مريم نعوم.. السيناريست الأكثر إخلاصًا للرواية المصرية

فاتن الوكيل

العملة الجيدة تطرد الرديئة دائما، وفي الدراما، إن كانت الأعمال الجيدة لا توقف عرض الردئ، إلا أنها تُبعد أنظار المشاهدين عنه وتُجبر عينه وعقله وروحه على التعلق بالقضايا التي تمسه. كما أن الأعمال الدرامية هي سلسلة مترابطة، تُكمّل حلقاتها بعضها، وتكون البداية دائما من الفكرة وصياغتها، ثم يلعب المخرج والمصور والممثلون الدور المتبقي لإكمال الصورة وتجسيد ما يُفكر فيه السيناريست على الشاشة.

ويمكن أن نقول أن بعض المؤلفين أصبحنا ننتظر أعمالهم من موسم لآخر، من بين هؤلاء وأبرزهم وجه نسائي أثبت نفسه بجدارة، وهي مريم نعوم، التي أصبحت ذات ثقل في الوسط الدرامي، من خلال الأعمال التي قامت بكتابتها سواء من تأليفها، أو من خلال قدرتها على انتقاء الأعمال الأدبية التي تستحق بحق أن تنتقل من بين أغلفة الكتب إلى الشاشة، خاصة إذا كانت تحمل قيمة تؤمن مريم بأهميتها، مثل رواية “ذات” للأديب صنع الله إبراهيم، و”واحة الغروب” للأديب بهاء طاهر، وهو العمل الذي يعرض في رمضان هذا العام.

مريم نعوم هي ابنة الروائي نبيل نعوم، ومصممة الحُلي سوزان المصري، ومن هذه التركيبة العائلية تعرف من أين تأتي الروح التي تعمل بها مريم وهي تكتب أعمالها، خاصة عندما تتحدث عن حبها لكتابة تفاصيل الشخصيات بشكل دقيق، تُطعّم الشخصيات والأحداث بمشاعر إنسانية نعرفها جيدا لكننا نرغب في أن نراها على الشاشة واضحة ومجسدة في شخصيات العمل، نشعر بها أكثر ونتوحد معها، نتعاطف أو نرفض، لكن الإحساس يصل، ومن هنا تأتي الثقة بين المشاهد وصانع العمل.

الفوز في أول أعمالها “واحد – صفر”

البداية كانت مع فيلم “واحد – صفر” الذي أنتج وعرض عام 2009، ويمكن القول إن هذا الفيلم “ضغط على الجرح” وقتها، ففي الوقت الذي كانت مصر تنتصر في الكرة، كانت تخسر نفسها اجتماعيا. عرضت مريم في أول أفلامها مجموعة قصص اجتماعية تمثل هزيمة للوطن الذي اكتفى في هذه الفترة بانتصارات كرة القدم.

ذاد ثقل وأهمية العمل، بمشاركة عدد كبير من النجوم في هذا الفيلم، مثل إلهام شاهين ونيللي كريم وزينة وخالد أبو النجا وأحمد الفيشاوي وانتصار. ويضاف إلى ذلك، أن هذا الفيلم كان بداية تعاون بين مريم والمخرجة كاملة أبو ذكري، وهو الثنائي الذي اعتبر بمثابة عملية إنعاش للدراما والسينما في هذه الفترة وحتى الآن، ننتظر بترقب أي عمل يجمع بينهما لأننا متأكدون من خروجه للمشاهد في أفضل صورة، وبالتالي لم يكن “واحد – صفر” مجرد أول عمل لمريم نعوم، لكنه بداية مرحلة جديدة لها ولنا.

الدراما من بوابة المرأة

تؤكد مريم أنها لم تكن تنوي إعلان نفسها “نصيرة المرأة” والمتحدثة باسمها من خلال أعمالها، لكن المرأة كانت بوابتها لتناول مشاكل مجتمع كامل، تشعر فيه المرأة بغربة وظلم إلى حد كبير، وإن كان ما تقوم به مريم يعتبره البعض تمميز فني، فإنه ينفع ولا يضر، وعندما تتناول حياة المرأة في مصر وما تعانيه مع اختلاف طبقاتهن وظروفهن الاجتماعية، فهي تسلط الضوء على أسرتها ومحيطها بالكامل، من أوضح هذه الأمثلة، هو مسلسل “بنت اسمها ذات”، و”سجن النسا”.

مريم والنص الأدبي.. أكثر من وسيط

البعض اعتبر تحويل مريم نعوم، النصوص الأدبية إلى أعمال درامية، هو استسهال، لكن أعمالها نفسها تنفي ذلك، حيث قدمت من قبل أعمالا من تأليفها أبرزها “واحد – صفر” و”تحت السيطرة”، و”سقوط حر”، وحتى مسلسل “سجن النسا” أشارت مريم من قبل في حوار تلفزيوني أنها استعانت باسم القصة التي كتبتها الراحلة فتحية العسال فقط، ولم تستعن بالنماذج النسائية التي تضمنتها القصص، بسبب الاختلاف الزمني الكبير، لكنهم كتبوا اسم “العسال” على تتر المسلسل وفاءً لها.

مع ذلك، فيجب الإشادة بـ”عين” مريم نعوم التي انتقت روايات ربما لن نرى غيرها يفكر –مجرد التفكير- في تحويلها إلى أعمال درامية، حيث تُفضل الكتاب الآن تحويل روايات شبابية تسم أكثر بالأحداث المثيرة التي تجذب المشاهد وخاصة الشباب، لكن العمق الذي وجدناه في مسلسلات مثل “موجة حارة” للكاتب أسامة أنور عكاشة”، و”ذات” لصنع الله إبراهيم، و”واحة الغروب” هذا العام، كفيل بإمتاعنا وطمأنتنا على مستوى الفن المصري. على الأقل من زاوية رؤية مريم نعوم. التي لا تقوم بدور الناقل فقط، لكنها تختزل وتضيف وتوفق الأحداث مع الزمن الحالي، وظروف المجتمع، ليخرج عمل قريب إلى المشاهد ولا يُفقد الرواية مضمونها في ذات الوقت.

انتقادات

تتمسك مريم بطرح رؤيتها عند تحويل الأعمال الأدبية إلى سيناريو، مع الاحتفاظ بالعمود الرئيسي للرواية، وهو ما يعرضها لانتقادات النقاد، الذين يطلبون منها التمسك بالشخصيات والأحداث كما كُتبت، لكن الأديب نجيب محفوظ يرد بدلا عنها في هذه النقطة، عندما سؤل في الستينيات عن رأيه في تحويل رواياته إلى أعمال سينمائية تُغير في الأحداث والشخصيات التي كتبها، قال إن ذلك من حق الكاتب طالما تمسك بالخط الأساسي للرواية، مؤكدا على أهمية معاملة الكاتب على أنه خالق جديد للعمل الفني، وليس مجرد ناقل.

 

انتقاد آخر وجه لها، يتهمها بالتركيز على الموضوعات التشاؤمية، ربما كان هناك بعض الحق، من حيث تكثيفها لهذه الحالات في عمل واحد وهو ما يضفي سحابة من الكآبة، خاصة إننا اعتدنا النهايات التي تعطينا أمل في نهاية النفق المظلم. ترى مريم أن المجتمع يجب أن يرى نفسه في المرآه حتى يعرف حلول أزماته، لكن المجتمع لا يريد أن يخدع نفسه لأنه بالفعل لا يرى مشكلاته فقط، لكنه مغموس في وحلها، يرغب في أن يرى المشكلة، ومعها النور، ولا يرغب في مشاهدة برنامجا وثائقيا يعرض الواقع فقط، لكنه يحمل رؤية ما، وهو ما فعلته مثلا في مسلسل “تحت السيطرة”، شعرنا مع الحزن الذي خلفته النهاية، أن هناك نظرة جديدة للحياة رأيناها في عيون “هانيا” أو جميلة عوض. وكان هذا كافيا جدا، وهو عكس ما وجدناه في “سجن النسا”.

لكن هذا النقد جانبه الصواب في نقطة محددة، وهي دعوة مريم والكتاب عموما إلى أن “يرتقوا”، ولا نعرف ما معنى أن يرتقي المؤلف وصناع العمل عموما في ظل واقع ردئ؟، أم هي دعوة حق يراد بها غض البصر عن مشاكل مجتمعنا؟، لكن في كل الأحوال، يأتي “واحة الغروب” هذا العام، ليكسر هذه النظرة، ويؤكد أن مريم تعرف كيف تكتب تسلسل أحداث به مزيج من الرومانسية أحيانا وصراع الأبطال مع أنفسهم في أحيان أخرى.

جمع مؤنث سالم

من خلاله استمرت مريم نعوم في دعم المرأة لكن من ناحية أخرى، حيث كتبت سيناريو حلقات برنامج “جمع مؤنث سالم” للإعلامية ريم ماجد، استضاف البرنامج على مدار حلقاته نماذج نسايئة مصرية. اتسمت بالتنوع المهني والعمري، لكن جمعهن التجربة التي استحقت إبرازها على الشاشة.