دعاء فاروق تكتب: لماذا نبكي الشيخ صالح كامل؟

دعاء فاروق عن صالح كامل
نبكي علي أحلي سنين عمرنا شبابنا وبداياتنا وانطلاقنا في عالم الفضائيات …

نرشح لك: توفي اليوم.. 8 معلومات عن صالح كامل مؤسس ART

نبكي علي رجل عملنا بقنواته الخاصة سنين طويلة بدون خوف من تسريح عمالة أو من ظلم لنا، تنقلنا بين مختلف التخصصات وقدمنا كل ألوان البرامج، فأنا قدمت على شاشات الـ ART البرامج السياسية والاجتماعية والإخبارية، وقدمت الحفلات الموسيقية علي المسارح والسهرات التلفزيونية وبرامج الأطفال، وعملت بقنوات الأفلام وقنوات المنوعات كل هذا في سن العشرينات… لم نتسول الفرص في ظل وجود أسماء كبيرة ولامعة مسيطرة علي الإعلام وقتها، ولكنهم قدموا لنا الفرص على طبق من فضة وربما من ذهب.

ارتديت الحجاب فكان الشيخ صالح أول من دعمني وقال لي استمري في تقديم ما تقدمينه “أنا مش فاتح قنوات للحجاب وقنوات للسفور … إنتي شبه بناتنا في كل مكان خليكي في المنوعات بالحجاب”، وكنت أول مذيعة تقدم برامج منوعات بالحجاب، ثم تشرفت بالعمل في قناة “اقرأ” وتعلمت من سلوجان القناة ( متعة الإعلام الهادف ) كيف تمتع الناس بإعلام ديني.

هناك تعلمت أن الدين ليس قاتما ولا كئيبا ولا ضيقا وليس محصورا في برامج الفتاوى وشكرا.

قدمت في قناة “اقرأ” أحلى البرامج الاجتماعية المتنوعة، وتحدثت بطريقتي التي طالما تعودت أن أتحدث بها قبل ارتداء الحجاب، فليس هناك مجال للافتعال وتقمص دور لا نعيشه في الحقيقة.

تعلمت أن أكون حقيقية وليس مزيفة وهو من ساعدنا علي ذلك فهو ضد الزيف… فكلما اعترض أحد القائمين علي الإعلام الديني آنذاك علي هذه الطريقة، وهذا الأسلوب غير المعتاد في تناول البرامج الدينية، محاولا أن يحصرنا في المنطقة الضيقة المظلمة للبرامج الدينية، كان الشيخ صالح كامل يرفض هذا التناول ويساعدنا في التعبير الحر بشكل لائق.

لم يبخل في إنتاج تلك البرامج والتي ظلت في ذيل قائمة المشاهدة لسنوات طويلة، نظرا لوضعها في ذيل البرامج التي يصرف عليها إنتاجيا، يدفعوا ليه في برامج دينية دى آخرها كرسي وترابيزة في ستوديو فقير مع موسيقي تجيب لك مغص وتغم نفسك اول ما تسمعها ..!!

ولكن الشيخ صالح كامل لم يبخل علي هذه النوعية من البرامج وأفرد لها ميزانيات محترمة. أتذكر برنامج “كنوز” وكان خيمة رمضانية حصدت أعلى المشاهدات، وكنت أقدمها يوميا في رمضان ولم يبخل عليها الشيخ صالح في رصد ميزانية معتبرة وضعتها في مصاف الأكثر مشاهدة في رمضان سنة ٢٠٠٢ و٢٠٠٣.

كان مهموما بتعليم من يعمل في قنواته إعلاما محترفا ومحترماً فأخذنا الدورات التدريبية علي يد أمهر المدربين من مصر ولبنان.

دخلت زميلتي دعاء عامر لمكتب الشيخ صالح كامل ودخلت في ذيلها مكسوفة من هذا الطلب الذي أخبرتني أنها ستطلبه منه بشكل مباشر، وقلت لها أنا مقدرش ممكن الأرض تنشق وتبلعني لو دخلت وطلبت منه كده وكسفنا مثلا، قالت لي مالكيش أنتي دعوة اسكتي انتي خالص أنا اللي هتكلم.

قالت له بمنتهى اللذاذة “يا شيخ صالح أنت سفرتنا لبنان قعدنا شهر وقدمنا حفلة في كازينو لبنان وسفرت ناس كتير إيطاليا إحنا عاوزينك تسفرنا السعودية نعمل عمره”  كنت أتواري خلفها خجلا يدق قلبي خوفا من ردة فعله.. فإذا به يقول بمنتهى السلاسة “ده انتوا بناتي والسعودية بلدكم وأنا والله استضيفكم في البيت عندى مع بناتي تنورونا”، وبالفعل تكفل بزيارتنا للعمرة وكنت أول مرة اعمل عمرة في حياتي وحجز لنا في أحلى أوتيلات في الحرم.

كنا نحضر الاجتماعات مع الشيخ صالح في قاعة اجتماعات مالهاش أول من آخر، يجلس هو على رأس طاولة ليس لها نهاية من طولها، وعلي يمينه تجلس مدام صفاء أبو السعود التي رأيت منها كل حب واحترام طوال عملنا بقناة يملكها زوجها، ولكنها كانت تتعامل كزميلة كلما قابلتها في أسانسير أو طرقات القناة، لا تتوقف عن كلمات المجاملة الرقيقة “أنتي جميلة يا دعاء أنتي شكلك قمر وهكذا”، في هذا الاجتماع كانت تجلس بجانبي المذيعة الشغوفة سهير جودة وكنا نتحدث عن برامجنا ومقترحاتنا لإنجاح هذه البرامج، والشيخ صالح يسمع باهتمام ولا يقلل ولا يحرج ولا تشعر بخوف وأنت تناقشه برغم هيبة شخصيته. رأيت في هذا الاجتماع لأول مرة شاب يعمل في المبيعات يتحدث عن الإعلانات بشغف كبير ويقدم الاقتراحات ويرد علي كل مقترح نقوله ويتدخل لدرجة جعلتني أتساءل هو مين ده اللي داخل في كل تنتوفة كلمة بنقولها، فقالوا ده إسمه علاء الكحكي بيشتغل مدير مبيعات في الإعلانات.

كنت أشعر بالفخر حينما تلعب مصر في بطولات كأس الأمم الأفريقية، وكانت تعرض حصريا علي قنوات ART الرياضية، وتصل مصر للنهائيات فيقدم الشيخ صالح كامل المباريات للشعب المصري بالمجان احتفالا بصعود فريقه للمربع النهائي. كنت أشعر بفخر وامتنان لأنني انتمي لهذه المؤسسة المحترمة، التي لا تنفصل عن مصر فهي إعلام مصري بكل الكوادر التي تعمل بها وصاحبها يعشق مصر والمصريين، ويتعامل معنا باحترام جم، فلم يتعالي يوما ولم نشعر بمسافة يتعمد بعض من يعمل في الإعلام حاليا أن يضعها بينه وبين موظفيه، ولكن كل من عمل في إعلام الشيخ صالح كامل لا يتعامل بهذه المسافات فكلنا زملاء مهما وصل بعضنا لمناصب، فهو يعلم جيدا أن صاحب المنصب الأكبر في المؤسسة الكبيرة التي انتمينا إليها كان أبًا لنا قبل أن يكون مالك للقنوات التي نعمل بها.

رحم الله الشيخ صالح كامل وادخله فسيح جناته…

نرشح لك: أسامة الشيخ ينعي صالح كامل: “صدمة كبيرة”

دعاء فاروق عن صالح كامل