أم كلثوم تكشف لـ"هيكل" عما قالته أمام الروضة الشريفة

أحمد شعبان

بمثل ما كتب عن السياسة وعوالمها وكشف خبايا كثير من الأحداث التي كان قريبًا من صانعيها؛ كان للراحل الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابات وتأملات عدة في الأدب والفن والثقافة والحياة، فـ “نصف الذي أكتبه أدب” بحسب ما قال هيكل للكاتب الصحفي عبد الله السناوي.

في العدد الأخير من صحيفة “أخبار الأدب”، احتفالا بذكرى ميلاد “هيكل”، أعد مدير تحريرها الكاتب الصحفي محمد شعير، ملفًا عنه، تضمن بعضًا من “يوميات أخبار اليوم” التي كتبها الراحل الكبير في الفترة من عام 1955،حتى عام 1957، والتي حملت أفكارًا ورؤى في الفن والثقافة والخطاب الديني، والسياسة أيضًا، وجاء اختيار النماذج المنشورة كونها مناسبة وصالحة لـ”اللحظة الحالية بكل اشتباكاتها والتباساتها”.

ذكر “شعير” أن هيكل بدأ كاتبًا للقصة القصيرة، حيث نشر بعضًا من قصصه في “آخر ساعة”، و”روزاليوسف”، لكنه لم يستمر طويلًا، حتى “يخاطب جمهورًا أوسع، لكنه احتفظ بصفة السارد في كتاباته الصحفية”، ويستشهد هنا بوصف عبد الله السناوي عن “هيكل” في كتابه الجديد “أحاديث برقاش”، بأنه “روائي كامن وشاعر مقموع”، يستلهم الفن في روحه والرواية في دراميتها والتاريخ في أدواته حتى يضفي على الرواية الصحفية جمالًا وحيوية ودقة.

زيارة لمكتبة طه حسين

ومما جاء في اليوميات زيارة “هيكل” لمكتبة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والتي وصفها بـ”صومعة عقل”، وكان في المكتبة أيضًا “ضيفان اثنان من الآباء الدومنيكان يبحثان عن المعرفة.. وكان موضوع المناقشة هو الحب في الدين الإسلامي والحب في الدين المسيحي..”، واستمر النقاش وينقل هيكل عن طه حسين قوله في موضع آخر “اختلاف العقائد إلى درجة التعصب في رأيي من صنع رجال الدين.. في كل دين.. له هدف واحد.. أن يكون وسيلة رزق لهم”. واستمر الحديث عن محاكمة الأزهر للأراء ومشايخ الدين الذين يطرحون أمورًا مغايرة وما يتعرضون له.

حوار مع “الحكيم” عن اختلاف الأجيال

ومن عميد الأدب العربي إلى “أديب مصر الكبير ومفكرها الأشهر” توفيق الحكيم؛ حيث دار بينه وبين هيكل حوارًا في إحدى جلساتهما عن الأبوة وماذا يفعلان مع أبناءهما من الجيل الجديد الذي تحيط به مظاهر المدنية والعلم الحديث كالراديو والسينما، وما تتيحه من أدوات ووسائل للتفكير لم تكن ميسرة لجيلهما، وبعد انتهاء الحديث الذي أشار فيه “الحكيم” لمواقف عدة بينه وبين أبنائه، تبرز الاختلاف في طريقة التفكير والتعاطي مع الأمور، يقول هيكل “تركت توفيق الحكيم وأسرعت إلى أقرب مكتبة أبحث عن كتاب أستعين به على مواجهة مخلوق الفضاء الغريب الذي هبط على دنياي –يقصد ابنه- والذي سيبدأ غدًا يواجهني بأفكار عصر متقدم متحرك يسبق الجيل الذي أنتمي إليه بمسافات شاسعة”.

القبض على “الشيخ الفيل”

وفي يوميات أخرى، يتحدث هيكل عن وزير الخارجية محمود فوزي، وحوار جمعهما، ويروي كيف كان الحوار “فلسفيًا” تحدث فيه “فوزي” عن أفكار ورؤى مختلفة ومعقدة، وتطرق إلى أهمية الحاجة لأن يكون لدينا “مصنع رجال لكي نواصل سيرنا مثل نهر النيل ولا نكون كأنهار الصحراء الطائشة”. كما تحدث هيكل عن “الشيخ الفيل” قاضي المحكمة الشرعية في الإسكندرية، وسجنه بعد أن قبضت النيابة عليه، وانتقد كيف كان يقوم ذلك القاضي بأفعال تخالف الأخلاق والفضيلة والدين، بالرغم من أنه من المفترض أن يتصدى لمن يفعل ذلك، فضلًا عن الأحكام العجيبة وغير العادلة التي كانت تصدر منه، واعتبارها قانون واجب النفاذ.

دعهم في حالهم

وتحت عنوان “دعهم في حالهم” كتب هيكل: “إن السيارة هي المكان الوحيد الذي أتابع فيه بانتظام برنامج الإذاعة.. مددت يدي إلى مفتاح الراديو وكان البرنامج الذي بدأ ينساب من الراديو هو الاحتفال برؤية هلال رمضان، وسمعت صوت المذيع يقدم فضيلة الأستاذ الشيخ حسن مأمون مفتي الديار المصرية.. وأصغيت .. وظللت أصغى.. خمس دقائق.. وعشر دقائق.. وخمسة عشر دقيقة.. إن مفتي الديار المصرية لم يقل في حديثه الطويل إلا نفس المعاني القديمة والقوالب المرصوصة.. “، يكمل: “سألت نفسي لماذا لا تتحول مساجدنا من تكايا للعاطلين إلى مدارس للوطنية، وقمعت خواطري ثم قلت لنفسي: هش.. مالك ومال المشايخ، دعهم في حالهم وإلا أثاروا العالم عليك وقلبوا الدنيا فوق رأسك”.

فاتن حمامة.. روح السينما المصرية

وكتب “هيكل” في يومياته بـ”أخبار اليوم” في 11 فبراير 1956، عن فيلم “صراع في الميناء”، الذي اعتبره “قطعة من صميم الحياة.. قطعة فيها فكرة ولها روح.. ووراءها هدف”، متحدثًا عن “أهمية دعم الدولة لصناعة السينما حتى لا تضمحل”.

“لست من هواة الأفلام.. ولا أنا ناقد سينمائي، وإنما أحسست بروح جديدة وأنا أشاهد فيلمًا مصريًا لأول مرة منذ سنوات!”.. “ولقد رأيت فاتن حمامة بعد أن كبرت فإن آخر مرة رأيتها عندما ظهرت مع عبد الوهاب في فيلمه القديم: دموع الحب، منذ ما يقارب خمسة عشر عامًا”، هكذا كتب الراحل الكبير متحدثًا عن “الروح الجديدة في السينما المصرية”.

ماذا قالت أم كلثوم أمام الروضة الشريفة

في تقديمه للملف أشار محمد شعير إلى حوار له مع “هيكل”، كشف فيه عن “تكوينه الثقافي ومكتبته، وعلاقته بمثقفي عصره”، وتفاصيل نشر رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ على صفحات الأهرام، واستقطابه لعدد من نجوم العصر وقتها، للكتابة في الأهرام، وكيف جعل الأهرام “بؤرة للتنوير”، وحبه للموسيقى والفنون، وعلاقته بسيدة الغناء العربي أم كلثوم، التي استكتبها في الأهرام وكثيرًا ما كتبت افتتاحية الصحيفة الأعرق، وكيف تبادلا المواقع ذات يوم، حيث عملت أم كلثوم صحفية وحاورته حوارًا شهيرًا.

وفي يومياته، كتب هيكل: “قلت لأم كلثوم.. ماذا قلت وأنت واقفة أمام الروضة الشريفة، عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل همست في نجواك بإحدى أغنياتك العابدة الخاشعة التي تغنيها له وأنت في القاهرة؟.. قالت أم كلثوم ضاحكة: تذكرت أغنية واحدة، ولكن بعد أن خرجت.. قلت لها: أيها؟.. قالت أم كلثوم: الأغنية التي أقول فيها: ولما أشوفك يروح مني الكلام وأنساه!”.