كريم الدجوي : لا تذبحوا محمد صبحي وجيله!

لا عزيزي القارئ، هذه المقالة لم تُكتب دفاعا عن محمد صبحي ورفاقه ضد موجة الهجوم الشرسة التي اختارت “وانتم عملتم لينا إيه؟” شعارا لها، بعد تصريح للفنان الكبير – ضمن ندوة – لام فيه الشباب ذوي الـ22 عاما “الزعلانين من مصر” لأنهم لم يقدموا لها ما يكفي حتى يكون لهم الحق في انتظار شىء منها.. عزيزي صبحي، في الواقع هؤلاء الشباب لم ينتظروا من مصر شىء، بل انتظروا منكم انتم، انتظروا أن تكون إلهاما وسندا عندما تُغلق الأبواب مرة أخرى في وجوههم.

 
كانت ردود الأفعال تجاه تصريح صبحي قاسية أحيانا، خارجة عن الأدب كثيرا، كتبت عشرات المقالات حادة كالسيف، ككشف حساب ينال منه ومن جيله ككل، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بنقاشات حامية وصلت للسباب والمعايرة بين جيل صبحي والجيل الذي يفترض ألا ينتظر شىء من بلاده. ربما كان رد الفعل مبالغ فيه، لكنه عكس حالة الإحباط والقهر التي يمر بها هذا الجيل. الإحباط من حاضره، من أحلامه التي مزقت بين العسكريين وتجار الدين، الإحباط من صبحي نفسه الذي علمنا أن نسخر من الديكتاتور، أن نكره الفساد والخضوع لماما أمريكا، المبادئ التي غلفها لنا في حلوى ساخرة لسنوات طويلة، قبل أن تتحول لمبادئ “سِك” خالية من أي غلاف جذاب يساعدنا على بلعها في وسط أوقات كانت شديدة الإحباط ربما مثل التي نعيشها الآن.

 
لم يكن صبحي وحده المقصود بتلك العبارات الغاضبة، بل جيله بأكمله، أبائنا وأمهاتنا الذين رقصوا وهم يدلون بأصواتهم في الانتخابات واستفتاء الدستور، ظنا منهم أنهم يكيدون الإخوان، دون أن يدركوا أنهم نالوا منا نحن! قصدت العبارات الغاضبة عدم قدرة كثيرين من أبناء هذا الجيل على تفهم ما نمر به، مدى انفتاحنا، ما هو سقف أحلامنا، لماذا لا نريد أن يكون رأس الدولة “بابا” فوق مستوى النقد، لماذا كنا نفضل الجوع على الاستقرار، ربما لأنهم لا يدركوا أننا لم نشعر أبدا أن لنا مستقبل وسط استقرارهم المزعوم.

 
حالة من الفوران بين أوساط الشباب تسبب فيها التصريح، ربما ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فكم من صديق لي وقعت عليهم صور منير مع توفيق عكاشة وأحمد موسى ومصطفى بكري وتحيته لعبد الرحيم علي، كمن شاهد صور أخته البريئة الطاهرة في وضع مخل في فيلم “بورن”! لم أصدق ردود أفعالهم، كم كانت الصدمة التي تعرضوا لها موجعة بسبب تحطم الرمز الذي كانوا على استعداد أن يصدقوا أنهم خونة متأمرين على الوطن، قبل أن يصدقوا أن منير ليس مناضل ثوري لا يصادق سوى الأنبياء!

 
نفس الحالة أصابتني أنا شخصيا، خلال أحداث 30 يونيو، عندما طعنني الخال الأبنودي وانضم لطابور المطالبين للسيسي بالترشح وقيادة المرحلة. هل يعقل أن تخرج تلك الكلمات من فم أول من كتب الشعر ليناير؟ من وصفنا بـ”طلع الشباب البديع قلبوا خريفها ربيع”؟ من يصدق أن من قال “اقتلني.. قتلي ما هيعيد دولتك تاني، باكتب بدمي حياة تانية لأوطاني”، ونزلنا الميداين نواجه الرصاص بصدور مفتوحة وقلوب ممتلئة بأشعاره، قد يأتي اليوم ويهجي شباب الثورة ويصفهم بأبشع الأوصاف!

 
احباطات متعددة، وصفناها بسقطات، وبسقوط للأقنعة، زرعت شكوك بداخلنا تجاه كل ما شبينا عليه. كتاب وصحفيين ومطربين وشعراء وممثلين، كنا نضعهم فوق رؤسنا، نحفظ كلامهم عن ظهر قلب، نحتفظ بنسخ لأعمالهم ونصونها، فجأة اكتشفنا أننا لم نكن نعرفهم جيدا! لكن، عندما هدأت الأمور وتظهر الصورة أكثر وضوحا،وجدت أننا نحن من بالغ بوضعهم في منزلة المعصومين، بينما هم في حقيقة الأمر لا يختلفون كثيرا عن أبائنا، ليسوا أشرارا ولا يتلذذون بهزيمتنا، بل على العكس يحاول كثيرا منهم أن يجعل حياتنا أفضل لكن وفق لمفرداتهم هم، وفق لمعادلة يكون الخوف والأمن والمضمون هم أقوى العوامل التي تتحكم بها.

 
قد تكون هذه هي طريقة صبحي ليحاول أن يحصل على منصب ثقافي محترم – يرى أنه يستحقه – ليكلل به مشواره الذي أثرى خلاله الفن المصري بأعمال رائعة علمت في جبين أجيال. ربما رأى الأبنودي في السيسي ظل ناصر الذي نشأ وكبر وهو يردد شعاراته، ربما صدق منير المنعزل عن العالم ما يقدمه أحمد موسى وشلته من مؤامرات ساذجة، حتى ظن أنهم أبطال.

 
ليس من الإنصاف أن نعلق لهم المشانق، أن ننكل بهم، فالـ”تحفيل” والقوائم السوداء هي من أسوء العادات التي اكتسبناها منذ اندلاع الثورة ويجب التخلص منهم. كم هو سهل أن نلومهم، أن نكتب عنهم مقالات و”بوستات” قاسية لا تراعي أي شىء، أن نحملهم كل الأخطاء بداية من قتل الحسين ونهاية بفشل يناير في تحقيق أهدافها، لكن في النهاية، نحن نتعامل هنا مع بشر، أحببناهم لأعمالهم، ربما لدرجة أننا فقدنا القدرة على التفريق بين الفكرة العظيمة السامية، وبين من يقدمها، وهو شخص له أخطائه، لا يختلف عنا في شىء سوى أن ربنا وهبه الموهبة والتوفيق ليقدم لنا تلك الأعمال العظيمة، التي ستبقى وتعلم أجيال أخرى، بينما ستذهب تلك السقطات إلى بئر النسيان.

 
سيبقى من آرث هذا الجيل ما نحبه نحن فقط، ما نحمله في قلوبنا، سيبقى من صبحي “تخاريف” و”وجهة نظر” و”الهمجي” و”عائلة ونيس” (المواسم الأولى فقط)، وسيبقى من منير “حدوتة مصرية” و”اتكلمي” و”طفي النور”، وسيبقى من الأبنودي “عدى النهار” و”أحلف بسماها وبترابها” و”الميدان” … سيبقى منهم فقط ما أحبه جمهورهم وصدق فيه، حتى لو أرادوا عكس ذلك.

 
خلاصة القول، فلنرحم صبحي وجيل صبحي ولا نحملهم فوق طاقتهم. ولندعوا الله أن يجعل ممن يأتي بعدنا أكثر رحمة بنا وتفهم.

 للتواصل مع الكاتب من هنا

 

اقرأ أيضًا:

كريم الدجوي: إسلام بحيري.. عندما يخشى الفكر الإسلامي صباع كفتة!

كريم الدجوي :مديرة مسرح الهناجر.. ومسؤولي تجنب الشوشرة!

كريم الدجوي :الموبايل الصيني يهزم المليارات!

كريم الدجوي :كيف لا نكون الخاسر الأكبر؟

كريم الدجوي : عن الدي جي أحمد زوؤلة الذي لم تقتله الداخلية

كريم الدجوي: السبكي وفيفي ومحمد رمضان.. واللي مالهمش دية!

كريم الدجوي: بورما وتشارلي إبدو وعلي جمعة!

كريم الدجوي: معادلة إعلام ما بعد يناير

تابعونا عبر تويتر من هنا
تابعونا عبر الفيس بوك من هنا