يوسف شاهين ورشدي أباظة.. جمعتهما "جميلة" وفرقهما شهر يوليو

دنيا عادل

لا عجب من مخططات القدر في هذه الحياة، حيث جمعت بين اثنين من أندر وأعظم ما أنجبت السينما المصرية في عمل فني، وفرقت بين كليهما خلال عمل آخر، ثم عادت لتجمع أرواحهما في مثل هذا اليوم، من حفرا بموهبةٍ من ذهب تاريخاً فنياً لم يُصنع مثيلاً له على جدران الوسط الفني الأصيل، فعلى الرغم من ندرة تعاونهما المشترك في هذا المجال، هاهما دنجوان السينما المصرية رشدي أباظة، والأسطورة يوسف شاهين تجمعهما ذكرى الغياب عن شمس الفن الحقيقي في اليوم السابع والعشرين من يوليو، ليحيي عالم الفن ذكرى نجاحاتهما معاً والتي لم يعترف كل منهما للآخر بها.

 

– فيلم وحيد تقاسما نجاحه :

بمجرد تخيل هذين الاسمين العملاقين في السينما يتعاونان معاً في عمل فني، لا يمكن تصور النتيجة الفنية المذهلة التي تشكل مزيجاً من خبرة “شاهين” و جاذبية شخصية ” أباظة” في مجال التمثيل، فضلاً عن الموهبة النادرة التي جمعت بين شخصيهما منفردين، فلك أن تتخيل كيف يصبح عملاً فنياً تجتمع فيه هذه الصفات لتكمل نواقص بعضها البعض؟

وعلى الرغم من النجاح المتوقع لأي عمل يشتركا فيه، كم كان مثيراً للجدل توقفهما عن العمل سوياً عند فيلم “جميلة”، الذي قدم لنا قصة نضال “جميلة بوحيرد”، المرأة الجزائرية التي كافحت ضد الاحتلال الفرنسي، والذي كان “رشدي” أحد أبرز أبطاله حينما جسد شخصية الكولونيل “بيجار”، في الوقت الذي كان “يوسف” مخرجاً للفيلم، وهو ما جعله عملاً تنبأ الجميع بنجاحه دون شك، وعلى الرغم من الصدى الواسع الذي حققه الفيلم بالفعل، إلا أننا لم نرهما في تعاون جديد منذ ذلك الحين.

 

 

– خلافاً أثاره “الناصر صلاح الدين” :

لم تنته عجائب القدر عند هذا الحد بين الفنانين، بل استمرت حينما نشب خلافاً غير متوقع بين يوسف شاهين ورشدي أباظة، بسبب سوء تفاهم لم يستوعبه كليهما، فبعدما استعد الأخير لدوره في فيلم “الناصر صلاح الدين”، الذي رشحه له المخرج الراحل عز الدين ذو الفقار، إلا أنه توفي، ومن ثم استعانت ابنته بالمخرج يوسف شاهين ليستكمل العمل، وهنا بدأت نقطة الجدال بين الطرفين عندما قرر المخرج استبدال رشدي أباظة بالفنان أحمد مظهر، ومن هذا المنطلق ترددت الأقاويل حول سبب هذا التصرف، إن كان نوعاً من العقاب للأول بعد طلبه انتظار المخرج “ذو الفقار” أملاً في شفائه من المرض قبل اتخاذ قرار تولي “شاهين” للمهمة، ظناً منه أنه يستهين بقدرته على تولي مهمة إنهاء الفيلم، أم عدم إيمانه بقدرات “أباظة” الفنية هو ما كان سبباً في هذا التغيير.

 

كان هذا الخلاف كفيلاً في أن يسبب أزمة نفسية حادة مر بها الدنجوان بعد استبداله ببطل آخر في فيلم كان بمثابة حلم يستفيق عليه كل صباح في حياة “ذو الفقار”، ومنذ ذلك الحين انغلق على نفسه لفترة من الوقت، حاولت فيها زوجته سامية جمال أن تجعله يتوقف ليعيد حساباته بحسب حواراً دار بين الزوجين نقلاً عما نشرته جريدة “الجريدة” الكويتية :

– أقسم لك بقسمت بنتي وبيكي وبأمي… عمري ما هاشتغل مع يوسف شاهين، لو هأقعد من غير شغل حتى لو مش هلاقي آكل.

* إنتا بتقول إيه يا رشدي؟ إنتا نجم كبير وكل مخرجين مصر وسوريا ولبنان يتمنوا يشتغلوا معاك.

– أنا عارف دا كويس، بس باقسم وبافترض المستحيل.

* طب مابلاش القسم دا لأنك لما بتقسم بيه ما بترجعش في كلامك، ماتروح تقابله وتزيلوا سوء التفاهم اللي بينكم.

– سامية… الموضوع انتهى.

* أوكيه انتهى. بس لازم تقف مع نفسك شويه وتعيد ترتيب حساباتك.

– مش فاهم تقصدي إيه؟

* أقصد أنك دلوقت واحد من النجوم المعدودين في مصر والوطن العربي… والطريقة اللي كنت بتشتغل بيها زمان ماتنفعش دلوقت.

– أيوا أنت عارفه أني بأخد الأمور ببساطة… وماعنديش عقد النجومية.

* دا جميل لأنك فنان بجد يا رشدي. بس للأسف في ناس بتفهم دا غلط.

– يعني عايزاني أعمل إيه؟

* لازم يبقى لك سكرتير… سكرتير مش سكرتيرة.

– يوووه يا سامية إحنا في إيه ولا إيه؟

* أنا بتكلم جد. لازم يبقى لك سكرتير أو مدير أعمال يتفاوض باسمك ويجهز العقود.. ويقدر يشيل عنك الحرج إذا منتج ولا مخرج أخل باتفاقه معاك. وأنا من ناحيتي ياعم هأشتغلك سكرتيرة في البيت وأجري على الله. هأرد على التليفونات وأنظملك مواعيدك واختارلك ملابس أفلامك… وفوق كل دا يا سيدي قلبي.

– وأنا مش عايز من كل دا غير قلبك بس… دا يكفيني.

ومن هنا عاد “رشدي” يستكمل نجاحاته الفنية بعدما استعاد طاقته الإيجابية من خلال تخصيص سكرتير خاص يدير أعماله الفنية مع المنتجين والمخرجين دون خلافات، كان من بينها تجربته الكوميدية في فيلم “عروس النيل” مع الفنانة لبنى عبدالعزيز، وذلك في الوقت الذي استمر فيه “شاهين” مواصلاً محطات نجاحاته الفنية في أفلام عديدة علقت في أذهاننا جيلاً خلف جيل، لتثبت لنا أنه كم كان جرماً في حق السينما المصرية أن تتفرق عقليات عبقرية مثليهما عن ملئ الأرشيف الفني بمزيدٍ من الأعمال المشتركة.

 

– المحطة الأخيرة في قطار القدر :

وصل عناد كليهما إلى محطة أجبرت كل منهما على الاتفاق أخيراً، عندما تزامن تاريخ وفاة الفنان رشدي أباظة مع نفس التاريخ الذي فارق فيه المخرج يوسف شاهين الحياة، في مثل هذا اليوم، بعد 28 عاماً من وفاة الأول، إثر إصابة “أباظة” بسرطان في المخ أودى بحياته عن عمر يناهز الـ53 عام 1980، في حين تعرض “شاهين” إلى نزيف في المخ أدى إلى دخوله في غيبوبة أزهقت روحه عام 2008 في الـ 82 من عمره.