ماهر منصور يكتب: "وردة شامية" .. الأصل المصري والإبداع السوري

يبدو المسلسل السوري “وردة شامية” نسخةً مقتبسةً من المسرحية  المصرية الشهيرة “ريا وسكينة”، وأبعد ما يكون عما قدمه المصريون من أعمال درامية في السينما والتلفزيون عن السفاحتين المصريتين اللتين ادينتا بقتل العديد من النساء في بداية العشرينات من القرن الفائت، وكان آخرها المسلسل الذي عرض في رمضان 2005، وجسدت بطولته الفناتان عبلة كامل وسمية الخشاب، رغم أن هذا المسلسل الأخير هو الدراما الأكثر التصاقا بالقصة الحقيقية للسفاحتين.

الحكاية السورية تنطلق من النسخة المسرحية “ريا وسكينة” نحو  حكاية مختلفة، إلا أنهما تتقاطعان  عند الدافع لارتكاب الشقيقتين جريمتهم الأولى، أي جبروت ذوي القربى وحرمان الأم (ريا/ شامية) من رضيعها، كما تتقاطعان عند سبب ارتكاب المزيد من جرائم القتل، أي الاستحواذ على الذهب، فضلاً عن أسلوب القتل ذاته، أي الخنق بعد استدراج الضحية إلى منزل القاتلتين، وتقديم المشروب المخدر له قبل خنقها ثم مواراة جسدها في قبو المنزل، كما يستعير المسلسل الملامح الرئيسة للسوق كما تعرفنا إليه في المسرحية في تأسيس ديكور سوق النساء فيه.

بالمقابل تم التغيير في رسم الشخصيات وفي حبكة المسلسل عما كانت عليه في المسرحية، إذ لا تكتف الاختان “وردة” و”شامية” بقتل النساء طمعاً بذهبهن، بل تدريا عمليات نصب واحتيال وابتزاز  لمن حولهما، كما لو أن الاختان اكتشفتا القوة الكامنة فيهما أثر  جريمة القتل الأولى التي ارتكبتاها بحق خالتهما، فاختارتا تصفية حساباتهما مع المجتمع والقصاص من كل من ظلمهما واستغل ضعفهما.

ومن حكاية الأختين والجرائم التي ترتكبانها، ستمتد خطوط فرعية في المسلسل، لا تسمح الرواية المسرحية ومحدودية المكان والشخصيات فيها بوجودها.

ورغم أن الشقيقتين في المسرحية والمسلسل تنتميان إلى المرجعيات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية ذاتها إلا أنهما في المسلسل تبديان شراً مطلقاً في أفعالهما، وتظهران ذكاء في التلاعب بضحاياهما على نحو لا ينسجم مع تلك المرجعيات ، بل ويفعل المسلسل ذلك على حساب تقزيم ذكاء الآخرين حولهما.

المكان الجديد (البيئة الشامية) في المسلسل واختلافه عن البيئة المصرية في المسرحية، يملي بدوره شروطه الخاصة على  حبكة الحكاية ومسار أحداثها وطبيعة العلاقات التي تحكم أبطالها، لكنه كما حال المكان في الوسيط المسرحي، لا يحمل أي ملامح مميزة، إلا تلك التي يحتاجها ليؤدي الوظيفة الدرامية المطلوبة منه.

ونتيجة للانتقال بالحكاية من المسرح إلى التلفزيون، يقوم المسلسل بالتحرر من أسر المشاهد الداخلية لأصل حكايته في المسرحية(بيت رية وسكينة، السوق، مخفر الشرطة)، إلى عملية تنويع بين مواقع داخلية ومواقع خارجية، فتقوم الاختان بقتل واحدة من ضحاياهما في حمام السوق، كما يقوم الرجال التابعون لهما بنقل الجثث إلى خارج البيت، فضلاً عن الأماكن التي تمليها امتداد الخطوط الفرعية من بيوت وأسواق ومشاهد خارجية …وبكل الحالات يبقى المكان في المسلسل، كما المسرحية، فراغاً يحتضن الحدث، من دون أن يكون بطلاً إضافياً في الحكاية أو يضيف إليها شيئاً.

الصورة بالمجمل تشي اننا أمام عملية اقتباس ناجح لمسلسل تلفزيوني من أصل مسرحي، فثمة معادل درامي جديد للأصل، و تفكيك كامل لتيمة الحكاية والعاطفة فيها وإعادة بنائها من خلال  الوسيط الجديد البصري مع إعادة خلق شبه كاملة للطابع والشخصية والحبكة.

نجاح عملية الاقتباس تلك، يؤكده انعتاق المشاهد، بشكل لا إرادي، من أسر المقارنة بين العملين، التي عادة ما نشهدها عند اقتباس الدراما السينمائية والتلفزيونية من أصول كلاسيكية شهيرة سواء الأدبية منها أو المسرحية….ساعده في ذلك الطرح التراجيدي للحكاية في المسلسل السوري، مقابل معالجة كوميدية غنائية في المسرحية.

كما لم نسمع أيضاً مقارنات بين أداء الفنانتين شكران مرتجى وسلافة معمار في المسلسل، وأداء الفنانتين شادية وسهير البابلي في المسرحية لشخصيتي الشقيقتين القاتلتين، فقد قدمت الفنانتان السوريتان مقترحاً درامياً جديداً على صعيد الأداء لشخصية القاتلتين، تجاوزتا بجدته جملة مقارنة متميزة للفنانتين المصريتين. فضلاً عن المقترح المختلف تماماً للشخصية عاصم الذي قدمها بتميز الفنان السوري سلوم حداد، مقارنة بشخصية “حسب الله” التي قدمها الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي.

تبقى نقطة واحدة تتعلق بعملية اقتباس “وردة شامية” من “ريا وسكينة”، هي اننا كنا نفضل أن يشار في تترات المسلسل إلى الأصل المسرحي الذي أخذت حكاية المسلسل منه، إذ لم تخلص عملية الاقتباس إلى عمل درامي جديد تماماً عن أصله المسرحي، حتى يمتلك  كاتبه شجاعة نسب صفة التأليف له وحده.