مروى جوهر لـ عمرو سمير: كل يوم وإنت طيب

لم أعرفك ولم أراك يوما ما فى حياتى، لكننى حزنت لرحيلك المفاجئ، ربما رأيت نفسى مكانك، ربما ارتعبت نفسى من الرحيل دون ترتيب أوراقى المُبعثرة،  أو وداع أهلى وأحبابى، انه الموت، أقدم المخوقات بعد أن خلق الله الانسان، المخلوق الذى شغلنى بالتفكير فيه كثيراً، كثيراً ما شغلتنى جملة “صلوا صلاة مُودع”، لكننى أبداً لم أجرؤ يوما على الكتابة عنه، حتى وان كان مقال مثل هذا.

أعلنت صفحات التواصل الاجتماعى على مدار سنوات عن رحيل الكثير من أحبائى، كنت أتوقع سماع هذا الخبر لكننى صُدمت لسماع هذا، وجاء الخبر عن المذيع الشاب عمرو سمير مفاجئ للكثير، ومن منا لم يفاجئه الموت فى صديق أو قريب أو جار بشكل مفاجئ، أو حتى فى شخصية عامة لم يلقاها يوماً لكنه يحبها؟ فهذا حادث وهذا كان مريضاً، لكن أبعدهم عن تفكيرنا وأرعبهم أيضاً، أن تذهب لتأخذ نصيبك من ساعات نومك وأنت لا تعرف أنك قد أخذت نصيبك كاملاً من الدنيا كلها، ولم يتبق لك الا عملك.

بعد الصدمة، يجلس بعضنا وجهاً لوجه مع نفسه لتصفية حساباته المُؤجلة، فربما جاءه الموت واعظاً فكان عليه تصفيتها الآن والا فات أوانه، والبعض يعيش فى فقاعة بلادة، فيهز رأسه فى أسف ويمضى ليكمل ما قد بدأ، الحقيقة أن الموت مخلوق مكروه من البشر منذ أن خُلقوا ولا شك، الا من رحم ربى، نحن نكره الفراق ونخاف الحساب.

وتستمر الحياة، لكن فى كل مرة تسقط ورقة قريب أرى ما نلهث وراءه على حقيقته، نحن ننفق أعمارنا القصيرة وراء العدم،  شئ مؤلم أن تكتشف فى نهاية رحلتك أن كل ما ادخرت من ذهب ما هو الا حديد صدئ، رأيت لمعته الزائفة فأبهرتك، عن نفسى أندم على الكثير مما يمر أمامى دون أن أخلق الوقت لأعيشه، وكعادة بنى آدم ينسى سريعاً، سريعاً جداً، فقد أصبح الزمن سريعا لدرجة مُخيفة، ننسى كل ما سردت من لحظات الافاقة هذه، لنذوب مرة بعد مرة فى إلهاء مُستمر، وقد تعودنا عند ذكر الموت أن نردد “بعد الشر”، ونسينا أننا ذاهبون الى حياة أخرى يوماً ما، حياة لم نعد لها العدة المناسبة التى تلائمها، لم نزينها كى نتباهى بها كما نفتخر ونتباهى بزينة بيوتنا الدنيوية.

وفى كل الأحوال، ليس لنا الا أن نسلم الأمر كله لله، فنحن على يقين من أن رحيلنا ورحيل كل من حولنا بلا استثناء، آتِ لا شك فيه، متى وكيف؟ لا نعرف، ماذا نفعل اذن؟ أقولها لنفسى وأرددها دائماً، لقد خلق الله الرضا، وهو نعمة كبيرة لمن استطاع أن يشعر به فى حياته، فقد اطمئن قلبه وأسعده كل ما ملك، وكان طموحه سعى لا طمع، وقد انتبه أن كل يوم يعيشه فرصة عظيمة ليعيش، وقد فطن لنعمة الحياة علينا، وأدرك أنا كل يوم نعيشه فى اطمئنان هو عيد حقيقى، ولكنا استبدلنا صباح الخير بكل يوم وانت طيب.

سوف يغنيك الرضا عن الكثير من اللهث وراء اللاشئ، سوف تستمتع بكل أوقاتك، تشتهى قضاء الباقى من أيامك فى سعادة كل يوم وكأنه اليوم الأخير، سوف تعيش دنيتك كما ينبغى لها أن تكون، ربما أكثر بكثير مما تحلم به، ما نتعلمه من الموت هو أن نحترمه ونتمنى أن يزورنا على خير حال، زائر يستأذنك فى زيارته، ليأخذك فى رحلة جديدة ولحياة أفضل بإذن الله.