محمد فوزي يكتب: عبد الله السعيد.. الموهوب – البراجماتي – البارد (2)

الحلقة الثانية  – البراجماتي

محمد فوزي
“المحلل الرياضي محمد فوزي”

مقال الأمس كان عن عبد الله السعيد الموهوب واليوم سيكون الحديث عن عبد الله السعيد البراجماتي، والشخص البراجماتي لمن لا يعلم هو الذي تحكم المنفعة أو المصلحة جميع تصرفاته ويغض النظر تمامًا عن أي اعتبارات أخرى مثل الجوانب العاطفية أو الأخلاقية.

ووفقًا لهذا التعريف اعتقد أن عبد الله السعيد شخصية براجماتية بامتياز وهذا لا يعيبه على الإطلاق بل على النقيض يجعله شخصية واضحة من السهل أن تتنبأ بقراراته وردود أفعاله، ولكن لأن المتعاملين مع الكرة المصرية – جمهور أو مسئولين – شخصيات عاطفية بالدرجة الأولى تتحكم الانتماءات والميول في تصرفاتهم وردود أفعالهم سنجد أن براجماتية عبد الله السعيد أوقعته في الكثير من المشكلات.

نرشح لك: محمد فوزي يكتب: عبد الله السعيد.. الموهوب – البراجماتي – البارد (1)

ولا بد أن نؤكد أن شخصية السعيد كانت واضحة طوال مسيرته الكروية فلم نشهده يومًا يطلق تصريحات تتلاعب بمشاعر الجماهير أو تحاول كسب ودهم، وكذلك لم يخضع مطلقًا للضغوط الجماهيرية وظل صامدًا في الكثير من المواقف الصعبة.

ودعونا نسترجع الأحداث التي سبقت انتقال عبد الله السعيد للأهلي عام 2011 حيث احتدم الصراع بين الأهلي والزمالك لضم نجمي الدراويش حسني عبد ربه وعبد الله السعيد، ومع انتشار أخبار المفاوضات مع النجمين بدأت جماهير الدراويش تهاجم الثنائي بقوة وكلاهما من مواليد الإسماعيلية ومن ناشئي النادي؛ وإن كان حسني في ذلك التوقيت أكثر بريقًا بفضل مشواره الدولي الرائع مع منتخب مصر.

بعد الهجوم الشديد من جمهور الإسماعيلي على اللاعبين رضخ حسني العاطفي سريعًا وجدد عقده مع الدراويش، بينما أصر عبد الله البراجماتي على الرحيل ولم يكتفي بذلك بل أصر على الرحيل للأهلي تحديدًا، مخالفًا رغبة الإدارة والجماهير التي أعلنت أنه في حالة إصراره على الرحيل فليرحل للزمالك وليس للأهلي، وبالفعل رفع الزمالك عرضه المادي وقتها ليفوق عرض الأهلي فماذا فعل السعيد؟.

لم يخضع مطلقًا للضغوط الجماهيرية أو العائلية بحكم أن الإسماعيلية مسقط رأسه وتصرف ببراجماتية واضحة واختفى تمامًا عن الأنظار في شقة في مكان مجهول وفرتها له إدارة النادي الأهلي، ليجبر الجميع على الخضوع لمصلحته الشخصية فقط المتمثلة في الانضمام للأهلي الأكثر استقرارًا في ذلك الوقت والمدجج بالنجوم تحت القيادة الفنية لمانويل جوزيه على عكس الزمالك الذي كان يعاني في تلك الفترة مشاكل إدارية لا تعد ولا تحصى.

وأتذكر هنا قيامه بنقل عائلته بالكامل إلى القاهرة تجنبًا لغضب الجماهير في الإسماعيلية، وعلى الرغم من ذلك لم نشاهد أو نقرأ له تصريحًا واحدًا يعلن فيه عشقه للأهلي وجماهيره أو أنه يعشق الأهلي منذ طفولته مثلما يفعل باقي اللاعبين؛ فقط لاعب فكر بعقلانية وبحث عن مصلحته وجنب عواطفه وذكرياته واتخذ قراره وصمم على تنفيذه.

تمر السنوات وفي الوقت الذي يقدم فيه السعيد مردودًا رائعًا مع المارد الأحمر ويصنفه الجميع باعتباره أهم اللاعبين في الدوري المصري، يوشك عقده الثاني مع الأهلي على الانتهاء ويتأخر الأهلي كثيرًا في تجديده وينشغل أكثر بالتعاقد مع اللاعب الصاعد صلاح محسن بمبلغ يتجاوز 40 مليون جنيهًا مصريًا؛ يقرر عبد الله السعيد بهدوء شديد أنه لن يجدد بأقل من هذا المبلغ وتتوالى جلسات مسئولي الأهلى معه واللاعب كعادته متمسك بقراره حتى تدخل أسطورة الأهلي محمود الخطيب رئيس الأهلي الجديد في هذا التوقيت وعقد جلسة مع عبد الله السعيد لم تسفر عن أي جديد؛ ليستغل مسئولي الزمالك الموقف ويقدمون لعبد الله السعيد ما يريده ويحصلون على توقيعه ببساطة شديدة ويكفى أن ننظر إلى ملامح وجه عبد الله السعيد وابتسامته الهادئه لندرك أنه تعامل مع الأمر ببساطة، وكالعادة اتخذ قرارًا وجده في مصلحته ونفذه وكعادته اتخذ إجراءات احترازية بطلبه نقل أولاده إلى مدارس جديدة خوفًا من انتقام جماهير الأهلي.

ولأن توقيع عبد الله للزمالك كان تفضيلًا للعرض الأعلى ماديًا سرعان ما تراجع عن موقفه عندما استنجدت إدارة الأهلي بالمستشار تركي الشيخ الذي قدم بنفسه  عرضًا لا يرفض لعبد الله السعيد وضمن له عدم تقدم الزمالك بشكوى لاتحاد الكرة، لقيامه بالتوقيع لفريقين في نفس الوقت ليجدد السعيد عقده مع الأهلى ويذهب لاتحاد الكرة بكل بساطة لتوثيق العقد ولكن بعد حصوله على أكثر مما كان يطلبه ماديًا.

ومما سبق يتضح أن عبد الله السعيد طوال الوقت ظل وفيًا لمصلحته الشخصية ولم يبالي في جميع مراحل مسيرته الكروية بأي اعتبارات عاطفية ولكن ما تغير هو موقف إدارة الأهلي وجماهيره فبعد أن باركت قراراته وتصرفاته في 2011، لأنها كانت في مصلحة فريقهم هاجمت نفس التصرفات بشدة في 2018، ولأن إدارة الأهلي حاليًا تخضع تمامًا لسطوة وسائل التواصل الاجتماعي وتخشى غضب الجماهير جاء قرار مجلس إدارة الأهلي بإعلان الاستغناء عن خدمات السعيد وعرضه للبيع أو الإعارة، وبالفعل وفر له السيد تركي الشيخ عرضًا في الدوري الفنلندي على سبيل الإعارة من أجل أن يحافظ على حظوظه في المشاركة في كأس العالم وبعد كأس العالم وفر له عقدًا  آخر بالانتقال رسميًا إلى أهلي جدة.

ليبدأ الأهلي المصري رحلة من التخبط الفني -مستمرة حتى الآن – بعد رحيل السعيد بينما اللاعب نفسه يتعامل مع كل ما يحدث بهدوء شديد وبدون ضجيج وبظهور إعلامي قليل جدًا تمثل في الظهور في برنامجين بعد الانتقال للأهلي السعودي، وفي المرتين نفى تمامًا الروايات المزعومة لمسئولي وقيادات الأهلى عن ندمه وبكائه واستمرارًا لتحكم السيد تركي الشيخ في مصير عبد الله السعيد تم فسخ التعاقد مع أهلي جدة وانضمامه لفريق بيراميدز في توقيت قاتل وقبل ساعات من مواجهة بيراميدز والأهلي، ولأن الدراما لابد أن تكتمل حتى النهاية يصنع عبد الله السعيد هدفًا ويسجل الأخر -بثبات انفعالي وبرود أعصاب يحسد عليه وسنتحدث عنه في مقال الغد بإذن الله –  ليفوز بيراميدز على الأهلى بهدفين لهدف وتخضع إدارة الأهلى للضغط الجماهيري مرة أخرى وتقرر الاعتراض رسميًا على إجراءات قيد السعيد في بيراميدز وهى أول من يعلم أنها إجراءات صحيحة.

شاهد: أبرز أهداف محمد صلاح في 2018