السؤال الذي جعل محمد رفعت يكتب "أمر واقع"

أمنية الغنام

الدكتور محمد رفعت طبيب وسيناريست قدم العديد من الأعمال السينمائية الناجحة، وله من الأعمال الدرامية التلفزيونية ما ترك به أثراً طيباً على متابعيه، وفي رمضان 2018، عُرض له مسلسل” أمر واقع”، حاول خلاله طرح تصور مختلف عن حياة ضابط الشرطة، وقدّم نماذج جديدة في الدراما مثل شخصية الإعلامي المعارض.

“رفعت” يستعد حالياً مع المذيعة فاطمة مصطفى لتقديم البرنامج الإذاعي الجديد “أجيال” والذي يذاع كل خميس من الثانية عشر ظهراً حتى الثانية، على “الراديو 90 90” ويتناول فيه كل ما يخص الأسرة والطفل واهتماماتهما، وطرق الوقاية من الأمراض.

“إعلام دوت أورج” حاور الدكتور محمد رفعت للتحدث عن تجربته مع “أمر واقع”، وكانت تلك أبرز تصريحاته:

1- يقابل الكاتب في حياته أطيافاً من الشخوص والأحداث التي تظل عالقة في ذهنه حتى يأتي في مرحلة ما يشعر فيها بالرغبة في الكتابة عنها، في مسلسلي “أمر واقع” رغبت أن أتناول اتجاهاً مختلفاً لحياة يومية عادية لاثنين من الضباط ومن حولهم من شخوص كالأب والأم والزوجة والإعلامي المعارض والإعلامية المهووسة بتصدر برنامجها للأعلى مشاهدة أو الإرهابيين وكيف تتم مواجهاتهم، فقد كان هدفي هو إلقاء الضوء على فصل أو فصول من حياتهم.

2- هناك سؤال كثيراً ما يتردد في ذهني وزاد حماسي لكتابة أمر واقع، كنت أسأله لنفسي عند متابعة حفلات تكريم أسر الشهداء من ضباط الشرطة وزوجاتهم، وهو هل يا ترى زوجة البطل كانت تلك هي إرادتها أن تكون زوجة بطل أم زوجة عادية ؟ هل عندها تواءُم كامل مع زوجها فيما يخص وضعه المهني أم هي حياة فُرضت عليها؟ كان هذا مدخلي في الكتابة والقائم على المشاعر الإنسانية بين البشر بغض النظر عن كونهم ضباط أو زوجاتهم أو الإعلاميين والحقوقيين من حولهم.

نرشح لك: ماذا فعل ماسبيرو في برنامج ” نور على نور؟”.. أسرة أحمد فراج تروي التفاصيل

3- أردت أن أعكس حال الضابط في حياته الطبيعية مثل أي إنسان آخر، وهو يخرج من منزله وعند عودته من عمله، وكيف يجلس في بيته، فمثلاً الفنان أحمد وفيق لعب في المسلسل دور الضابط المجتهد الذي يهب حياته ووقته لعمله وفي نفس الوقت هو منفصل عن زوجته وأبناؤه يعيشون بعيداً عنه، عكس الضابط حمزة الذي قام بدوره الفنان كريم فهمي الذي يعيش ظرفاً استثنائياً بعد وفاة ابنه وهو صغير وتصرف زوجته معه بنوع من التعالي العاطفي، فاضطر لطلب نقله من إدارة مكافحة الإرهاب لإدارة المرور، وكان هذا مدخلاً لي لأبرز حياة كل من حوله سواء الأب أو الأم أو صديقة طفولة التي التبست بينهما طبيعة العلاقة، وهكذا.

4- يظل العمل الفني مهما كانت قيمته كبيرة أو متوسطة أو حتى ضعيفة يعكس تجربة وحالة خاصة جداً ترتبط به هو وفقط، فلكل عمل خصوصيته والمقارنة تكون بين المتشابهات وبالتالي لا توجد قصة حياة لأحد الأشخاص تشبه الأخرى.

5- لا يدرك الكثيرون قسوة حياة بعض ضباط الشرطة، فالصورة العامة في الأذهان مثلاً عن زوجة البطل أنها التي تهيأ له المناخ ليكون كذلك لكن على أرض الواقع “ما فيش كده خالص” بل العكس تعيش حياة عادية جداً.

6- اخترت الحوارات العادية واليومية بين شخوص العمل لتكون مادة المسلسل عوضاً عن الأفكار التقليدية والمعلبة.فمثلاً في أحد المشاهد عند عودة الضابط من عمله وبعد تفكيكه لإحدى القنابل وجدنا زوجته تسخر ليس من عمله بل من أنه يعرض حياته للخطر وقد وعدها بعدم العودة لذلك ومن ناحية أخرى ابنته تسأله عن عدم حضوره لحفلتها المدرسية.

7- “بيتهيئلي إحنا كمان بنتحامى في الناس مش هم بس اللي بيتحاموا فينا” تلخص هذه العبارة تقريباً، ما يريد العمل أن يقوله فقد جاءت على لسان البطل في الحلقة ٢٨ وهو يسير بين الناس ولسان حاله يقول أن الأوطان يتم حمايتها بالحب، فالأحلام حماية والحريات حماية حتى الانتقادات حماية.

8- لم أتواصل مع أي من ضباط الشرطة أو حتى زوجات الشهداء لأن ذلك يعني أنني سأكتب قصص حياتهم وليس قصص شخوص العمل كما أتخيلها، ولكن لجأ مخرج العمل محمد أسامة للأخذ برأي بعض ضباط الشرطة وسؤالهم عن الترتيب المنطقي والمنبع في حالات الاقتحام أو طبيعة العمليات الأمنية وكان ذلك في ٤مشاهد فقط.

9- حوالي ٦ أشهر هي مجمل المدة الزمنية التي استغرقتها لكتابة “أمر واقع” وكنت ما بين كتابته وكتابة أفلامي الخاصة ببرنامجي حكاية كل بيت.

10- “أمر واقع” ليس مسلسل أكشن أو حركة وهناك نماذج لشخوص داخل العمل تستحق الالتفات إليها عن نموذج الضابط، كالإعلامية “جمانة” والتي أدت دورها الفنانة دينا فؤاد، وهي شخصية مشاكسة لديها هوس بأنها “نمرة واحد”، وهذا النموذج موجود بنسبة كبيرة سواء من الإعلاميين أو الإعلاميات، وذلك على حساب المهنية، فقط الهوس بما يسمى الترند والسوشيال ميديا، بدلاً من التوعية أو تحقيق الهدف من البرنامج، كذلك نموذج الإعلامي المعارض “أحمد” الذي قام بشخصيته الفنان نبيل الحلفاوي فكلها شخصيات جديرة بالاهتمام على المستوى المهني والإنساني.

11- أحد المشاهد التي عكست رأيي الشخصي والحقيقي فيما يعاني منه الإعلام عندما قالت المذيعة المنافسة لجمانة أنها بصدد عرض حلقة ستحدث ضجة وستكون رقم واحد على الترند ردت عليها قائلة: “إحنا هنضحك على بعض بـ١٠ آلاف دولار، ممكن تكوني ترند على جوجل و٢٠ أو٣٠ ألف دولار تكوني ترند على تويتر ويوتيوب”، بالمناسبة هذه الأرقام حقيقية وهناك شركات تسمى “أندر جراوند السوشيال ميديا” متخصصة في شراء المشاهدات الوهمية.

12- كانت دهشتي عندما كتبت شركة الإنتاج موجهة الشكر للمخرج التونسي مجدي السميري، وهو مع تقديري الكامل كل ما قام به هو قراءة أول ٣ حلقات فقط لا غير، والذي حدث أن شركة الإنتاج كانت قد عملت مع المخرج التونسي السميري مسلسل اسمه “اختيار إجباري” كان مساعديه من المخرجين كلٍ من محمد أسامة وأحمد حسن مخرج الوحدة الثانية في نفس المسلسل وبعد الانتهاء كان لكلٍ منهما مشروعه الخاص، وكان السميري بالفعل مرشحاً لإخراج “أمر واقع” وقد قابلته مرة واحدة وأخبرني وقتها بإعجابه بالفكرة ويرغب في إخراجها، وجاء ردي أنه عندما تقرر الشركة المنتجة نجلس للاتفاق حول طريقة العمل المعتادة بين المخرج والكاتب، لكن الذي حدث أنه سافر لأمريكا ورأت الشركة المنتجة أن يبدأ محمد أسامة في إخراج المسلسل لحين عودة السميري من السفر ولكني وجدت نفسي غير مستعد لتقبل ذلك الأمر واعتبرتها نقطة فاصلة في إخراج المسلسل من عدمه، ووافقت شركة الإنتاج على محمد أسامة لإخراج العمل كاملاً من بدايته وحتى النهاية.

13- السميري مخرج قدير لكن ربما خبراته وتجاربه في مصر قليلة وأنا هنا أتساءل نحن نمتلك في مصر مخرجين مميزين جداً فما هي الحكمة من الاستعانة بمخرج غير مصري، وعمله في مصر عبارة عن مسلسل واحد من ٦٠ حلقة وخارج رمضان، فأنا أتفهم مثلاً عندما تتم الاستعانة بالمخرج حاتم علي وهو مخرج سوري للأعمال التاريخية والاجتماعية، وهذا ليس تقليلاً من مجدي السميري على الإطلاق.

14- كان الاسم الأول للمسلسل هو “لآخر نفس” وأنا الذي طلبت تغييره لسببين أولهما لأنني وجدت مسلسل لبناني يحمل نفس الاسم وتم عرضه عام ٢٠١٧، وثاني سبب أنني شعرت أني أحكي حكاية من الواقع فأردت أن يكون الاسم له علاقة بما نعايشه على الحقيقة، وكأني في عقد مع المشاهد أن ما ترونه وتشاهدونه في المسلسل هو من صميم وقلب الواقع.

15- أمل كل كاتب أن يتم تجسيد أعماله لتتحول من ورق إلى عمل فني درامي، وإن كانت بداياته تجعله يهتم بمن هم الأبطال المشاركين في العمل؟ إلا أنه بعد ذلك يدرك أن الفيصل في اختيار الفنانين التي من شأنها أن تجسد شخوص روايته بما يتوافق مع رؤيته.

16- بعض سيناريوهات المسلسلات مثل “اختفاء”، و”أمر واقع”، و”الرحلة”، و”رسايل” تحتاج أن تتم مشاهدتها بعيدًا عن الصخب الرمضاني ورأي الشخصي أنه كان من الأفضل أن يتم عرض “أمر واقع” خارج رمضان.

17- منظومة العمل لمسلسلات رمضان لا يجب أن تستمر بهذه الطريقة، فعادة ما يكون المؤلفين والمخرجين والفنانين مستعدين للتصوير لكن للأسف بعض المحطات التليفزيونية والوكالات الإعلانية تتحكم إلى حد كبير في ذلك الأمر وفقاً لعوامل التوزيع والتسويق، كما أن الاتجاه أصبح أكثر ميلاً لإنتاج الدراما التي تحتوي على العنف والحركة على اعتبار أن هذا ما يريده المشاهد، على عكس الأجيال السابقة حين كانت الأفضلية في رمضان للمسلسلات الاجتماعية.

18- الجديد الذي أسعى إليه هو أن أتطرق لجوانب لم أتناولها من قبل، أريد كتابة مسلسل اجتماعي جيد وآخر يتناول حقبة زمنية غير التي نعيشها وليس شرطاً أن تكون تاريخية.