محمد فتحي يكتب: قابلت عمرو دياب مرتين

الأولى كنت في أولى ثانوي، اصطحبت تامر ويسري والصفطي بوصفي العالم ببواطن الأمور وانتظرناه في مبنى الأهرام الجديد بشارع الجلاء بعد انتهائه من تلقي تليفونات المعجبين في مجلة الشباب أيام مجدها وقت كان رئيس تحريرها الاستاذ عبد الوهاب مطاوع، انتظرناه لنلتقط معه صورة بكاميرتي الكوداك السوداء الصغيرة التي انقرضت وأعلنت شركتها إفلاسها، فيما بقى عمرو دياب
 
وجدناه في طريقه لسيارته بصحبة محمد عبد الله أحد أشطر محرري الشباب ورئيس تحريرها فيما بعد، طلبنا منه التقاط الصورة وهو في السيارة، عدلت الكاميرا، استعددنا جميعا، ثم انطلقت السيارة في أقل من الثانية حارمة إيانا من الصورة، كنا نطارد عمرو ويطاردنا، يغني قصص حبنا دون أن يعرفنا، ونغني ألحانه دون أن ندرك أننا نسطر تاريخ حياتنا العاطفية بصحبة جيل الثمانينات الذي أصبح عمرو دياب عبد الحليمه!!
 
كنا ننتظر نزول (الشريط)، نسأل عنه (محرم) في شارع الأهرام بمصر الجديدة، ننتظره في شركة إنتاجه (صوت الدلتا) ثم (عالم الفن)، نشتري صوره من استديوهات التصوير في وسط البلد، نتسابق على شراء بوستراته من فرش الجرايد في رمسيس والتحرير والمنيل والفلكي، نتفنن في انتقاء أغنياته في شرائط الكوكتيل التي نسجلها لمزاجنا أو لمشروعات قصص حبنا أيهما أسعد!!
 
تمر الأيام ونكبر ويظل تلقينا لأغنيات عمرو دياب بنفس الشغف، ومتابعتنا لأخباره والشائعات حوله بنفس الاهتمام، يكتبون عن فيديو كليب لأغنية ورجعت من السفر التي كتبها د.مدحت العدل ولحنها ياسر عبد الرحمن وسيقوم ببطولته أحمد زكي ويسرا!! ننتظر ولا شيء يحدث لكننا نظل ننتظر حتى يومنا هذا، حتى بعد أن مات أحمد زكي ونحن لا نصدق بعد أنه مات وننتظر الكليب مثلما ننتظر تبديل أبوتريكة في المباراة القادمة للأهلي وإحرازه لهدف الفوز، مثلما ننتظر كشف سر أدهم صبري، مثلما ننتظر حبيبة تشبه أميرات الحواديت، مثلما ننتظر كنز علي بابا المختبئ وراء الباب الموصد الذي لا نريد أن نفتحه..
 
تمر الأيام وعمرو دياب مستمر، وأحضر لقاء بوصفي صحفيا أحاور فيه علي الحجار وسط زملاء وأصدقاء ونقاد منهم مصطفى عمار فيغني الحجار حبيبي ولا على باله، بينما يسألون عمرو نفسه في لقاء نادر عن الأغنية التي يرددها فيدندن صبري عليك طال لرجاء بلمليح..
 
تمر الأيام ونردد أسطورة أغاني عمرو دياب القديمة أحلى بينما لا نلتفت لأن زماننا هو الذي كان أجمل ونحن كنا أكثر براءة وأرواحنا لم تكن قد أصابتها عكارة الأيام ثم نضبط أنفسنا نغني الأغاني الجديدة بعد أن بتنا نكتبها ونسمعها عشرات المرات بعد نزول الألبوم..
 
تمر الأيام وأكتب عن عمرو دياب ويحدثني الصديق أحمد المسلماني ذات مرة ليلتقيني بصحبة الصديق معتز عبد الفتاح مع صديق لم يذكره يريد أن يعرفني عليه، فإذا بنا مع عمرو دياب شخصيا، وإذا له يناديني: أهلا يا دكتور!!
 
كان ذلك قبل عام تقريبا، ويومها لم أستطع أن أحكي لعمرو عن كل شيء، ظننت القصة مكررة وسمعها بنفس التفاصيل من آخرين واكتفيت بالسماع، وإذا بي أمام فنان مثقف لا يحب أي شئ في حياته أكثر من عمله والجيم، ولا ينشغل بالرد على ما يقال بقدر ما يرد عليه عمليا بمنتهى الذكاء ولا يرى نفسه رغم كل شيء في منافسة مع أحد أو خصومة مع زميل.
 
تحدث عن بورسعيد وعن والده وعن سفره وعن قراءاته الأخيرة وعن أولاده واهتماماتهم ولم يأت في الجلسة بسيرة فنان واحد..
 
لا أتحدث بالطبع عن ملاك ولا عن فنان مثالي لكني أصف لقائي الأطول به والذي امتد لنحو أربع ساعات تناولنا فيها العشاء سويا ثم بعد أن قال: تصبحوا على خير، تخليت عن كل وقاري المصنع لزوم القعدة والحاضرين ورجوته في صورة تعوضني عن أخرى لم ألتقطها قبلها بأكثر من عشرين عاما، صورة أحتضن فيها فقدا لا أستعيده وأستعيد فيها زمنا لا يرد، فابتسم وهو يقول: أنا آسف..
 
لأرد: خالصين