محمود خليل يكتب: السمار نص الجمال حتى اسألوا "نعمة"

في مايو 2015 أطلقت طالبات سودانيات في كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم مبادرة بعنوان “بشرتي لونها ذهبي”، وهدفها الأساسي منع الطالبات من استخدام كريمات تبييض البشرة والتي انتشرت بشكل مخيف بين الفتيات السودانيات في محاولة منهن لتغيير لون بشرتهن السمراء واستبدالها نوعا ما ببشرة فاتحة اللون.

خوف الطالبات السودانيات كان له مبرره وقتها بعد انتشار سرطان الجلد بسبب انتشار مستحضرات تجميل مجهولة المصدر استغلت لهفة الفتيات على تفتيح لون البشرة فبرز شيطان الفساد في التفاصيل.

أما في مصر فرغبة الفتيات السمراوات في تغيير لون بشرتهن اقترن كالعادة بشعورهن الدائم بالعنصرية، وتعرضهن لجمل جارحة في الشارع والأماكن العامة، لدرجة أنهن أطلقن هاشتاج قبل رمضان بأيام اسمه #project_no_color ، وامتلأ الهاشتاج بعاصفة من العبارات التي تتعرض لها السمراوات، لدرجة أن السخرية من اللون الأسمر تحولت لتعاطف مع الفتيات، وانتشرت عبارة “السمار نص الجمال” على مواقع التواصل الاجتماعي، واشتعلت هاشتاجات “سمراء والفخر لي”، و”سمراء بس جميلة”، و”جميل وأسمر”، لتعيد للفتاة السمراء هيبتها المفقودة ولو قليلا.

بل أن السمار تحول إلى موضة واتجهت البيضاوات إلى مراكز التجميل لإكساب بشرتهم “تان” وساعد في ذلك اتجاه نجمات السينما والدراما لتغيير لون البشرة إلى اللون الأسمر.

ما دفعني للبحث عن اللون الأسمر هو حالة النشوة التي صاحبت ظهور “نعمة” في مسلسل واحة الغروب، و”نعمة” هي فتاة سمراء اللون اشتراها والد “محمود” من سوق “الجلابين”، وأهداها له عندما كبر، لكنها كانت مختلفة عن الجواري الأخريات المتواجدات في المنزل بسبب الحواديت التي تقصها عليه بأسلوب ممتع، وبعد رحيلها لازمته صورتها طوال الوقت وأدرك أنه وقع في حبها بعد فوات الأوان.

 

 

الحوار الذي دار بين نعمة والتي جسدت شخصيتها باقتدار الفنانة الشابة مها نصار، وبين الضابط محمود الذي يجسد شخصيته الفنان خالد النبوي، كان خاطفا للأعين والقلوب، بطلة ساحرة لـ”نعمة” وهي تستقبل سيدها العائد من حياة محطمة وارتباك واضح بعد هزيمة الثورة العرابية على أيدي الاحتلال الانجليزي، وهنا تبرز “نعمة” في دور المرأة الحنون، يحبها ويرتاح لها، وهي كذلك، وتناديه بـ “يا سيدي”، ويدور الحوار:

محمود: أنتي عملالي سحر.

نعمة: أنا يا سيدي.

 

محمود: ازاي بتفتحي نفسي للأكل وأنا نفسي مسدودة عن الدنيا كلها، بتعرفي أنا نفسي في أيه من غير ما أتكلم، مش ده سحر؟

نعمة: كل الجروح بيجي لها يوم وتطيب يا سيدي.

محمود: حتى جروح الروح.

نعمة وهي تحتضته بشدة: حتى جروح الروح يا سيدي.

 

محمود يراها كذلك، تردني بالحكايات طفلاً وتستردني بالعشق رجلاً، ونعمة تراه الحبيب، إلى أن سألته صراحة: انت بتحبني يا سيدي، فينقلب العاشق الحالم إلى رجل شرقي صميم: “حب أيه اللي بتقولي عليه.. أنتي نسيتي نفسك.. أنتي جاريتي.. فاهمة يعني أيه جاريتي”.. لتنطفئ الضحكة التي أسرت قلوب المشاهدين في لحظة، وتنكسر الدنيا في وجه البشوشة، بعد أن تذكرت أنها مجرد أنثى في متاع رجل شرقي لا يعلم قيمة الحب إلا بعد أن يضيع منه، ولا يعرف قيمة المرأة إلا بعد أن تتخذ قرار الرحيل، لترحل نعمة ويثور محمود ويصاب بالجنون ويبحث عنها في كل مكان، لكن نعمة حملت كبريائها ورحلت تبحث عن رجل حقيقي يعشق أنثاه ولا يحتقرها، يمنحها الحرية ولا يخنقها، يحترم عقلها قبل أن يغلق باب الغرفة عليهما.

 

“نعمة” هي نموذج حي للمرأة المصرية، المرأة التي تتعرض للعنصرية في مجتمعنا فقط لأنها أنثى، سمراء أو بيضاء، طويلة أو قصيرة، قوية أو ضعيفة، مسلمة أو مسيحية، محجبة أو بشعرها، عاملة أو سيدة منزل، أيا كان ومهما فعلت ومهما وصلت ومهما أبدعت تظل في عين المجتمع الذي يبجل الرجل مجرد أنثى تلد لتنجب من يحمل اسم الرجل، لتتوارى هي في الخلف دائما..!