محمد وليد بركات يكتب: التجربة الدنماركية في التعليم.. الحلقة (1)

أول مدرسة شعبية تأسست1844.. والملك تنازل طوعا عن السُلطة 1848.. و7% من إجمالي الناتج المحلي للدولة يذهب إلى التعليم

هيأت لي الأقدار فرصة طيبة لزيارة الدنمارك والتعرف على برامج “التعليم المدني” هناك، ضمن رحلة أعدتها وحدة التعليم المدني بالمعهد الدنماركي المصري للحوار(Danish Egyptian Dialogue Institute (DEDI، ويُقصد بـ”التعليم المدني” ذلك النوع من التعليم الذي يقدم بواسطة منظمات المجتمع المدني والمدارس الخاصة التي لا تتبع الحكومة، عبر مجموعة من البرامج التعليمية المتنوعة التخصصات والمدد الزمنية، بمقابل مادي، وغالبا بدون امتحانات ولا تلقي شهادات؛ ليكون بذلك الهدف منه هو العلم في ذاته.

وفي هذا التحقيق، نستعرض ما جاء خلال هذه الزيارة في مجال التعليم، بالتركيز على التعليم غير الرسمي، ودور المجتمع في توفير نمط تعليمي موازي للتعليم الرسمي، وهو ما يعد تطبيقا عمليا على أن “بناء الإنسان عملية مجتمعية وليس عملية حكومية”، كما قال الرئيس السيسي، في المؤتمر الوطني للشباب الذي انعقد في جامعة القاهرة.

قبل أن تسافر معنا في الرحلة.. من المهم أن تعلم أن مملكة الدنمارك، عضو في الاتحاد الأوروبي، تقع في شمال القارة العجوز، وعدد سكانها أكثر من 5.5 مليون نسمة، ومساحتها 43 ألف كيلو متر مربع، وعملتها هي “الكرونا” الدنماركي، التي تساوي نحو 2.7 جنيهات مصرية.

ووفقا لـ”دليل الطالب الأجنبي للحياة في الدنمارك” international students’ survival guide to life in Denmark ([1])، فإن الأطفال في الدنمارك يلتحقون بحضانات “رعاية صباحية” day-care، منذ سن عام، ثم مرحلة الروضة kindergarten.

بعدها في سن السادسة أو السابعة، يحصلون إلزاميا على تعليم لمدة تسع سنوات على الأقل، وذلك عبر مدرسة حكومية أو خاصة أو مدرسة منزلية، فالتعليم هو ما يعد إلزاميا وليس نوع المدرسة، وتدعم الحكومة التعليم في المدارس الابتدائية بحيث يكون مجانيا ومتاحا للجميع، مما يجعل نسبة الأمية لا تتجاوز 1% في الدولة. (يبلغ الإنفاق على التعليم 7% من إجمالي الناتج المحلي للدولةGDP ، وحوالي 31% من إجمالي الإنفاق العام total public expenditure، وفقا لموقع “المدارس الشعبية الدنماركية” Danish Folk High Schools ([2])).

بعدها يمكن للطالب الالتحاق بـ”مدرسة شعبية” Folk school، لمدة عام واحد اختياريا، يعقبها الالتحاق بالمدارس الثانوية، سواء التجارية أو الصناعية أو غيرها من التخصصات، لمدة ثلاث سنوات،

ثم يحق للطالب التقدم للالتحاق الجامعة للحصول على درجة البكالوريوس، وقد حصل 60% من الدنماركيين بين سن 15 – 69 على تعليم عال.

دليل الطالب الأجنبي للحياة في الدنمارك

ويتمثل التعليم غير الرسمي في أربعة أشكال هي: المدارس الشعبية Folk high schools، والمدارس المسائية Evening classes، والمدارس الصباحية Day high schools، والتعليم في المؤسسات Associations.

ووفقا للدليل.. تشجع مؤسسات التعليم الطالب على لعب دور إيجابي في العملية التعليمية، وتولي مسئولية تأسيس مشروعات بشكل مستقل أو في مجموعات صغيرة، وبالإضافة إلى حضور المحاضرات، يستحسن للطلاب المشاركة في المناقشات العامة، والعمل باستمرار على تطوير مهاراتهم النقدية والتحليلية.

ويشير فيديو ([3]) يعرض تاريخ وتطور المدارس الشعبية إلى أن المدارس كانت تخضع للكنيسة وتقوم بالتدريس عبر كتبها، في بدايات القرن 19، حتى قدم المفكر والفيلسوف “جرونتفيج”  N. F. S. Grundtvig أفكاره التي أسهمت في تاسيس المدارس الشعبية غير التقليدية، حيث تأسست أول مدرسة شعبية في الدنمارك في 1844، ودرست اللغة الدنماركية والزراعة.

كانت التحديث الذي شهدته هذه المدرسة هي التدريس بطريقة غير تقليدية تقول على الحوار والنقاش، وبدون خوف بين الطلاب والمعلمين، كما لعب الغناء دورا هاما في تقاليد هذه المدارس.

وبذلك مثلت المدارس الشعبية سياقا للتعليم الديمقراطي والوطني، الذي يتم فيه إعداد الطلاب الصغار لممارسة الديمقراطية الحديثة، التي أسسها دستور 1849، وأعاد صياغة الدولة من الملكية المطلقة إلى الديمقراطية.

والجدير بالذكر أن ملك الدنمارك قرر التنازل طوعا عن الحكم، وإعطاء الشعب الفرصة لحكم نفسه ديمقراطيا منذ عام 1848، وقد تم إقرار دستور جديد للبلاد ينص على ذلك منذ عام 1849.

نعود للفيديو الذي يشير إلى أنه بين عامي 1844 و 1890 تأسست في الدنمارك 75 مدرسة شعبية، وتتلقى هذه المدارس الآن دعما ماليا من الدولة، كما أطلقت حرية الدين بعيدا عن الكنيسة الرسمية للدولة، وأصبح ممكنا لأي شخص أن يؤسس كنيسة أو مدرسة مستقلة، وفي 1855 صدر أول قانون للمدارس المستقلة، بعدها شهدت الدولة حراكا في مجال الأنشطة الاقتصادية في مجال صناعات الألبان، وفي مجال حقوق المرأة، والنشاط الحزبي.

خلال الحرب العالمية الثانية، وبالرغم من القصف الألماني، استمرت المدارس الشعبية في العمل، وتم تأسيس رابطة الشباب الدنماركي Danish Youth Association للحشد في مواجهة النازية، عبر مبادرة قادها الفيلسوف هال كوك Hal Koch ، بهدف الدفاع عن أساسيات الحقوق المدنية، كالتفكير الحر والاجتماع، (ثم تغير اسمها لاحقا إلى “Danish Youth

Council”)، ثم تأسست الرابطة الدنماركية لتعليم الكبارDanish Adult Education Association (DAEA)  في عام 1941، وتتوالى بعدها تأسيس منظمات المجتمع المدني، وروابط المدارس الشعبية.

وفي الدنمارك توجد أعداد كبيرة من المدارس الشعبية Folk Schools، وتوجد روابط لهذه المدارس منها FFD، وFORA، وتوجد رابطة عامة تجمع الروابط نفسها هي DAEA، علما بأن بعض اختصارات أسماء الروابط مأخوذة من اللغة الدنماركية لا الإنجليزية.

وفي الحلقة الثانية من التحقيق نتعرف على ما دار في زياراتنا لهذه الروابط، والدور الذي تقوم به، وطبيعة علاقتها بالمدارس من ناحية، وبالحكومة من ناحية أخرى، وكيف توفر التمويل لأنشطتها.

فيلم قصير عن الزيارة:

محمد وليد بركات يكتب: التجربة الدنماركية في التعليم.. الحلقة ( 2 )

شاهد: أبرز الأحداث التي شغلت الوسط الثقافي خلال عام 2018