طارق الشناوي: سناء جميل.. السيدة تتجلى!!

فى الأدب شعر ونثر، وفى الأداء الدرامى أيضا شعر ونثر.. عدد محدود جدا من الممثلين هم الذين ينطبق عليهم تعبير شعراء التمثيل.. على رأس هذه المدرسة، التى تشغل مقعد الناظرة، سناء جميل. إنها واحدة من أيقونات نادرة تملك لحظات تجلٍّ خاصة يلعب فيها اللا شعور دورا أكبر من الشعور.. إنهم يلتصقون بالشخصية التى يلعبونها فتتحول إلى نبضات فى عروقهم ودقات فى قلوبهم.

كانت «سناء» زعيمة فى التحليق الفنى وهى تبرع فى أدوارها القليلة بمقياس العَدَد، العميقة بمقياس الإحساس والتأثير.. حاصرت السينما المصرية الفنانة سناء جميل بقواعدها التى توارثناها وهى الإغراء والجمال الصارخ، وحاصر المسرح «سناء جميل» بقواعده التى تعلى من شأن الأداء الصارخ الجهورى.. الانفعال الزائد الذى ينتقل إلى جمهور الصالة من أجل أن يبكى مثل الأبطال أو يصفق أو يضحك بنفس درجة الصخب الزائد الذى يراه على خشبة المسرح.. أما فى التليفزيون فإن «سناء جميل» وجدت فيه كل القواعد والتراث التقليدى للسينما والمسرح، الذى لا يترك مجالا للهامسين باللفتة والنظرة والإيماءة والتنهيدة، وكان من المنطقى أن تستسلم «سناء جميل» وترفع الراية، فلا يمكن لفنان أن يطبق قانونه الخاص على قانون سائد، كان من الممكن أن تتحول من فنانة تعبيرية إلى فنانة خطابية من الهمس إلى الصراخ، وما أسهل أن تكون صارخا، لكنها كانت ستصبح شيئًا آخر غير «سناء جميل» سيدة التجلى.

كانت ستحقق بمقياس العَدَد عشرات من الأدوار تنهال عليها ورصيدا ضخما فى البنك، لكنها عاندت وسبحت ضد التيار، ولهذا رآها «د.طه حسين» بإحساسه وتواصل معها، وعندما شاهدها على المسرح قال كلمته الشهيرة: «ليس لأحد على تمثيلها سبيل».. انتهت كلمة «طه حسين» التى تلخص بدقة مدرسة «سناء جميل»، صحيح أنها ابنة المسرح بكل طقوسه وأساتذته وأساليبه الكلاسيكية، ورغم ذلك عندما اعتلت خشبته، كان لها أسلوبها المغاير لكل من سبقوها ولقنوها أصول المهنة، وكما وصفها بكل بلاغة وعمق عميد الأدب العربى.

لو حسبتها بالأرقام فلن تجد فى رصيدها الفنى كثيرا، إنها الأقل عددا بين كل الفنانين من جيلها سواء فى المسرح أو السينما أو التليفزيون.. لكن الفن لا يعترف أبدا بالمقياس الرقمى، ومع سناء يصبح عمق الإبداع هو الفيصل، وليس شيئا آخر سوى هذا الوهج الذى يشعه حضورها فى أعماقنا.

عندما تتأمل أفلامها لا شك أن «بداية ونهاية» سوف يبرق أمامك وعلى الفور يحتل مقدمة الكادر دور «نفيسة»، الذى صار عنوانا لها فى السينما، رغم أن لها عديدا من العناوين الجذابة، ولكننا تعوّدنا على سبيل الاستسهال أن نختصر الفنان فى دور. ويواصل صلاح أبو سيف العزف على أوتار إبداعها الخاص والخالص ليقدمها لنا «حفيظة» فى فيلم «الزوجة الثانية» لتحقق قفزة إبداعية أخرى!!

فى التليفزيون أنت أمام قامة وقيمة استثنائية، فهى من الرعيل الأول الذى قدم عديدا من الأعمال الدرامية، وتظل «فضة المعداوى» فى «الراية البيضاء» لأسامة أنور عكاشة ومحمد فاضل هو دُرّتها الأثيرة، لقد منحت «سناء» للشخصية من مشاعرها كثيرا، وأضفت عليها ألَقًا خاصا، حتى إن أسامة قال لى: «لم أكن أتخيل أحدا غير سناء لهذا الدور، ورغم ذلك عندما شاهدتها اكتشفت أن خيالى كان عاجزا عن التحليق لما حققته سناء جميل على الشاشة الصغيرة بـ(فضة المعداوى)».

كانت وصيتها أن تكتب فى نعيها فى «الأهرام»: «قريبة ونسيبة كل المصريين»، وكان ينبغى أن يتضمن النعى «وحبيبة كل المصريين»، قبل يومين أطفأنا لسناء جميل 85 شمعة، لتتجلى إبداعات سيدة الهمس الفنى مجددًا فى قلوبنا!

نقلًا عن جريدة “التحرير”

اقرأ أيضًا:

 9 تصريحات ليسري فودة أبرزها: لم أختلف مع الجزيرة مادياً ولم يوقفني أحد في ONtv   

 رانيا بدوي: هل تستطيع الحكومة تقديم كشف حساب بعد أول عام للسيسي؟   

مذيع إخواني لأماني الخياط: “مخك شبه الطشت”

الإعلاميون عن حمار المطار.. مسافر ومفخخ ومستني حمارة!

موسى يعرض فيديو لـ”حمار بمطار القاهرة”: ممكن يبقى مفخخ

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا