محمد عبد الخالق يكتب عن فيروز "المصرية" (2-3)

“موسيقار الأجيال” يترك بصمته على “سفيرة النجوم”

تعاون فيروز مع عبد الوهاب، ملحنا وحيدا من بين الملحنين المصريين، ليس مفاجأة وليس غريبا، عبد الوهاب الأسطورة وصانع النجوم والملحن الذي حمل الأغنية العربية من عصر التخت والمقامات التركية للألحان العصرية الحديثة دون التخلي عن الأصالة والفن، وفيروز مشروع موسيقي يسهر عليه ويخطط له عملاقين من أكبر عمالقة الفن الذين أنجبتهم لبنان على مدى تاريخها، فكان طبيعيا أن يستفيد كل طرف من الآخر، ناهيك عن عشق فيروز الشخصي لألحان عبد الوهاب وإعادة غنائها لأغنيتين من أغانيه قدمهما قبل مولدها بسنوات عديدة، هما “يا جارة الوادى”، كلمات أمير الشعراء أحمد شوقى، و”خايف أقول اللى فى قلبى”، كلمات الشاعر أحمد عبد المجيد، والأغنيتين غناهما عبدالوهاب في 1928 و1929 بالترتيب.

وتحكي لنا الإعلامية الكبيرة آمال فهمي، وهى صديقة مقربة للفنانة فيروز كواليس اللقاء الأول بين فيروز وعبد الوهاب، ففي زيارة فيروز الأولى للقاهرة طلبت من بعض معارفها أن يرتبوا لها لقاء في برنامج “على الناصية” الذي كان ذائع الصيت وقتها على مستوى الوطن العربي بأكمله، وبالفعل تم ترتيب اللقاء واستضافتها آمال فهمي في البرنامج ونشات بينهما علاقة صداقة قوية.

نرشح لك: محمد عبد الخالق يكتب: عن “فيروز المصرية” (1-3)

وطلبت فيروز من آمال أن ترتب لها لقاء مع موسيقار الأجيال عبد الوهاب وبالفعل تم الترتيب للقاء وكان عبد الوهاب وقتها منفصلا حديثا عن زوجته السيدة إقبال نصار، وقال لآمال فهمي: لكن من سيستقبلها في المنزل ويحتفل بها؟ لكنه أحضر وجبة سمك كبيرة وعزم عليها فيروز وآمال فهمي والحاضرون، وبعد دقائق كان عبد الوهاب قد تمكن من إزالة الرهبة من قلب فيروز ولبى طلبها بغناء بعض ألحانه خلال الجلسة، واتفقا على التعاون الفني.

شهدت الستينيات تعاون موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مع فيروز وقدما معا 3 أغنيات مثلت علامات بارزة في مشوار فيروز وفي الأغنية العربية بشكل عام.

“صوت الفن” … كيف بدأ التعاون

عندما أسس الثلاثي عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ومجدي العمروسي شركة “صوت الفن” عام 1961، أرسل لهما الأخوين رحباني من لبنان تهنئة وهدية، أما التهنئة فكانت مصحوبة بباقة ورد، وأما الهدية فكانت عرضا بتقديم فيروز أغنيتي عبد الوهاب “يا جارة الوادى”، و”خايف أقول اللى فى قلبى” بتوزيع موسيقي جديد وأن تقوم بتسجيلهما في شركته الجديدة، ولم تكن موافقة عبد الوهاب مفاجئة وهو من قال عنها: “صوت يفخر أي ملحن أن يلحن له”. ووافق عبد الوهاب فورا فأرسل له الأخوين رحباني كلمات أغنية جديدة من تأليفهما وهى “سهار بعد سهار”، فلحنها عبد الوهاب وغني في الورال وراء فيروز بصوته، وحققت الأغنيات الثلاثة نجاحا كبيرا.

ولنترك الموسيقار محمد عبد الوهاب يتحدث بنفسه عن تجربته مع فيروز كما قال في أحد اللقاءات التليفزيونية: “السيدة فيروز خدت منى “يا جارة الوادى”، و”خايف أقول اللى فى قلبى”، فأدت الغنوتين بشكل حلو جداً، وأنا صحيح حققت ما أصبو إليه، وهو إعادة تقديم عملين لى بصوت المطربة العظيمة اللى بيحبها كل الناس هنا فى لبنان، وكل البلدان العربية وبالطريقة دى أكون ذكرت الجيل القديم بالغنوتين دول، يعنى اللى بيحب عبدالوهاب بينبسط من هذا العمل واللى بيحب فيروز برضه هيكون مبسوط، لكن أرجو أن تتاح لى الفرصة لألحن للسيدة فيروز أغنيات جديدة إنما فيه مشكلة، يعنى ليس بمعنى المشكلة، لكن مسألة حساسة شوية، فالإخوان عاصى ومنصور رحبانى أعرف أنهما يصران على التدخل فى أى عمل تغنيه فيروز وهذا الشىء لا أوافق عليه”.

في آخر جملة من حديث تحدث عبد الوهاب صراحة عما لم يكن خافيا على أحد، وهو تدخل الأخوين رحباني في كل ما تقوم به فيروز، ولم لا وهى جزء من مشروعهما، وكما نعرف لا يرضى فنان عن عمل فنان غيره، وهو ما سنعرف عنه تفاصيل أكثر رواها المخرج يوسف شاهين عند حديثنا عن فيروز في السينما، لكن الأخوين رحباني بمجرد سماعهما هذا الحديث طلبا منه أن يلحن لفيروز، ووعداه بألا يتدخلا في العمل، وبالفعل قدم لها “سكن الليل” للشاعر جبران خليل جبران (1967)، و”مرّ بي” للشاعر سعيد عقيل (1968).

“النكسة” التي هزمت مشروع تقديم “مجنون ليلى” بصوت العندليب وجارة القمر

في تلك الفترة فكر عبد الوهاب بتوسيع العمل مع فيروز والرحبانية، وداعبت أحلامه فكرة إعادة تقديم مسرحية مجنون ليلى لأمير الشعراء أحمد شوقي، والتي قدمها عبد الوهاب نفسه في بداياته المبكرة، لكن هذه المرة بتوزيع عصري للأخوين رحباني، وبأصوات شابة (عبد الحليم حافظ وفيروز)، وبالفعل عرض الفكرة على الأخوين رحباني ورحبا بها جدا، وتم الإعلان عن المشروع في الصحافة، واستكمل عبد الوهاب تلحين أجزاء كانت ناقصة في المسرحية، لكن وقعت هزيمة يونيو 67 فمات المشروع مع أحلام عديدة ماتت.

“زهرة ربيعية لا تعرف الاصفرار” فيروز في القاهرة للمرة الثانية

في عام 1966، وجه وزير الثقافة والإرشاد القومي أمين هويدي دعوة رسمية لفيروز والأخوين رحباني لزيارة مصر، ولبوا الدعوة وحظيوا بترحيب واحتفاء كبير من الصحافة والإعلام، وصدرت مجلة “الكواكب” بغلاف يحمل صورة فيروز وعبارة “أهلا بفيروز”.

وكتب الناقد الكبير رجاء النقاش عن فيروز والأخوين رحباني قائلا: “فيروز والأخوان رحباني يمثلون زهرة بديعة أصيلة من زهور الفن العربي المعاصر. زهرة خالدة، ثمرها دائم، وعطرها أصيل، وأوراقها ربيعية لا تعرف الإصفرار، ولا تعرف الذبول، وكم سعدت قلوب العرب في كل مكان بصوت فيروز وألحان الرحباني، فأهلاً بفيروز في القاهرة، وأهلاً بها في قلوبنا: عرش فيروز الدائم”.

بعد هذه الزيارة ولأسباب مجهولة، غابت فيروز عشرة أعوام لو تزر فيهم القاهرة، وكثرت الأقاويل حينها عن سبب هذا الغياب، وكان أغرب ما تداول وقتها مقولة للناقد د. على الراعي التي أكد فيها أن مطربة مصرية كبيرة كانت سبب غياب جارة الوادي عن القاهرة، إلى أن انتهت هذه القطيعة مجهولة السبب وعادت فيروز لزيارة مصر بدعوة من الفنانين المصريين، وأحيت حفلا كبيرا بحديقة الأندلس، عام 1976، غنت فيه رائعتها “مصر عادت شمسك الذهب”.

في الحلقة (3):

-“كامل الأوصاف” وزقزق العصفور” … أغنيتان حلم الموجي بسماعهما بصوت فيروز وكان مصيرهما للعندليب وأميرة سالم

-ثلاثية السنباطي التي انتصرت عليها الحرب الأهلية اللبنانية وأوصى ميشيل المصري بدفنها معه في قبره

-كمال الطويل و”بكرة يا حبيبي” … اللحن الذي وضعه لفيروز فغنته وردة