إيهاب التركي يكتب: Adrift الحب من أجل البقاء!

 

نقلا عن المقال

 

«الحب فى مواجهة العواصف والأنواء»، هذه الجملة المجازية تعبر عن تيمة درامية كلاسيكية شهيرة فى السينما الرومانسية، لكن الحب فى فيلم Adrift «انجراف» يواجه عاصفة مناخية طبيعية فى قلب المحيط.  هذه العاصفة وضعت قصة حب تامى أولدهام «شايلين وودلى»، وريتشارد شارب «سام كلافلين» فى مواجهة صراع شديد القسوة مع الطبيعة، من أجل البقاء على قيد الحياة.

تبدأ أحداث الفيلم بمشهد ما قبل التترات يؤسس لحالة الفيلم، وهى تداعيات الكارثة التى تعرضت لها فتاة وخطيبها حين تستيقظ تامى من إغماءة لتجد نفسها وسط حطام كابينة يخت ضربته عاصفة، والماء يتسرب إليه، وكل شىء بالمكان مقلوب رأسًا على عقب، وفى الأعلى العاصفة تهز المركب بعنف، وريتشارد غير موجود على متن اليخت.

تلك النقطة هى بداية سرد الحكاية بشكل متوازٍ بين خطَّين دراميَّين، الأول يعرض صدمة ما بعد العاصفة، ومحاولة البطلة التعامل مع الموقف الصعب فى عرض المحيط، هى على متن يخت مُعطل، وفى مكان غير معلوم، والبطل غائب، والخط الثانى هو مشاهد الفلاش باك لبدايات تعارف تامى وريتشارد فى مرفأ صغير بجزيرة تاهيتى، كلاهما جاء بعيدًا عن موطنه، وكلاهما يبدو وحيدًا، ويحمل داخله أزمة شخصية خاصة، وروح حائرة تبحث عن الحب والدفء والصحبة.

العيش بعيدًا عن الجذور والوطن لم يكن مغامرة مُرفهة لفتاة مدللة، فقد جاءت من الولايات المتحدة هربًا من خواء حياتها، هى ابنة لأم أنجبتها وهى فى الخامسة عشرة، وربتها جدتها، وفى عمر السادسة عشرة هربت مع صديقتها من عالمها المحدود إلى العالم الخارجى، وانتهى بها الأمر للعمل فى مرفأ صغير، حيث تقوم بخدمة أصحاب القوارب واليخوت، وهناك تلتقى هاربًا آخر من حياته، هو الشاب الإنجليزى ريتشاد، الذى صنع قاربه الخاص بنفسه، وكان يُبحر به وحيدًا من مكان لآخر، وهو لا يتحدث كثيرًا عن عائلته، وحينما تكلم أخبر فتاته أن أمه انتحرت وهو فى السابعة.

الشعور بالوحدة وافتقاد الدفئ العائلى جمعا بين البطلَين، وتحولت علاقتهما السطحية الهشة إلى قصة حب متماسكة.

نرشح لك: البدلة.. والضحك من غير سبب ليس قلة أدب!

 يقول البطل لحبيبته فى جملة حوارية مبتذلة: «لقد سافرت نصف العالم لأجدك»، ويطلب ريتشارد يد تامى للزواج، ولاحقًا يطلب منه زوجان عجوزان نقل يختهما الفاخر من تاهيتى إلى أمريكا، مقابل مبلغ مالى جيد، وتبدو تلك الرحلة بمثابة رحلة شهر عسل مبكرة للثنائى المحب، لكنها تنقلب إلى كارثة حينما يهاجمهما الإعصار ريموند.

يعتمد الفيلم على تيمة فيلم الكوارث وحكاية الشخص الضائع فى المحيط على متن يخت شبه محطم وبلا مؤن كافية وفى انتظار إنقاذ صعب، إن لم يكن مستحيلًا، لكن العمل ملون بقصة حب رقيقة، وهى القصة التى جعلت للفيلم شكلًا دراميًّا جذابًا، خصوصًا فى الحوارات المتبادلة بينهما على متن القارب، وهما على وشك الموت، وتُعبر عن مفارقة لقاء شخصين، كل منهما انجرف بعيدًا عن موطنه وماضيه، وواقعهما بعد العاصفة، حيث انجرفا معًا بعيدًا عن أى مكان يابس، وعن أى أمل فى النجاة.  الفيلم شارك فى كتابته الشقيقان أرون وجوردان كيندل، بمشاركة ديفيد برانسون سميث، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية حدثت فى الثمانينيات، وروتها تامى الحقيقية فى كتابها عن المحنة التى تعرضت لها بصحبة خطيبها ريتشارد شارب، وهو شخص إنجليزى قابلته وأحبته، وذهبت معه فى تلك الرحلة التى تحولت إلى كارثة.

الاستغلال الجمالى لأماكن الأحداث جعل الصورة والكادرات جزءًا من حالة الفيلم، ومنح المشاهد دفئًا ورومانسية حالمة، حتى فى أكثر المشاهد حزنًا ويأسًا، وكانت زوايا التصوير ترسم دائمًا ملامح المكان بألوان هادئة وناعمة وشفافة كأنها لوحة مرسومة بألوان مائية.

يحيط الماء البطلَين دائمًا، ويغمرهما بحب كأنه يعوضهما عن حياتهما الجافة على اليابسة، وتُحلق كاميرا مدير التصوير روبرت ريتشاردسون فى السماء، وتنساب مع الأمواج، وتغوص تحت الماء، وتخلق حالة جمالية جذابة تدارى قصور عدد من العناصر الأخرى، ومنها الحوار النمطى فى كثير من أجزاء الفيلم، والسيناريو العادى الذى يعتمد على بناء تقليدى، ويعيبه الإفراط فى استخدام الفلاش باك، وهناك تويست مفاجئ قبل نهاية الفيلم حاول إنقاذ الفيلم من بطء الأحداث ورتابتها.

مدير التصوير ريتشاردسون حاصل على ثلاث جوائز أوسكار: JFK «جيه إف كيه»، The Aviator «الطيار»، Hugo «هيوجو»، ورُشح لعدد آخر من جوائز الأوسكار، منها ثلاثة ترشيحات لأفلام أخرجها تارانتينو، وقد نجح فى تقديم رؤية بصرية مُعبرة بمشاركة المخرج الأيسلندى بالتازار كورماكور، وهو مخرج شغوف بتيمات الصراع من أجل البقاء، والحكايات التى تدور أحداثها فى البحر، ومن أعماله Everest «إيفرست»، وThe Sea «البحر»، وThe Deep «الأعماق»، وقد صنع من قصة حب تامى وريتشارد التيمة الأساسية، بينما جاءت العاصفة أمرًا ثانويًّا، وأجّل مشاهدها طويلًا ليستعرض البعد الإنسانى فى علاقة البطلَين، وهو المحور الأهم من صُنع فيلم آخر عن الضياع فى البحر.

أداء شايلين وودلى، العاطفى المؤثر، من العناصر الأساسية فى الفيلم، فالحكاية تتم روايتها من وجهة نظرها، وهى أول شخصية تظهر فى الفيلم، وكل ما جاء لاحقًا صدى لذكرياتها، أو الواقع الحاضر لمحاولتها البقاء على قيد الحياة، وتامى شخصية عادية، وحيدة وبسيطة، ومشاعرها تطفو على وجهها ببساطة، وقد عبرت وودلى عن ملامح شخصية الفتاة التى تبحث عن ذاتها، وتقابل الحب الحقيقى لأول مرة ببهجة فتاة عشرينية تتوق لحياة لا تعرف ملامحها وتفاصيلها بالتحديد، وأيضًا رسمت حالة الخوف والحيرة أمام موقف أكبر من إمكاناتها وخبراتها الحياتية.

كان على البطلة البقاء على قيد الحياة، والحفاظ على حياة حبيبها المُصاب بشدة بكسور فى ضلوعه، وبجرج بالغ فى ساقه، وبسبب عجزه عن الحركة أصبحت مكلفة بفعل كل شىء، ومواجهة الموت جوعًا وعطشًا فى موقع بعيد عن اليابسة، وتتحرك الأحداث بطيئة، وتكون العودة لبداية العاصفة هى ذروة مرحلة التشويق على الشاشة، وفى أثناء محاولة النجاة ظل الحب هو المُعين على الاستمرار وعدم اليأس، ومصدر الأمل فى نهاية المحنة.