محمود سعد.. نجومية بدون فذلكة

 

هبة محمد علي

هبة محمد على
من الصعب أن تحافظ كمقدم برنامج توك شو يومي على اتزانك وسط هذا الكم الكبير من البرامج التي تبثها الفضائيات كل ليلة، فالمنافسة شرسة، والتفكير في إرضاء المعلن والسلطة يأتي أحيانا قبل التفكير في إرضاء المشاهد، والرغبة في البقاء لأطول فترة على الشاشة، تجعل من البعض على أتم استعداد أن يرقص الاستبرتيز على الهواء فقط ليظل على قيد الحياة، حتى وهو يعلم أن لا أحدا يشاهده.
 
وأصبح من الطبيعي أن يلهث عدد لابأس به من مقدمي تلك البرامج وراء كل ما هو تافه وعديم للفائدة، بل أصبح بعضهم يسخر حلقاته كل مساء لمناقشة ما شغل (الرأي العام الفيسبوكي) طيلة النهار، لتصبح تلك الأخبار بطلا رئيسيًا في حلقاته يلوك فيها بالساعات، كما أصبح الاتجاه أحاديًا طوال الوقت، نسخ مكررة، وكلام محفوظ ومعروف من قبل أن يقال، وبرامج مصروف عليها بالملايين، لكنها بلا طعم ولا لون ولا رائحة، كل هذا حدث في عامين هما الأصعب في عمر الإعلام بشكل عام لاسيما في الفترة التي تلت ثورة يناير، حيث بات ينظر لبرامج التوك شو على أنها محرك رئيسي للأحداث، فكان المنع تارة، وتقليم الأظافر تارة أخرى، ليبدو المشهد عبثيا ومملا، تماما كعروض الـ One man show عندما يتصدى لها شخص موهوم، لا يجيد التمثيل، ولا يمتلك القدرة على اجتذاب آذان الناس، وعقولهم، فيضطر معها إلى قص شعره المستعار، أو إطلاق زغروطة على الهواء، كما فعلت إحداهن، أو إلى أداء مشهد تمثيلي غاية في الركاكة، بشم سكر بودرة كأنه هروين كما فعلت الأخرى.
 
أما المزايدات فلم يعد لها سقفا مرئيا، فإذا طرد مقدم برنامج ضيفه بشكل مهين على الهواء ذات ليلة وسط ذهول من مشاهدي البرنامج، فسرعان ما سيزول هذا الذهول في الليلة التي تليها بعد أن يطالب آخر الشباب بأن يتحرشوا بالفتيات اللاتي يرتدين البنطلون المقطع، معتبرا ذلك واجبًا وطنيًا!!
ووسط كل تلك الظروف يعلن محمود سعد عودته مرة أخرى عبر شاشة النهار ببرنامج جديد اسمه (باب الخلق) فمنها رحل، وإليها يعود لجمهور اشتاق لرؤية أي محاولة للتغريد خارج السرب، وهو ما يفسر الترحيب الشديد الذى صاحب الخبر، من معارضي سعد والمختلفين مع رؤيته الإعلامية قبل المؤيدين.
 
والحقيقة أن ظهور سعد على الشاشة مرة أخرى، يخلق لدى قطاع كبير من المشاهدين حنينا لزمن كانوا يؤمنون فيه بأن التوك شو هو رسولهم إلى السلطة، دون خوف من استغلال قضاياهم أو تسيسها، فلا يمكن نسيان مشهد الواقفين على أبواب ماسبيرو، المنتظرين وصول سعد إلى المبنى ليسلموه شكواهم، ليناقشها فى برنامجه (البيت بيتك)، ويقوم بإيصالها للمسؤول لحلها دون الحاجة إلى عرض دموع الشاكي أو امتهان آدميته.
 
الشعور بالقرب والألفة تجاه محمود سعد ليس سببه فقط إحساس الناس أنه يفهم معنى أوجاعهم والآمهم وينقلها دون أن يتاجر بها، بل تأتى أيضا بسبب حديثه دون فذلكة، أو ادعاء ثقافة، أو اصطناع عمق مزيف، فكلامه في الدين كان لابد أن تتبعه جملة (أنا بنصح نفسى معاكم) وكلامه في السياسة كان يصل إلى القلوب حتى لو خالف التيار، وانفعاله على مسؤول متقاعس كان نابع من رغبة حقيقية في تحقيق الدور الرقابي للإعلام، لا لتحقيق أعلى نسب مشاهدة على اليوتيوب، فمحبيه يعلمون تماما أنه حتى لو لم يتمكن من قول الحقيقة كاملة لهم فإنه لن يكذب عليهم قط، أما منتقديه فلم يسخر للرد عليهم ولو دقيقة واحدة من عمر برامجه، وأظنه لن يفعل، فأهلا بعودة محمود سعد ليغرد منفردًا في باب الخلق.