج لفكرة ستجد في الأغلب إقبالًا على المشاهدة، فمستوى إنتاج الفكرة يعكس جهدًا كبيرًا في البحث قبل البدء في التصوير، ما يعني اتجاهًا لمثل هذهِ النوعية التي يتزايد جمهورها.

نرشح لك: الشهرة الوهمية.. هكذا خدع المؤثرون متابعيهم!

يحب الإنسان الحياة ويتمنى لو أنه امتلك الخلود، لهذا فهو يبحث عن “ماء الحياة” في أي شكلٍ كان، لذا يظل البحث عن الحياة بعد الموت يشغل باله كثيرًا، وبرغم أن الأديان تقدم لأتباعها تصورًا عن هذه الحياة والتي تتضمن الجنة والنار، إلا أنه يبدو أن هذا لا يشبع فضول الجميع، سواء من أتباع الديانات أو غيرهم، فيستمرون في البحث عن وسيلة تصلهم بأحبابهم الذين غادروا هذا العالم، آملين في الحصول على وسيلة للاتصال بهم، وهو شيء مدهش للغاية ففي عصر يمكنك فيه الاتصال بأي شخصٍ كان عن طريق الإنترنت وهو أمر كان حتى وقت قريب ضرب من ضروب الخيال؛ لا يزال الكثيرون يأملون في عبور حدود المعقول والسفر لعالم الأرواح.

“النجاة من الموت” أو Surviving death وثائقي نتفليكس قدم في ست حلقات تجارب الاقتراب من الموت أو العودة منه، والاتصال بالأرواح! قد يبدو هذا غريبًا للغاية في مجتمع يؤمن بالماديات، لكن للغرب تاريخ مع جماعات استحضار الأرواح، لا أعرف تاريخيًا إن كانت قد خفت صوت أنشطتها في السنوات السابقة أم لا، لكن تنوع التجارب التي قدمها الوثائقي يدل على أن الكثير منها موجود بالفعل، الجماعات والأفراد، حتى أنهم يمارسون أنشطتهم بشكل جماعي وعلني، وهناك أقسام في معاهد دراسية تساعدهم في تعميق تجاربهم، فمن خلال الوثائقي تم الاستعانة بآراء أساتذة جامعيين متخصصين.

في الحقيقة أنه لا يمكن إخفاء الإعجاب بالقدرة على تنفيذ فكرة صعبة مثل هذه بكل الحرفية التي تمت، فتوثيق موضوع كهذا بشكل محترف هو السهل الممتنع، ويشبه السير على الحبال، قد يمكنك البحث عن الضيوف والحالات لكن تقديم كل ذلك من خلال رؤية تليفزيونية متماسكة تحافظ على حياديتك أمر صعب للغاية وهو ما يعرفه أي محترف، فأنت تسير على حبل مشدود، تتعامل مع شخصيات استثنائية، سواء من خلال التجارب الاستثنائية التي اجتازوها، أو نوعية المتحدثين الذين يؤمنون بقناعات خارجة عن المألوف، وعليك أن تظهر احترامك لا انحيازك، وأن تقدم للمشاهد تجربة حية مؤلمة وهشة وعميقة في الآن نفسه، كل ذلك وأنت تحافظ على الحيادية.

الحلقات الست للسلسلة قدمت “تجارب العودة من الموت” مع أشخاص مروا بها بالفعل، وأطباء عاصروهم، وكذلك من خلال جزئين قدمت الحلقات “الوسيط الروحاني” وهو أمر كنا نشاهده في أفلام الأبيض والأسود كعنصر ثانوي كوميدي في الأغلب، لكنه في هذهِ الوثائقية شخص محترف يحصل على مقابل مادي، يحترف ذلك بكل ما يعنيه الاحتراف، يؤمن به أِخاص يسافرون إليه أو يسافر إليهم من مسافات بعيدة، وهو شخص مؤمن للغاية بما يفعله، قدم الوثائقي أكثر من شخص يفعل ذلك!

يقدم الوثائقي تجارب إنسانية ثرية لأشخاص تصالحوا مع الماضي الذي حمل ذكرى علاقات أسرية سيئة، وآخرين التقوا بعائلاتهم في الحياة السابقة وتم لم الشمل بين الشخص الذي يعتقد أنه عاش حياة سابقة وبين أسرته السابقة!

أما تجارب العلامات والإشارات من الأشخاص الراحلين فهي قد تبدو ساذجة لأشخاص يعيشون في المجتمعات الشرقية التي تؤمن بالفعل بحضور لطيف لأرواح الراحلين، فما يبدو مدهشًا وخارقًا للمألوف في ذلك المجتمع الغربي لا يلفت النظر أصلًا في مجتمع شرقي، يؤمن بأن الأحباب لا يرحلون تمامًا.. وهذا من لطف الله.

تفاصيل كثيرة ثرية وحية، لا تعكس حقائق بالمعنى العلمي، لكنها تثير في النفس أسئلة كثيرة، وتجعل الإنسان يقدر كثيرًا ما يمتلكه بالفعل من نعمة الحياة، وتدفعنا لندرك لطف الحياة في مجتمع يؤمن ببقاء الروح ولو كانت في عالمٍ آخر، لكن يظل الإعجاب ببراعة التنفيذ هو المسيطر حين تنظر للوثائقي بعين المحترف الذي يتمنى امتلاك القدرة على تنفيذ الفكرة الصعبة بسلاسة دون الوقوع في فخ التسطيح.