محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. تقرير شهيدة التحرش!!

“إيمان كانت بت بميت راجل، صح هي ما كملتش 18 سنة بس دمها كان حامي، وشرفها أغلى من روحها، بتي يا بيه، اتقتلت علشان ما سمحتش للمجرم يدوس على كرامتها، ولا يجيب راس ابوها في الطين”
بجلباب صعيدي، وعمة محكمة، وعيون تقاوم الدموع، ولهجة صعيدية صعبة أفهمها جيدا بحكم النشأة تحدثت مع والد إيمان “شهيدة التحرش” كما كنا نسميها إعلاميا، كنت أنا المراسل التليفزيوني الوحيد الذي زار قرية عرب الكليبات بأسيوط، ووصل إلى أسرة الضحية بعد يوم واحد على مقتلها، وبقدر ما كان كلام أسرتها حزين ومشوق صحفيا، بقدر ما كان القلق يسيطر على عقلي، هذا القلق الذي يراودني دائما في كل مرة أواجه فيها هذه النوعية من التقارير التلفزيونية التي يضطر فيها المراسل إلى بناء التقرير بالكامل اعتمادا على جانب واحد للرواية، صحيح أنه جانب المجني عليه، لكن التجاهل الكامل لجانب الجاني يشعرني أنني أصنع تقرير أعرج، يسير على قدم واحدة.

نرشح لك: محمد حكيم يكتب: يوميات مراسل.. المرشح المشاغب بالانتخابات النيابية

بعد مجهود طويل من البحث، نجحت في الوصل إلى “سحر”، صديقة الضحية والشاهدة الوحيدة على واقعة القتل، وفي قرية كعرب الكليبات، تجتمع في عقول أهلها العادات الصعيدية مع عصبية العرب، يعرف مراسل قديم مثلي معنى أن تحاول إقناع فتاة في عمر الزواج بالظهور في تقرير تلفزيوني، والمساعدة في تمثيل الجريمة، لكن أنقاذ التقرير من العرج كان يستحق المحاولة.

“على ظهر الحمار وضعت إيمان شيكارة الأسمنت، وركبت وراها، زي ما أنا راكبة الحمار كده بالظبط، وانا مشيت جنبها على رجليا، إيمان كانت ماشية بالحمار بالراحة، بنفس السرعة دي علشان أنا وهي كنا بنحكي، لحد ما وصلنا الشارع ده”.
توقفت سحر عن الكلام لتلتقط انفاسها، وتمسح دمعة كانت قد تجمعت في عينها، أما أنا فألقيت نظرة على المشهد، فتاة نحيلة على ظهر حمار أمامها شيكارة أسمنت، ترتدي جلبابا واسعا وطرحة على رأسها، مشهد لا يمكن أن يحرك في نفسك إلا شعور الشفقة على هذه الفتاة الشقيانة، فكيف تابعه “رمضان شونة” الشاب الصعيدي الشقي الذي عرف في القرية بالبلطجة واحتراف الأعمال الخارجة كتجارة المخدرات والسلاح

سحر أكملت تمثيل المشهد “إيمان كانت فوق الحمار زي كده، ورمضان كان جاي من الناحية التانية للشارع راكب الموتوسيكل، وأول ما قرب مننا هدى خالص، ولما جه جنب إيمان، مد إيده ومسكها من صدرها، إيمان زقت إيده، وبصقت عليه، وقالتله لو ما لميتش إيدك حقطعهالك عشان تبقى عاجز إيد ورجل، ما هو أصل رمضان ده رجله عاجزة. زعيق إيمان وكلامها خلى رمضان لم إيده خالص، بس بدل ما يمشي نزل البندقية الآلي من على كتفه ووجهها ناحية إيمان، أنا قلت حيهددها وخلاص. بس لاقيته ضرب فعلا، ضرب طلقة، ولاقيت إيمان وقعت من على الحمار، نزلت على الأرض وفي دقيقة الأرض كلها بقت دم، وإيمان سكتت خالص ما حطتش منطق”. انهت سحر كلامها وأجهشت بالبكاء…

روايتها للحادث ربما كانت أقل درامية من رواية أسرة شهيدة التحرش لكنها بالتأكيد كانت أكثر حيادية وجعلتي أعود بتقرير صحيح القدمين، وليس أعرج وربما كانت معالجة التقرير وفق هذا المعيار المهني هو الذي جعل المتهم رمضان شونة يقبل أن أكون المراسل الوحيد الذي يجري معه حوارا بعدما ألقت الجهات الأمنية القبض عليه، ويقول لي أنه واثق أنني سأنقل كلامه بحياد