مروة سمير تكتب: الغرق.. حكايات حمّور زيادة على ضفاف نهر الجنة

يجذبك من اللحظة الأولى على الغلاف شجن عيني السيدة السودانية الوقور، وتلك الأخاديد الغامضة على خديها، التي تتعرف على سببها لاحقًا عبر صفحات رواية “الغرق” للكاتب السوداني حمّور زيادة، الصادرة عن دار العين، والذي حازت روايته السابقة “شوق الدرويش” على جائزة نجيب محفوظ بالجامعة الأمريكية.رواية الغرق

في البلاد التي كما لو أنها صُنعت في صدفة ما. بلا خطة واضحة، وعلى عجل، يمكن أن تستجيب السماء في أية لحظة، كرامة للنهر الآتي من الجنة، ترسل السماء هداياها للغرقى على اليابسة العطشى، المتورطين في هذه البلاد بحكم الميلاد. لم يختاروا أن يكونوا هنا، لكنهم نبتوا على ضفاف نهر الجنة“.

في رأيي البطل الأول هنا هو جمال السرد وعذوبة اللغة، التي تجعلك تقلب الصفحات دون أن تشعر، غارقا في أحداث الرواية.”أما وعد حمّور على الغلاف بحكايات القهر والونس، فقد تحقق بسلاسة، حيث تدور الأحداث في فترة تاريخية مؤثرة من تاريخ السودان في النصف الأول من القرن الماضي، تستطلع أخبارها على هامش الحكايات، وتتعمق في تفاصيل الحياة الاجتماعية في قرية “حجر نارتي” السودانية على ضفاف النيل.

العمل مغرق بالمحلية والأصالة، والشخصيات متعددة، رسمت بمهارة، وبرتم هاديء، وحكايات درامية كثيرة، تستمتع بكل منها، وتتعلق ببعضها أكثر من البعض.

أفلتي قلبي ودعي لي قليلًا من الحياة

تستشعر الونس في حكاية (بشير وسكينة)، بجنون ونعومة الحب بينهما، ويثقلك القهر في حكاية (عبير) الطفلة ذات الثلاثة عشر عام، بنت الأمة التي يطأها الجميع بلا استثناء مسحورين بها، فبالرغم من إلغاء “الرق” إلا أن معاملة الأسياد لنسل العبيد تبقى كما هي، مُغرقة في الظلم والأنانية، حتى يتخلى عنها الجميع بلا ضمير، فيختفي معها حلم المستقبل والخلاص.

يدور كل ذلك في فلك أكثر الشخصيات أهمية؛ العجوز “الرضية”، السيدة المتزمتة المتمسكة بعادات وتقاليد بالية تجبر الجميع على تنفيذها بصرامة وقسوة، كي لا تشعر أن عمرها وكيانها ضاعوا هدرا، لدرجة أنها تصر على أن تشق سلفتها خدها بالموس لتنال “الشلوخ” في وجهها، عادتهم وإرثهم. فـ”الرضية” تغمرها عداوة شديدة وغضب حارق تجاه أيّ من لم يلتزم بقواعد أسلافها، حتى لو ضد كل مباديء الإنسانية، فلا بد للجميع أن يلتزم بالتراث.

وهي بذاتها نموذجا لمجتمعات وطوائف منتشرة بيننا، بمعتقدات مختلفة، وتعصب شديد لمجموعة من الأفكار، تختلف من أيديولوجية لأخرى.

ومن هنا يأتي القهر، الذي يسري على الرجال والنساء معًا، المهم ألا يخرج المجتمع عن مساره، عن دائرته التي يدور فيها بلا كلل، يطحن ويقهر ما يشاء في طريقه، فيكون الغرق في مصائر إجبارية من نصيب الكل.

تنتهي الرواية بنفس مشهد البداية تأكيدا على الدائرة المفرغة التي تتكرر، تماما كالتاريخ الذي يدور ويُعاد، ويدهسنا معه لأننا لا نتعلم من أخطائنا.

نجوا من الموت وما نجوا من الحياة

“الغرق” عمل سلس، مليء بالشجن، يثير التأمل والتنقل بين القهر والونس، ليمنحك كثير من الحكايات التي لا يهم أن تكون حدثت بالفعل أم لا، المهم، كما يؤكد لنا الكاتب، أن تكون ممتعة، وقد كانت..

رواية الغرق

نرشح لك: الخميس.. توقيع ومناقشة “نجوم ماسبيرو يتحدثون” لـ سها سعيد

شاهد: يوم مش عادي في ضيافة الإعلامية رنا عرفة