مينا فريد يكتب: عندما خفنا أن نحضن من نحب

كنت أتمنى أن أكتب في نهاية السنة مقال يحمل قدر كبير من التفاؤل والأمل ولكني لم أستطع.

2020 كانت لي بمثابة مقطوعة موسيقية غامضة تحمل كم كبير من المشاعر المختلفة والمختلطة المسموعة في قاعة ضيقة بدون سقف في جو بارد.

نرشح لك: مينا فريد يكتب: إحنا النهاردة سوا

موسيقى غامضة لا تفهم ما نوع الآلات بها ولكنها رغم غرابتها قريبة من القلب فتلمسه بدون مقدمات و تقلقك وتبكيك بسهولة.

لا أعلم لماذا كنت لا أستطع أن أسمع في ليالي هذا العام الكئيبة سوى موسيقى راجح داوود البسكاليا.

كنت أسمعها ولا أتذكر سوى مشهد الشيخ حسني وعم مجاهد.

في الليلة قبل الآخيرة من هذا العام بدأت أتذكر.. كيف بدأت بداية عادية كما غيرها؟، ثم إشاعات عن وباء نقابلها بعدم اكتراث، يتبعها زحف بطئ للأخبار، وتتدحرج كرة الثلج من على حتى تصل للحجم الكافي لأن نراها بعيوننا تتقدم علينا، ثم ننبطح فتمر فوقنا لنصبح جزءً منها.. ما كنا نظن أنه يحدث للآخرين فقط في العالم من حولنا، أصبح الآن يحدث لنا.

الخوف.. التقوقع في المنزل و استكشاف لطعم البيوت بصورة مختلفة، رائحة الخبيز ورائحة القلق وحسابات قطع الأرزاق تمتزج برائحة الكحول وبرامج مستمرة في نصحنا عن فوائد الاستمرار في المنزل، متابعات لتقدم الأرقام، سماع عن أقارب أو أصدقاء أصيبوا بالفيروس، ثم أصبحت الدوائر تضيق و تضيق وتضيق حتى اخترقت أقرب الناس لنا، وأحيانا تخترق صدورنا..

وتمر الشهور في انتظار اللقاح ونحن نتحوّل من حال إلى حال وكلاهما ليس بأحسن حال، نقابل الوباء بالحذر ثم نيأس ونمل ونبدأ في الاعتياد ثم التجاهل.

لقد مللنا من الإجراءات و الإحترازات، ولا زلنا نسكن في بيوت من الخوف والقلق، تمرعلينا مواسم البهجة والتجمعات ونحن نتجمع وكأننا لا نتجمع، نتجمع بدون روح وأمان، عام المشاعر المحبوسة والمكبوتة، عام المتعة المكممة، عام استشعار النعم وفقدانها، عام الوداع لمن سبقنا للراحة، وعدم الحصول في يومنا العادي على الراحة، عام منعنا فيه من أن نحضن من نحب، وإن حضنا نخاف بعد الحضن.

عام خفنا فيه من مواساة من نحب في فقدان ذويهم، عام مليء بالتطبيقات الإلكترونية و الدموع السخية والغربة القاسية التي أجبر عليها عشرات الألوف بعيدا عن كل من وما يحبونه، عام بدأناه بسقفة، وننهيه بأمل في غد يحمل الحياة العادية، وحضن مريح، وسند داعم، و مشاركة وفرحة بدون خوف، و الأكيد، حضن حقيقي عميق لكل من افتقدنا حضنه بفتح الحاء وضمها.