طارق الشناوي: "القات" وإسماعيل يس!!

أصبح اسم «القات» مرادفا للشعب اليمنى مثلما صارت كلمة «السعيد» مرتبطة باليمن، ولكن هل من الممكن أن تتوافق السعادة مع كل هذا الخضوع والرضا الاجتماعى بالتعاطى اليومى لنبات مخدر، يحيل الجميع إلى بشر خارج الحياة؟

قبل يومين استمعت إلى تسجيل نادر لإسماعيل يس فى حفل أقامته الإذاعة المصرية فى اليمن احتفالا بعيد الثورة الثانى اليمنى عام 1964، أعاده من الأرشيف الإذاعى اللامع المدقق إبراهيم حفنى فى برنامجه «منتهى الطرب»، احتفالا بذكرى إسماعيل يس، قدم مذيع الحفل إسماعيل باعتباره نجم العالم العربى الأول فى الكوميديا، وبالفعل كان ولا يزال «سُمعة» يتمتع بتلك المكانة، وقبل أن يبدأ فقرته ووسط حفاوة جماهيرية غير مسبوقة، أحالها الصوت المنبعث من الراديو من فرط صدقها إلى صورة، قال إسماعيل يس للآلاف إنه التقى الرئيس اليمنى المشير عبد الله السلال فى مسكنه ووجده بيتا متواضعا، وسأله: لماذا لا تسكن فى قصر؟ فأجابه: إحنا أقمنا الثورة عشان الشعب اليمنى يسكن فى القصور، وليس من أجل أن يسكن رئيس الجمهورية فى القصر. وأضاف سُمعة أنه يوجه رسالة إلى اليمن كلها رافضا حكاية التقسيم بين شمال وجنوب، وكان قد سبقه بالغناء محمد قنديل برائعته «وحدة ما يغلبها غلاب» التى كتبها بيرم التونسى، ولحنها باقتدار وروعة عبد العظيم عبد الحق، وبها هذا المقطع: «أنا قاعد فوق الأهرام وقدامى بساتين الشام» فكان يغيرها إلى «وقدامى تعز والشام» أو «صنعاء والشام» و«عدن والشام»، مؤكدا الوحدة بين شطرى اليمن.

وبينما قنديل اكتفى بالغناء للثورة والوحدة، فإن إسماعيل يس بكل جرأة انتقد تعاطى «القات»، وهى قضية شائكة وحساسة، ولكن نجومية إسماعيل يس سمحت له بذلك، مأزق «القات» أن الشعب تقريبا كله يتعاطاه يوميا، وهناك رضا وغطاء اجتماعى لا يرى أى ضرر، بل هو يوحد اليمنيين فى توقيت محدد يبدأ من الواحدة ظهرا ويمتد الى ما شاء الله.

«القات» مادة مخدرة لم يجرؤ أى حاكم يمنى عبر التاريخ على مواجهته. الغريب أنهم تقبلوا ذلك من إسماعيل يس. كل رؤساء اليمن السابقين يعتبرون «القات» هو «الذهب الأخضر»، لأنه يضمن لهم شعبا مستسلما كسولا، الأراضى الزراعية فى اليمن السعيد تتقلص فيها مساحات زراعة البن والفواكه والخضراوات لصالح «القات»، لأنه يُدر أموالا أكثر، آفة تهدد شعبا بأكمله وتمنعه من الحياة الطبيعية.

داخل اليمن هناك من يقاوم وتوجد جمعيات توعية تتصدى، لكنها تُقابل برفض من الدولة وقبل ذلك بثقافة شعبية ترى فى «القات» وتعاطيه عادة حميدة، خصوصا مع انتشار البطالة فى اليمن، فما الذى يفعله الشباب سوى جلسات «القات».

شاهدت عشرات من أفلام تسجيلية يمنية تناولت الثورة وبعضها وصل إلى حدود الأوسكار لأفضل فيلم أجنبى، ووجدت فيها إصرارا على التغاضى عن «القات»، ترى الثوار أو جزءا وافرا منهم وهم يمضغونه داخل الخيام، وهم يدخنون الشيشة، وكل منهم لديه صدغ متورم بفعل المساحة التى يحتلها «القات» فى فمه، مما يجعلك تتشكك فى جدوى الثورة التى يقودها مغيبون.

لماذا لا نسمع أصواتا ترفض؟ لأن الكل يريد إرضاء الشعب، الدولة التى تتعرض لخطر اجتماعى يجب أن يظهر من بينها قائد يتصدى، مثلما حدث فى الصين وحرب الأفيون التى نجحت فى التخلص من هذا الإدمان فى مطلع القرن الماضى، صحيح أن مخاطر الأفيون لا تقارن أبدا بـ«القات» الأقل ضررا، ولكن لا أحد ينكر خطورته.

كل الثورات التى قامت بداية من تلك التى قادها عبد الله السلال فى مطلع الستينيات، والتى لعبت مصر دورا محوريا فيها، لم تقترب من تلك المنطقة الشائكة، ولكن فعلها نجم العالم العربى الأول إسماعيل يس، ستصمت المدافع وتخرس كل دعاوى الفرقة عندما يدرك هذا الشعب العظيم كم كان يحبهم «سمعة»!!

نقلاً عن جريدة “التحرير”

 

اقـرأ أيضًـا:

 إعلام.أورج يتتبع قصة الشيخ الصوفي مدعي النبوة   

 علي ربيع يوجه رسالة لهاني رمزي  

محمود سعد: كلنا قلبنا نظام الحكم

“بوابة الأهرام”: الانقلاب العسكري الدموي حصد ارواح الاف المصريين

من هو عمرو عمار؟.. الخبير الخصوصي لأماني الخياط

.

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا