طاهر عبد الرحمن يكتب: قضية خالد منتصر الخاسرة

هذه القصة حدثت بالفعل، ففي بدايات التجربة البرلمانية في مصر قرر الأستاذ أحمد لطفي السيد، المعلم الثاني ومدير الجامعة المصرية، أن يترشح في الانتخابات عن دائرة الدقهلية، ولما كان نجاحه مضمونا بحكم شهرته ودوره في الحياة الثقافية والسياسية، لم يجد منافسه -وهو عمدة إحدى القرى- سبيلا سوى استغلال جهل معظم أهل الدائرة بالمصطلحات الفكرية والسياسية وأشاع أن لطفي السيد “ديمقراطي”، مايعني أنه كافر، ترك الإسلام وإعتنق الديمقراطية، وأن مفهوم “العلمانية” يعني أن “تنام زوجتك مع رجل آخر”!!

الطريف في القصة أن أهل تلك الدائرة تجمعوا في مؤتمر انتخابي للأستاذ لطفي السيد وسألوه: “هل أنت ديمقراطي؟، فأجاب الرجل بحسن نية: “نعم”.. فخسر الانتخابات.

هذه القصة، رغم طرافتها أو مأساويتها، لاتزال للأسف معبرة وبشكل واقعي على حال معظم المثقفين والتنويريين، رغم الاختلاف الكبير والتطورات الهائلة التي لحقت بالمجتمع المصري منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى بدايات العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، فحالهم هو حال الأستاذ “لطفى السيد” وربما أسوأ، ففي عصر الفضائيات والسوشيال ميديا أصبح من السهل اتهامهم ودمغهم بالكفر لمجرد أنهم حاولوا تقديم رؤية جديدة أو مختلفة لمعتقدات وأفكار وتقاليد المحتمع.

لا أتكلم هنا تحديدا عن موقف المشايخ أو الدعاة، أو الرافضين لكل دعوات التجديد والتطوير، فهؤلاء بشكل أو بأخر لهم حجتهم التي يمكن تفهمها وهي الحفاظ على ثوابت الدين وأصول الشرع وتقاليد المجتمع، بل أتحدث عن رد فعل الناس العاديين، والذين لا يزالون أسرى لفهم مغلوط أو تبسيطي مخل تجاه مصطلحات فكرية وسياسية، وذلك على الرغم من أننا نعيش عصر يشهد ثورة -وسهولة- في المعلومات وفى الوصول إليها.

ولو إخترنا عينة عشوائية من المصريين وسألناهم عن معنى “العلمانية” مثلا فلن تختلف ردودهم عن موقف أهالي دائرة الدقهلية قديما والتي اعتبروها -مع الديمقراطية- مرادفا للكفر، أو دينا بديلا عن الإسلام!

ولعل حال الدكتور خالد منتصر في الوقت الراهن وموقف الناس من كتاباته ومواقفه خير دليل على ذلك، فالرجل منذ سنوات طويلة غارق مستغرق في معارك لا أول لها ولا أخر، وطول الوقت تحوطه ظلال الشك في دينه، رغم أنه لا يدعو لشيء سوى مواجهة المفاهيم المغلوطة والبالية لقيم ومعتقدات وتقاليد ليست من صحيح الدين في شيء.

وبالطبع فهناك من سيقول: “ومن هو خالد منتصر أو غيره الذين يحق لهم التصدي لتلك المهمة؟ أو ما هي مؤهلاته أو مؤهلاتهم العلمية لتلك المهمة؟”، فإن الرد على ذلك بسيط، فهذه هي مهمتهم كمثقفين، ودورهم في المجمتع وفي الخدمة العامة، وإلا فلنمحوا كل جهود مثقفي مصر والعالم ولنكتفي بأمثال ذلك “العمدة” الذي استغل جهل ناخبي دائرته ليفوز بأصواتهم ويمثلهم في مجلس الأمة، بديلا عن “المعلم الثاني” ومدير الجامعة المصرية..