حوش عيسى.. بين كتابة التاريخ وقراءته

حسين عثمان

جرى العرف والمنطق أن نتفاعل مع برامج التليفزيون مع بداية عرضها، ولكن اختلف الأمر معي بمجرد مشاهدة البرومو الدعائي لبرنامج (حوش عيسى)، والمنتظر أن يقدمه خلال الأيام القليلة القادمة الكاتب الصحفي الكبير إبراهيم عيسى على شاشة فضائية ON E، ولعل مضمون البرنامج المتمثل في قراءة التاريخ، هو ما دفعني بحماس لسبق الترحيب به قبل أن تبدأ حلقاته، فقراءة التاريخ على أهميتها، لم تأخذ بعد حقها معنا، وكلنا في هذا مقصرون، وإن اتفقنا على أن التاريخ هو المدخل الآمن لوعي مواجهة الحاضر وإمكانية رؤية المستقبل، ومن هنا فإن كل محاولة جديدة تأخذ بأيدينا في هذا الاتجاه، تستحق منا كل الترحيب والاهتمام.

نرشح لك: تفاصيل 13 ساعة لتغطية لقاء القمة على ON Sport

وحوش عيسى هي إحدى مراكز محافظة البحيرة، ولها تاريخ في مقاومة المماليك تحت قيادة “عون الطيار” المدفون هناك، وقد سمي مركز حوش عيسى بهذا الاسم نسبة إلى الشريف حوش بن عيسى المكنى “أبو الماجد”، ويمتد نسبه إلى الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، اسم البرنامج إذاً يتصل بالتاريخ كما يتصل باسم إبراهيم عيسى، وهو ما أتوقع معه أن تلقي قراءة عيسى للتاريخ الأضواء على الحاضر المتشابك التأويل والتفسيرات، والمشدود إلى هواجس الماضي بقوة تعوق مواكبة تحدياته الآنية والمستقبلية، ومن يعرف إبراهيم عيسى، يدرك أن السياسة حتماً ستكون حاضرة في برنامجه، حتى وإن كنا نقرأ التاريخ.

والمتلقي مطالب بالوعي في محاكاة التاريخ، وعليه أن يدرك أول ما يدرك، الفروق بين كتابة التاريخ والبحث فيه وقراءته، فالمؤرخ لا يفعل معك سوى أن يضع الأحداث أمامك بتواريخها وملابساتها وأجوائها وشخوصها، وذلك دون أي تدخل من أي نوع، لا برأي ولا برؤية، والباحث في التاريخ هو من يحاول مقاربة الحقائق من خلال عدة مصادر تاريخية، ولا ينتهج في هذا إلا منهج البحث العلمي، سعياً وراء نتائج لا يأخذه إليها إلا سياق بحثه، أما قارىء التاريخ، فهو من يطلع على كل هذا بقراءة منطقية مجردة، لاستخلاص رؤى يحفظ بها هويته من ناحية، وتعينه على قراءة حاضره ومستقبله من ناحية أخرى.

مثل هذه البرامج الإعلامية، القائمة على مخاطبة وعي المشاهد، نحتاج إلى جرعات زائدة منها، فإذا كنا نتحدث عن تطوير التعليم كمدخل لتجديد الشخصية المصرية، وإعادة صياغة العقل المصري، فإن سكة تطوير التعليم تطول، ونتائج هذا التطوير تأخذ وقتها بطبيعة الحال حتى تؤتي ثمارها، ومن هنا تأتي أهمية دور الإعلام الهادف البناء، بما يمكن أن يقوم به على وجه السرعة من مخاطبة الوعي الجمعي، نحو التحرر من قيود آسرة توارثتها أجيال وراء أجيال، ولم تجنِ في ظلها إلا فارق توقيت يحسب بالقرون في سباق الأمم المتقدمة، ولا أفرق هنا بين وسائل إعلام خاصة وقومية، فرسالة الإعلام دائماً واحدة، مهما اختلفت اقتصادياته.

مطلع العام الجديد يملؤنا كالمعتاد بحماس البدايات، وكل منا يملك فرص تجديد حياته في كل مرحلة من مراحل عمره، ولا يعوقنا في هذا إلا القوالب النمطية، والقيود التي نضعها بأيدينا على العقول قبل الأرواح، فبادر بالحفاظ على ما تبقى من عمرك، جدد حياتك، وتفاعل في هذا مع كل مناسبة تستشعر ولو من بعيد، أنها تأخذ بأيديك نحو أفق رحب لم تشهده من قبل، ولا تمنح كل الترحيب كمتلقٍ، إلا لمن يخاطب عقلك ووجدانك، ولا يتركك إلا وأنت تفكر، فدور المبدع ليس إلا مخاطبة العقل والوجدان، لا تستسلم لأشخاص أو أفكار، فقط تفاعل مع الجميع، ولا تكن في النهاية إلا أنت.

علم الإدارة

للتواصل مع الكاتب من هنـــا