ستيفن هوكينج.. الذي لم يطمس الإلحاد إنسانيته

كيرلس عبد الملاك

هاج المتشددون وماجوا على وسائل التواصل الاجتماعي بعد انتشار خبر وفاة العالم الفيزيائي البريطاني الشهير ستيفن هوكينج لا لشئ إلا لأنه ملحد، فهو كما يتصور هؤلاء ذاك الشيطان الذي سوف ينتقم منه الله شر انتقام لأنه أنكر وجوده، حمدا لله أنه جل جلاله ليس بهذه القسوة والكراهية التي يتخيلها هؤلاء.

نرشح لك: إسلام وهبان يكتب: ستيفن هوكينج لم يمت!!

نعم، الله، بحسب الأديان الإبراهيمية، لن يسمح للملحدين بأن يروا الآخرة الصالحة لكن هذا ليس معناه أنه يكرههم أو يبغضهم، بل إنه تبارك اسمه يشفق عليهم في توجيه دعوته لهم للإيمان به وفي ذلك هو يحترم خصوصيتهم واختيارهم وإلا فلماذا يتركهم على الأرض دون أن يهلكهم إذا كان يحمل لهم هذه الكراهية الضخمة التي يحملها المتشددون تجاههم؟!

إذا تصورنا أحد المتدينين المتطرفين قد تقابل مع ملحدا من المحتمل أن يقتله أو يتعدى عليه على أقل تقدير، وهذا ما لم ولن يفعله الله تجاهه برغم قدرته على ذلك لأنه مانح الحياة، وصانع الخير لجميع البشر بمختلف توجهاتهم وأديانهم، وهذا يثبت أن الكراهية غائبة عن علاقة الله بالإنسان بعكس ما يعتقد ويروج المتطرفون.

ستيفن هوكينج ضمن الملحدين وبحسب إلحاده لن يرى الحياة الأبدية السعيدة مع الله وهذا ما اختاره بإرادته البشرية الخالصة، لكن هذا لا ينفي مجهوداته العلمية التي أفاد بها البشرية جمعاء بما تحويه من ملحدين ومتدينين على حد سواء، فإذا كان قد أخفق في تسليم قلبه لله والتواصل الروحي معه فقد نجح من جهة أخرى في إحراز نجاحات علمية في مجاله الفيزيائي لذا فمجهوده وإنجازه العلمي يستحق التحية والإشادة من البشر جميعهم ولو تأسف المتدينون منهم بسبب تعاسة آخرته.

أكبر إنجاز حققه ستيفن هوكينج في نظري هو أنه استطاع أن يتغلب على مرضه العضال المزمن، وهو مرض التصلب الجانبي الضموري الذي أصابه وهو في الحادية والعشرين من عمره ومكث معه حتى وفاته في السادسة والسبعين أي رافقه لمدة خمسين عاما وهو لم يخور أمامه بل استغل تيبس جسده وشلل حركته التام في التفرغ العلمي والوصول إلى نظرياته العميقة المؤثرة.

هناك صعوبة بالغة لدى الكثيرين في الفصل بين الإنسان وتوجهاته الدينية، على الرغم من أن التدين وحده لا يكفي للوصول إلى الآخرة الصالحة، فالتصنيف الديني الذي يتبعه تصنيفا آخرويا في حاجة ماسة إلى إعادة التأمل والمراجعة لأن الإنسان لا يستطيع أن يضمن آخرته لمجرد تدينه بالدين الذي يراه صحيحا بل ينبغي أن تقترن حياته بصالح الأقوال والأعمال حتى يربح الآخرة الصالحة، واستخلاصا من هذا لا يصح أن يدور المتدينون على الموتى يوزعون عليهم الأحكام الأخروية وكأن الله قد نصبهم وكلاء عنه ليدينوا البشر على أعمالهم وأفكارهم ويضعونهم في جنة أو نار.

لا شك في أن ستيفن هوكينج، الملحد، بأعماله العلمية المفيدة للإنسانية يُعد أفضل بما لا يقاس من متدينين كثيرين قدسوا سفك الدماء للوصول إلى تطبيق رؤية مشوهة للدين جعلت منهم كائنات أكثر شراسة وافتراسا من الحيوان، لذا فمن غير المنطقي أن يوجه المتدينون سهام كراهيتهم له في موته برغم خدماته الإنسانية بينما يوجهون مديحهم للمتطرفين من المنتسبين لدينهم برغم أعمالهم الإجرامية.

سوف يبقى ستيفن هوكينج باقيا بإنجازاته العلمية في سجل التاريخ البشري ولو لم يربح الآخرة الصالحة، وسوف يذهب المتشددون مع رياح الزمن إلى غير رجعة.