أحمد عبد الغني يكتب: نشرة البهجة لصاحبها عمر طاهر

عمر طاهر وأحمد عبد الغني

أن تكتب عن قيمة وعلامة مميزة في تاريخ الأدب في مصر شيء عظيم وجليل.. وأن يكون هذا المارد عمر طاهر، هو أمر أعظم وأشد وأصعب.. أمر فيه حرج وقد لا أستطيع أن أوفيه حقه.. ولكنني سأحاول بقدر استطاعتي أن أكتب عنه ولو شيئًا بسيطًا.. عسى أن يدخل هذا الأمر السعادة والبهجة عليه كما يفعل هو علينا في كل يوم من أيام رمضان..

عمر طاهر.. صانع البهجة في العصر الحديث.. صانع السعادة بمنتهى البساطة والهدوء بدون تكلف وبدون أغراض ولا أطماع في مناصب أو مكافآت أو هدايا أو منح وجوائز.. هو فعلا صانع البهجة والفرحة لملايين من المصريين لأنه فعلا واحد منهم؛ يشعر بهم، وبأحزانهم وباحتياجاتهم.. لم يعطه الناس تفويضا ليمنحهم السعادة وإنما هو يفعل ذلك من تلقاء نفسه من أجل إسعاد الآخرين، وهذه نعمة لو تعلمون عظيمة، أن تسعد الآخرين بقدر المستطاع..

عمر طاهر.. شاب مصرى جميل من صعيد مصر الأصيل وهو يفتخر بذلك.. لا يتحدث كثيرا عن نفسه.. كم من التواضع الجميل والبساطة تجدها في عينيه وفي كلامه وفي مصافحته للكل وف حديثه مع الآخرين.. عرفته منذ ما يقرب من عشرين عاما.. كنا زملاء وأصدقاء في كلية التجارة الخارجية في الزمالك معا.. كان يعمل في صمت.. كان يبني سلم المجد وحده.. بينما كنا نحن نلهو ونلعب ونخرج مع البنات.. كان هو يجتهد ويكافح من أجل العمل في الصحافة واحتراف الكتابة والأدب.. كان يكتب في مجلة نص الدنيا مع العملاقة سناء البيسي، ولم يكن يتباهى أو يفتخر بذلك، في وقت كان أي شخص بيعمل مجلة حائط بيفتخر بيها وبيتغر وبيمشي بين الناس بالخيلاء.. لكن عمر لأ.. لم يفعل ذلك.. كلنا كنا بنذاكر محاسبة وإدارة.. وهو كان بيذاكر صحافة ويكتب ويقرأ ويتابع الأدب في وقت كانت الكتب محدودة ودور النشر معدودة على اليد الواحدة والصحف والمجلات عددها قليل جدا مقارنة بهذا الوقت.. كان عمر بيكافح علشان يكون واحدا من الكتاب اللي اسمهم بينزل في الصحف والمجلات.. كان بيشق طريقه في صمت.. كان عنده هدف وبيسعى جاهدا أنه يحققه.. كان عنده أمل وبيعافر علشان يحققه.. على عكس ناس كتير من أبناء جيله.. أنا وغيرى كتير كنا بنذاكر وبس.. كنا بنخبط في الدنيا وبس.. أما هو كان مركز.. دخل الكلية علشان المجموع ومكتب التنسيق وبس.. عرف أنها بلد شهادات ففكر أنه يأخد شهادة وبس.. أما فنه ومواهبه وأدبه وعلمه وتفكيره كله فكان في اتجاه آخر.. كان في كيفية تنمية موهبته والحفاظ عليها.. كان في كيفية الوصول لهدفه والحفاظ على تلك الموهبة وهذا الفن.. اجتهد ولكل مجتهد نصيب.. اجتهد حتى أصبح “عمر” ما هو عليه الآن.. أصبح قدوة لجيل كامل.. حمل راية الساخرين ولواء الأدب الساخر واستلمه من جيل العملاقة أحمد رجب ومحمود السعدني..

عمر طاهر.. أصبح رائد الأدب الساخر في العصر الحديث في مصر.. ظهر في وقت كان فيه العملاقان أحمد رجب ومحمود السعدني.. وشاب مثله في مقتبل العمر قد يخاف ويخشى ويهرب من المواجهة، إلا أن إصراره وثقته في نفسه دفعته للاستمرار والتفوق.. دفعته لمزيد من الجهد والعمل، حتى أصبح علامة مميزة في هذا المجال.. ورغم أنه يرفض التصنيف في الأدب وتقسيمه بين ساخر وغير ساخر.. إلا أنه يستحق أن يكون في مكانة مميزة وفي موقع خاص فريد به..

عمر طاهر الذي عزف بكلماته على أوتار الزمان فأخرج لنا أبدع الألحان وأخرج لنا أعظم الأعمال التي أثرت في جيل كامل وغيرت فيه وغيرت من اتجاهاته في القراءة.. عمر طاهر الذي دفع عجلة الثقافة وقذف بحجر في الحياة الثقافية الراكدة وغير من مفاهيم القراءة والثقافة والأدب في مصر بصورة عامة.. تحول الجيل من قراءة رجل المستحيل وملف المستقبل فقط.. إلى قراءة كابتن مصر وشكلها باظت.. جيل كان يبتعد عن القراءة والثقافة.. كان يبتعد عن أدب أنيس منصور وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ.. فجذبه عمر بكتاباته وأدبه السهل الممتنع.. جذب عمر جيلا بأكمله إلى مسك الكتاب مرة أخرى ويدخل المكتبات مرة أخرى للبحث عن الكتب.. فتقع عيناه على كتب توفيق الحكيم ويمسك بيده كتب عمر طاهر ويقرر شراءهما.. لينطلق ليقرأ لعمر طاهر وبلال فضل ومصطفى محمود وعلاء الأسواني ومحمد سلماوى وغيرهم.. أطلق عمر الشرارة لمحبي القراءة.. فانطلقوا من خلفه.. وأطلقها أيضا لمحبي الكتابة والمبدعين فانطلقوا في إبداعاتهم وتعددت الأقلام من بعده.. لكنه بقي على وضعه.. حالة خاصة يكتب في منطقة أخرى بعيدا عما يكتب فيه الأدباء والكتاب الشباب.. ابتعد عن الرومانسية والحب والعشق والخيانة والغدر .. وكتاب رصف مصر.. وصنايعية مصر وإذاعة الأغاني.. كتب عن مصر والمصريين وتاريخهم وعظمتهم ومجدهم الذي طالبهم بالمحافظة عليه.. كما طالب بالمحافظة على أرضها وحدودها وترابها..

عمر طاهر في رمضان يقدم نشرة يومية أصبحت محل انتظار يومي لكثير من الناس..

أنا واحد منهم لا أنام قبل أن أقرأ النشرة.. نشرة البهجة التي أصبحت من رموز وطقوس شهر رمضان مثلها مثل فانوس رمضان والكنافة والقطايف.. حاجة حلوة بجد في زمن المسخ.. أسعدك الله ياصديقي كما أسعدتنا دائما..