هل أخطأت وسائل الإعلام الأجنبية فعلاً في تغطيتها لـ "أحداث سيناء"؟

أحمد مجدي يوسف

بعد اتهام المتحدّث الرسمي للقوات المسلّحة المصرية وسائل الإعلام العالمية بعدم الدقّة في التغطية الإعلامية لأحداث سيناء الأخيرة، لاسيما لجهة أعداد الضحايا في صفوف الجيش المصري والتي قدّرتها وسائل الإعلام العالمية بـ “أكثر من 60 قتيلاً”، في حين أكّد المتحدث الرسمي وقوع 17 شهيدًا فقط من الجنود المصرية، نَشرت جريدة “الوطن” تقريرًا بعنوان “5 أخطاء مهنية وقعت بها الصحف الأجنبية في تغطية أحداث سيناء”.

وفي حقيقة الأمر، تقرير جريدة “الوطن” يَلقي الضوء حول “الأخطاء المهنية” التي تقع فيها كافة الصحف بوجه عام، وليس الصحف أو وسائل الإعلام الأجنبية أو المحلّية فقط أثناء تغطية أحداث الصراعات والحروب والنزاعات!

“الوطن” تقول إنها رصدت 5 أخطاء مهنية وقعت فيها الصحف العالمية أو الأجنبية في تغطية “أحداث سيناء”، مع استشهادها بأقوال الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز في مقابلة صحفية معه، وتعالوا نَرصد معًا “موضوعية” هذه الأخطاء:

1- تقول الوطن إن الصحف العالمية للأسف الشديد لجأت لما يُسمّى بالمصادر المجهّلة، وهو أمر لم تجرّمه أو تنتقده الصحيفة لأنها تعلم جيدًا أن كافة الصحف المصرية دون استثناء تلجأ إلي الـ Faceless Sources أو Unnamed Sources لذا قامت بحيلة على لسان “عبد العزيز” لتلافي الأمر يتمثّل في الحصول على مصدرين مجهّلين ليس لهما علاقة ببعضهما البعض موثّقين للأمر نفسه!
طبعًا، المصادر المجهّلة آفة الصحافة في كل زمان ومكان، رغم اللجوء إليها من كُبرى المؤسّسات الصحفية في العالم، ولكن وسائل الإعلام تلك تخاطر بمصداقيتها عند اللجوء لمثل هذه المصادر، لأنه بكل بساطة عند كتابة “وفقًا لمصدر أمني” أو “مصدر طبي” أو خلافه فإننا نترك مساحة للقارئ للتشكيك في اختلاق الأمر كله.

ولكن، لكي يتم اللجوء إلى تلك المصادر المجهّلة في حالات استثنائية يجب التأكد من ثلاثة أشياء: أولاً، أن تلك المعلومات على غاية كبيرة من الأهمية للقارئ. ثانيًا، تتأكد الصحيفة من أن هذه المصادر موثوق فيها بدرجة لا غبار عليها. ثالثًا، لا يوجد عندنا خيار آخر للحصول على هذه المعلومات سوى هذا.

لذا، يَجب أن ندرك أن اللجوء لهذه المصادر المجهّلة هو خيار أخير عندما لا يوجد أي خيارات أخرى لدى الصحفي أو المراسل، وهو أمر نعرف جيدًا أن الصحفي في مصر، إلا من رحم ربي، يلجأ إلى هذه المصادر من باب الاستسهال ليس إلا، ورغبة في عدم الوقوع في مشاكل مع أي جهات أو أشخاص، وعنده هذه المصادر هي الأفضل وأول خطوة دون شك.

وطبعًا فيما يتعلّق بـ “أحداث سيناء” هناك نقص شديد في المعلومات لأن القوات الأمنية تَمنع الصحفيين من التواجد هناك للتغطية أو تضيّق الأمر عليهم بشدة، وليس صحيحًا أن الصحفيين هم من لا يريدون الذهاب هناك خوفًا على حياتهم، لأن هناك صحفيين مصريين وأجانب لا يهابون الخطر في سبيل الحصول على تغطية صحفية مميّزة والأمثلة عديدة ولا سبيل لذكرها الآن.

خلاصة القول، نعم يمكن في بعض الحالات النادرة للغاية اللجوء لهذه المصادر، ولكن حتى مع محاولة إيجاد مصدرين مجهّلين يوثّقون كلام بعضهما البعض، فإن الشك يجب أن يدبّ في صدر القارئ انطلاقًا من أنه قد يكون كل الموضوع “مفبرك” من الأساس، وكان الأولى البحث عن مصدر مجهّل وآخر معروف لموازنة الأمر.

2- تقول “الوطن” إن هناك خلطًا بين المفاهيم أو مواد الرأي والحقائق المجرّدة، ولا أظن أن “سكاي نيوز” أو غيرها من وسائل الإعلام الأجنبية قد لجأت لمثل هذا الأمر، ما يعني أن هذه النقطة مكانها ليس هنا وغير ذات صلة بالموضوع!

3- تقول “الوطن” على لسان “عبد العزيز” في فقرة “الانحياز” إن “الأرقام العالية التي خرجت بها الصحف الأجنبية تؤثّر بالسلب على معنويات الشعب المصري الذي يواجه إرهابًا في الفترة الأخيرة،” ولا أعرف حقيقة ما علاقة ذلك بالمهنية؟ فهل لو كانت هذه الأرقام صحيحة لا يجب أن يتم ذكرها من جانب وسائل الإعلام تلك حتى لا تنخفض معنوية الشعب المصري؟ هل تدعو الجريدة لأن يكون إعلام عام 2015 هو هو إعلام عام 1967 الذي ظلّ يهتف بالقدرات الجبارة للجيش المصري في التصدّي للعدو الصهيوني حتى لا تنخفض معنوية الشعب؟

عمومًا الانحياز آفة أي جريدة أو وسيلة إعلامية، لاسيما الانحياز الأيديولوجي، ولكن إذا تابعتوا معي متن الخبر في أول فقرة نجده يتكلّم عن “أسود” القوات المسلّحة والاستعانة بالعديد من الصفات الأخرى التي تشير إلى الانحياز للوطن والجيش، وأنا هنا لا أقول لا يفترض أن تفعل الوطن هذا، لأنها وغيرها من وسائل الإعلام المصرية مدفوعة بنزعة وطنية في مثل هذه الحالات، ولا يجب أن نلومها بدرجة كبيرة في تلك الحالة الاستثنائية، ولكن، في المقابل، لا يجب أن نهاجم وسائل إعلام أخرى ونقول عنها منحازة ضد الوطن المصري وغير مهنية وخلافه ونحن منحازون أنفسنا! فإذا أردت التكلّم عن المهنية، جميل جدًا، إذا ركّز فقط على الجوانب المهنية وانقدها بالدليل والبرهان.

4- نقطة “تجاهل المصادر الرسمية” أنا أراها مهمة جدًا وهي من الأخطاء التي لجأت إليها وسائل الإعلام الأجنبية حقيقة، وأنا أعرف جيدًا ما قاله العلماء والباحثون عن أن المصادر الرسمية ما هي إلا مصادر تقليدية Conventional Sources ولا يفضّل التركيز عليها لأنها تعتمد على إرساء الحالة الراهنة والدفاع عنها باستماتة انطلاقًا من أن “كل شيء جميل وتحت السيطرة” وخلافه، ولكن فيما يتعلّق بـ “أحداث سيناء” ليس هناك مفرًّا من اللجوء إلى المصادر الرسمية مع توازنها بمصادر أخرى بسبب ما ذكرته من قبل عن التعتيم الإعلامي وندرة التغطية الصحفية في تلك الأماكن، ما يعني صعوبة تجاهل تلك المصادر الرسمية في هذه الحالة.

5- المبالغة تتعلّق بعدم الدقّة أو الانحياز الأيديولوجي، وإذا لجأت وسائل الإعلام الأجنبية إلى المبالغة فهذا دون شك يلغي مصداقيتها عند القارئ، ولكن القول بأن “المبالغة في عدد الشهداء أثر بالسلب على الحالة المعنوية للشعب الذي توهّم أن الإرهاب انتصر على الجيش المصري” فهذا أمر ليس له علاقة بالمهنية؛ فالمهنية أن تعرض الأمر بدقة بالغة من العديد من المصادر ولا يهم إذا كانت الحقيقة ستؤثر بالسلب على معنويات الشعب أم لا، المهم عَرض الحقيقة للقارئ، مع ملاحظة أن أولى قواعد العمل الصحفي التشكيك فيما يقوله المصدر، لذا ظهر ما يُسمى بموازنة المصادر بعضها البعض، وعرض وجهات النظر المختلفة من خلال تلك المصادر المتنوّعة وترك الأمر للقارئ برمته ليصدّق وجهة النظر التي يرتاح إليها!

خلاصة الأمر، كل وسائل الإعلام تخطأ دون شك، وإن كانت نسب الخطأ متفاوتة بين وسيلة إعلامية والأخرى، لذا يجب أن نحاول على قدر الإمكان عدم تصديق أي خبر نقرأه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو بالجرائد القومية أو الخاصة أو حتى العالمية؛ يجب أن نترك مساحة ولو بسيطة للتشكيك في الأمر، مع محاولة التحقّق من الخبر من العديد من المصادر الموثوق فيها!

 

اقـرأ أيضـاً:

مذيعة التلفزيون المصري تطالب الجيش بضرب حماس

خيري رمضان عن قناة “الجزيرة”: كفانا أدبًا مع هؤلاء

صحف مصر تعلن الحرب .. والتضارب مستمر في أعداد الشهداء

ظهور إعلامي نادر لـ “حسن حسني”

صورة لمحافظ الإسكندرية تظهر في تغطية قتلى الإخوان بأكتوبر

 أول صور “حقيقية” من معارك سيناء

 كيف شمت الإخوان في أحداث سيناء؟  

.