31 حكاية ترويها ابنة سيد مكاوي.. أبرزها غنائه في المسجد بالخطأ

أمنية الغنام

يكفي أن تنطق اسم الشيخ سيد مكاوي لتتذكر كل ما هو جميل في مصر، هذا الاسم الذي اقترن بصناعة البهجة وخفة الروح والدم، وفي نفس الوقت تعبر نغمات ألحانه على كل أصيل ذو طابع شرقي صميم، فهو ابن البلد العشري صاحب الكل، وآخر شيوخ الطرب الأصيل.

نرشح لك: 7 معلومات قد لا تعرفها عن “الخال” سامي العدل

“إعلام دوت أورج” حاور ابنته أميرة مكاوي التي لم تختلف عن والدها كثيرًا في بساطته، للتعرف على جوانب من حياته وفيما يلي نرصد أبرز تصريحاتها:

1– امتلك والدي أعواداً كثيرة ، ثلاثة منهم هم المقربين والمحببين إليه منهم عود من خشب الأبانوس كان يعزف عليه طوال الوقت وكان صوته الأجمل نظراً لقدمه وظل مصاحباً له طوال عمره، وآخر على شكل الكمثري صُنع له خصيصًا، وفي إحدى الحفلات تعرض للارتطام وكُسر، فعرض عليه أحد الأشخاص إصلاحه وأخذه واختفى ومعه العود بعدها للأسف.

2– له عود آخر في بيت أختي إيناس وثالث في بيت صديق عمره جمال مختار الذي رحل منذ حوالي شهر تقريبًا، وانتقل هذا العود من منزله إلى منزل دكتور أحمد زويل، ولا أعرف عنه حالياً أي شيء.

3– شئنا أم أبينا فإن الجيل الحالي لديه حالة من الرفض لكل ما هو قديم إلا إذا قُدمت له بشكل يمكن استساغته ويواكب العصر، مثل ما تقوم به مثلاً إسعاد يونس في برنامجها من إعادة توزيع الألحان القديمة بأوركسترا وتقديمها مرة أخرى للجمهور، حتى يظل الثراء موجود في مخزون الأجيال المقبلة، ومع ذلك أنا ضد أن نأخذ اللحن ونقوم بتركيب كلمات مختلفة عليه، فذلك يلغي شخصيته الأساسية بحجة الهزار والسخرية.

4– عندما شاهدت إعلان “العيلة الكبيرة” لأحد الشركات الكبرى، تولد عندي شعورين مختلفين، فقد كنت سعيدة لأن والدي قدم عملاً يتم اللجوء إليه واستخدامه لعكس حالة الفرح والنجاح، مما يعني أن الأغنية “عايشة” ولها نفس التأثير منذ أن طرحت لأول مرة، لكن في نفس الوقت “زعلت”، لتغيير الكلام الأصلي للأغنية، لأنني مع إعادة توزيع اللحن الأساسي لكن دون المساس بالكلمات.

5– سيد مكاوي كان مستمعاً عظيماً، ساعدته ثقافته الشخصية وأصدقاؤه المتباينين في خلفياتهم الثقافية، أمثال الدكتور مصطفى محمود، والشيخ محمد متولي الشعراوي، والمفكر الإسلامي خالد محمد خالد، والشاعرين فؤاد حداد وصلاح جاهين، وآخرين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية سواء يساريين، أو قوميين، أو غيرهما، هذا بالإضافة لتجار السيارات وأصحاب الورش، فكان لديه القدرة على مصاحبة كل الأطياف والأفكار وغالباً كانت هذه سمة هذا الجيل وقتها.

6– كانت أمي وهي نهمة جداً للقراءة، تقرأ دائمًا له، وكذلك شقيقتي، لكن بحكم أنني الصغيرة ونظراً لعمل والدتي، ولاحقًا أختى وانشغالهما كنت الأكثر مواظبة على القراءة له، وأذكر أنني كنت أقرأ له ديوان أبو نوّاس وأنا في العاشرة من عمري وكثيراً ما كان يصحح لي أثناء القراءة.

 

7– والدتي فنانة تشكيلية، تجيد الرسم وتحبه كثيراً لكنها رغم ذلك لم ترسم لوالدي يوماً “بورتيريه”، ربما يعود السبب لأنها تراه بشكلٍ مختلفٍ، أو ربما لم تجرأ على ذلك، لكني متأكدة أنها لو كانت فعلت ذلك لنفذته كأجمل ما يمكن، وبالمناسبة تحتفظ بصورته بجوار صورة والدها وصورة جمال عبد الناصر على جدران المنزل.

 

8– ظل والدي على علاقة بكل جيرانه وأُناسه في حي السيدة زينب حتى وفاته وأذكر منهم: “عم شوقي” من جيرانه القدامى ما زال ابنه جمال، وهو شاعر، على تواصل معي حتى الآن.

9- عبقرية سيد مكاوي تكمن في أنه آخر من حافظ على المدرسة الشرقية في الألحان من شيوخ الملحنين، حتى مع وجود فنان عظيم مثل محمد عبد الوهاب، الذي مال لتغريب الموسيقى واستخدام الآلات الغربية، فهو الوحيد الذي أصر أن يظل شكل الفرقة الموسيقية كما هو دون استخدام النغمات الغربية أو آلاتها، وبالرغم من ذلك استطاع أن يقدم ألحاناً ناجحة ومحببة للجمهور.

10– ميزة أخرى أراها في والدي أنه كان يتقن ارتداء عباءة الشاعر، بمعنى مثلاً: إذا قلنا فؤاد حداد بحجم فلسفته التي تنعكس على كلماته كانت ألحان سيد مكاوي له تشبه هذه الفلسفة، ألحان صعبة فيها تنويعات مقامية كثيرة لكن في نفس الوقت لا يلجأ لحُليات تطغى على أهمية الاستماع للكلام نفسه، وهذا كان أحد أسباب اختياره “حداد” لكتابة “المسحراتي”، حيث إنه لن يكون هناك آلات مصاحبة سوى الطبلة، لذلك كان لا بد وأن يكون التركيز على الكلام باعتباره تأريخًا لمصر وحواريها، والجدير بالإشارة هنا أنه بعد فؤاد حداد وصلاح جاهين كان والدي أكثر ميلاً للتعاون مع الشاعر عبد الوهاب محمد، وقدما معاً العديد من الأغاني.

11– لم يعلق يوماً على ألحان أحدٍ من زملائه الملحنين سواء بالسلب أو الإيجاب، لأنه كان يعي أن لكلٍ منه طابعه وشكله الخاص، وأذكر أن الموسيقار عمار الشريعي كان يسهر معنا ليلاً نستمع لأم كلثوم وهي تغني فينفعلا معاً ويصيحان ويطربان لألحان غيرهما، وفي سنواته الأخيرة لفت نظره الملحن ياسر عبد الرحمن وعلق عليه بالإيجاب.

12– والدي من مواليد ١٩٢٨ وعاصر الملكية و جميع الرؤساء بعد ذلك حتى فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك، اتسم “مكاوي” دائماً بالحيادية فلا يمجد أحداً لأجل التمجيد أو يبخس لأحدٍ حقه، فقد كان يرى في كل عصر أجمل ما فيه، فقد كان يحب الرئيس السادات لأنه كان مع فكرة الحرب أو النصر والسلام وكان سعيداً بالانتصار، بالرغم من أنه دفع هو شخصياً ثمنه عندما امتنعت دول عربية كثيرة عن استضافته لإحياء الحفلات خارج مصر، وقدم لحن وقتها “هنحارب” التي تغنت بها مصر كلها.

13– فيما يخص عصر مبارك فإن الحال حتى وفاة والدي لم يكن قد تدهور إلى هذا الحد، وأذكر أنني حضرت شخصياً مكالمة هاتفية دارت بينهما عندما هممت بأن أسلم على والدي عند عودتي من المدرسة، وأشار إلي وقتها بالسكوت لأن المكالمة مهمة، وعندما أغلق سماعة التليفون قال لي أنه كان يتحدث للرئيس محمد حسني مبارك، لاستئذانه للسفر لإحدى الدول العربية التي كان بيننا وبينها قطيعة، وكان بعض الفنانين يلجأون للتحايل والسفر لدول أخرى ومنها لهذه الدولة وعندما عُرض على والدي أن يفعل المثْل وبمبلغٍ مالي كبير بمقاييس عصره رفض، ورأى أنه من الأدب أن يبلّغ بذلك أولاً، وأجرى اتصالاً هاتفيًا طلب فيه التحدث لرئيس الجمهورية، وبالفعل تحدث مع مبارك الذي قال له “ما تروحش”، وامتثل لذلك ولم يذكر هذا الموضوع طوال حياته، ولا حتى في لقاءاته مع الفنانين والإعلاميين.

14– ظلت تونس هي الأغلى على قلبه من معظم الدول العربية التي نظمت له حفلاته الغنائية، فجمهور تونس “سمّيع” بطبعه ويعي تماماً مذاق الموسيقى، وأذكر مشهد دخوله على مسرح قرطاج الذي يتسع لأعداد كبيرة من الجماهير أن استُقْبل بعاصفة من التصفيق لم يتخيلها، مما جعله يتوقف لثوانٍ من المفاجأة، هذا المشهد أثر فيه كثيراً، وقد تكرر مرة أخرى في حفلته الوحيدة التي أقامها بدار الأوبرا المصرية، لكن هذه المرة بكى بالدموع لحسن التقدير، خاصة أن حفلاته كانت قد بدأت تقل وكبر في السن.

15– لحّن آخر ألحانه “كان في زمان يا حبيبتي” كنوع من التحدي إنه ينتج لحن يبدو غربي الملامح وينجح، لكن بعد الانتهاء منه وجد أنه لا يصلح لتلك الفترة من الزمن فأخفى اللحن حوالي ٢٠ عاماً، وقبل وفاته بعامين قرر أن يسجله، فقامت أختي إيناس بتسجيله له وتصويره فيديو كليب وإهدائه إياه في عيد ميلاده، هذا اللحن أذيع مرة واحدة على أوربيت ولم نسمع عنه شيئاً.

16– تتلمذ على يدي أستاذيه الشيخ سيد درويش والشيخ زكريا أحمد، كان يحب مدرسة سيد درويش التعبيرية، التي يمكن أن تقوم بتلحين الكلمات الغير مُقفّاه وبلغة الناس، عكس مدرسة زكريا أحمد التي تعكس نموذج الطرب الأصيل، ومع ذلك استطاع أن يمزج بين موسيق الاثنين فلم يقدم مثلاً لحناً كَلَحْن “شد الحزام على وسطك” لسيد درويش أو لحناً يشبه ألحان زكريا أحمد لأم كلثوم، بل قدّم لحناً يشبهه مثل “اللية الكبيرة”.

17– قدم ثلاثة ألحان حزينة فقط في حياته، إثنان منهما في فيلم العروسة الصغيرة، والثالثة أغنية “لموا الكراريس يا ولاد” على إثر ضرب مدرسة بحر البقر، الحادثة التي تأثر بها بشدة وهو الضعيف دائماً أمام الأطفال.

18– من التواريخ التي لم ينسها يومًا قط، أن أخطأ وغنى في الجامع بدلاً من أن يرفع الآذان، ويوم أن أحضرت له والدته الإسطوانات من بائع الروبابيكيا، وكذلك يوم ٦ أكتوبر، وبعده عندما ذهب للإذاعة مع صلاح جاهين واستعانوا بالسعاة ومهندسي الصوت والعاملين كمجاميع لغناء “هنحارب”.

19– كان دائماً ما يهادي والدتي ولم يلحن لها يوماً لحناً خاصاً بها لكنها كانت تحب الاستماع منه لأغنيتي: “حكايتنا احنا الاتنين” و”لو بتحبني”.

20– والدي كان “درويشًا” للفنان نجيب الريحاني، كان عاشقاً وشغوفاً به، عندما كانت تعرض أفلامه ترفع حالة الطوارئ في المنزل، وكان يحفظ جميع أفلامه خاصة فيلم “سي عمر”، وعنده استعداد لسماعه أكثر من مرة، وعندما ظهرت أجهزة الفيديو قام بشراء جميع أفلامه للاحتفاظ بها.

21– للأسف لا يوجد توثيق لمن قام بأداء شخصيات “الليلة الكبيرة”، لكني أتذكر منهم: شفيق جلال، وصلاح جاهين، وحورية حسن، وسعاد مكاوي، وعصمت عبد العليم، وشافية أحمد، والأخيرة كانت الصوت الذي غنى “جوز الخيل والعربية… ويا ولاد الحلال”.

22– مجمل ألحانه الموثقة وفقاً لجمعية الملحنين حوالي ١٥٠٠-١٧٠٠، وللأسف بُلْغت في مرحلة ما أنه قد تم مسح أشرطة أعمال والدي من الإذاعة المصرية، إن كان هذا الكلام صحيحًا هذا يعني أن جزء كبير من إنتاجه قد أُهدِر، أما تسجيلات الجلسات الخاصة بالأصدقاء والملحنين فهي عندي وقمت بتحويلها من شرائط إلى وسائط رقمية، وأفكر حالياً في إنشاء website أو قناة على SoundCloud لأعماله.

23– الذي يؤخر صدور كتابي عنه “حكايتنا احنا الاتنين”، أنني أتعب كثيراً في كل مرة أكتب جزءًا عن ذكرياتي معه، فأتوقف عن الكتابة لفترة، ثم أعود إليها مرة أخرى.

24– لا أرحب بتحويل قصة حياة والدي لعمل درامي بالرغم من أنها ملهمة خاصة في بداياته، ربما يكون هذا تحيزاً مني لكن من أدى شخصيته مثلاً في مسلسل “أم كلثوم” لم أحبه أبداً لأنه لم يتحرك مثله ولم بيتكلم بطريقته ولم يقترب حتى من شخصيته.

25– أختي إيناس تحتفظ بطبلة المسحراتي التي كان يصّور بها الحلقات وبخلاف أعواده كان “غاوي” ساعات ولديه حوالي٤ ساعات “كاتينة” منها واحدة مخصصة لفاقدي البصر، بالإضافة لسِبَحِه وولاعاته وأقلام كان يحب أن يضعها في جيبه، وأرشيف ورقي كبير، لكل ما كُتب عنه طوال حياته وحتى وفاته، بالإضافة إلى ٥ بورتريهات، بريشة كلٍ من جورج بهجوري، وصلاح جاهين، بملامح كاريكاتيرية، ورسمتين لسيف وانلي والأخيرة لجمال كامل ومرسوم بالرصاص وجميعها معلقة على جدران منزلنا.

26– من أبرز المغالطات التي قيلت عنه عندما قدّمت إحدى المغنيات نفسها له على أنها لبنانية وتريده أن يلحن لها إلاّ أنه أُكتشف بعد ذلك أنها تنتمي لجنسية أخرى عليها علامات استفهام، وقتها هوجم بشدة وشعر بأذى نفسي وكان عليه أن يبرر نفسه قائلاً: “أنا هعرف منين”.

27– كان يحب الاستماع للموسيقى العالمية والسيمفونيات الغربية، والملفت بل والغريب حبه لفريق “آبا” الغنائي، وكان يرى مايكل جاكسون كفنان يطور نفسه دائماً، وأنه سيكون السبب في القفز بالأغنية الغربية لمنطقة أعلى، وعندما كنا نترجم له كلمات أغاني جاكسون كان يعلق قائلاً: “الولد ده بيقول كلام مهم”.

28– حصل على وسام الدولة من الطبقة الأولى من جمال عبد الناصر، وآخر من السادات، وحصل أيضاً على أعلى وسام في تونس وكُرّم من إحدى الجامعات الأمريكية.

29– كان حنوناً جداً، حرص دائماً على حضور حفلاتي المدرسية، وأذكر وأنا في مرحلة الثانوي أن أخذت إحدى نوتاته الموسيقية للتدريب عليها مع المدرسة وعزفها أثناء حضوره إحدى حفلاتنا، وفوجئ باللحن نعزفه، فلم يعلق بل أشاد بي أمام الجميع، ومع كل من حادثه هاتفياً، لكنه جلس معي بعد ذلك وبدون انفعال وجهني أن ما فعلته وأخذي للحن دون استئذان هو صفة لا يحب أن تلتصق بي.

30– كان خفيف الظل وله العديد من القفشات، عندما تقطع الكهرباء تبدأ لحظات “القلش” مثل: “ما تمشوش استنوا أنا هاجي اسحبكوا في الشقة”، “انتوا مش عارفين رايحين فين.. أنا دلوقتي الوحيد اللي مفتح وسطيكم”.

31– في إحدى لقاءاته التلفزيونية مع طارق حبيب كان بعد الإجابة يسرح وعندما لفتنا نظره لذلك كان رده: “أنا عايز أتكلم عن نفسي لإني لما أموت ما حدش هيأرخ لي، أنا بأرخ لنفسي علشان مايتقلش عني حاجة مش صحيحة”.