حكاية "القارئ المخلص" لجريدة المقال

هبة الشيمي - مقالات

حالة من السعادة الغامرة شعر بها صحفيو جريدة المقال بعد أن نشر أحد قراء الجريدة صورة له على موقع التواصل الاجتماعي واقفا وسط أعداد الجريدة بكل زهو، معلنا حبه الشديد لها، الحب الذي جعله يحتفظ بكل عدد من أعدادها منذ بداية صدورها، لكن السعادة سرعان ما امتزجت بالدهشة عندما قررت أن أخاطبه مباشرة لأتعرف عليه عن قرب، الدهشة هنا ليست سببها أنه يحفظ أسماء كل كتاب المقال عن ظهر قلب، ويعرف تبويب الجريدة جيدا كما لو كان أحد العاملين بها، لكن السبب شخصي هذه المرة، فلم يجيبني بعد تعريفي له باسمي بالإجابة الطبيعية التي تدور في إطار الترحيب التقليدي من أي شخص تقدم له نفسك لأول مرة، حيث أجابني بذكر عنوان لأحد مقالاتي الذي لا يزال عالقا بذهنه.

محمد هشام، محام شاب، لا يتجاوز عمره الخامسة والعشرين عاما، الصدفة وحدها هي من جمعته بجريدة المقال، حيث وقعت عيناه على مانشيت الجريدة المختلف من بين عشرات الصحف التي تفترش الأرض المحيطة بأحد أكشاك الصحافة، فقرر شراءها، كان ذلك في شهر فبراير من العام الماضي، أكثر ما جذبه وقتها صفحة (المكتبة) التي توقفت عن الصدور، كما لا يزال يذكر أسماء مقالات بعينها كتبها أصحابها في صفحة (مختلف) التي مست شيئا ما في وجدانه، وبالعشرة اليومية مع الجريدة، زاد الارتباط عمقا، وأصبح محمد ينتظر مقالات أقلام معينة بكل شغف، لأنه يشعر أحيانا أنهم يقولون ما يريد أن يقوله، (مجانيليو) خالد كساب، وسلسلة (من أجل ذلك) لمي سعيد نماذج لمقالات ينطبق عليها ذلك الشعور.

10

يحكي محمد هشام عن حوار دار بينه وبين أحد بائعي الصحف الذي كان يخبئ أعداد الجريدة، ويدّعي عدم وجودها لديه حتى يعيدها كاملة كمرتجع، بائع الصحف قال إنه يفعل ذلك حتى لا ينتشر المذهب الشيعي في مصر!! لكن حديثه حول أمر اقتناء الجريدة بالنسبة لمحمد إلى طقس يومي لايمكن الاستغناء عنه، حتى لو كلفه ذلك الذهاب إلى مكان أبعد، فقد أصبح قارئ المقال المشهور في وسط البلد، وهو أحد أسباب احتفاظه بأكثر من نسخة للعدد نفسه، فكلما مر على أحد الأكشاك في طريق عودته ينادي عليه البائع (حجزت لك مقال النهاردة) فيأخذه لأنه على حد تعبيره (مابيحبش يكسف حد) كما أنهم يسدون له خدمة جليلة أيام الجمعة التي لايغادر بها المنزل، حيث يحجز النسخة تليفونيا من أحدهم وهو مطمئن أنه سيستلمها يوم السبت.

فكرة الاحتفاظ بالأعداد بعد قراءتها لم يفعلها من قبل، لأن المقال جريدة أفكار لا أخبار، وبينما تموت الأخيرة بمجرد انتهاء اليوم، فإن الأفكار تظل دائما ناضجة، ويظل أمر العودة لقراءتها واردا، وهو ما يفعله في كثير من الأحيان فعليا، بالإضافة إلى أن صفحة مثل (يرحمكم الله) ناقشت العديد من الأفكار التي دفعته لأن يقرأ عنها بتوسع، وهو الأمر الذي حققته صفحة (فرجة) أيضا، حيث جعلته يشاهد السينما من منظور مختلف، ويلتفت إلى بعض التفاصيل الفنية التي لم تكن تشغل باله من قبل.

يوما بعد يوم، زاد الحجم الذي تشغله الأعداد في المنزل، وأصبح الأمر مثار غضب من والدته، الأمر الذي جعله وعلى مدار أسبوع يأخذ مجموعة من الأعداد يوميا إلى المكتب حتى تمكن من نقلهم جميعا مرتبين ومقسمين بترتيب الشهور، ثم جاءت فكرة التقاط الصورة ورفعها على الفيس بوك.

8

الإحراج من بائعي الصحف لم يكن السبب الوحيد الذي يجعل محمد يقتني أكثر من نسخة من ذات العدد، فهناك أعداد معينة استحقت ذلك، مثل عدد إسلام بحيري (دولة تزدري نفسها) وعدد (الوزير النيجاتيف) وعدد (وفاة هيكل) بالإضافة إلى عدد فوز الزمالك (الدرع للزمالك والدولاب للأهلي) أما عدد (دليلك على مصرية تيران وصنافير) فقد وزع منه على أصدقائه وأقاربه عشرين نسخة.

تغيرت أفكار محمد كثيرا، وأفعاله أيضا، سألته عن أكثر مقال قرأه في الجريدة وأثّر على سلوكه بشكل مباشر، فأجابني بلا تردد، مقال عمر طاهر الصيف الماضي عن انهيار صناعة الكتب بسبب عزوف الناس عن شراء الكتب الأصلية من دور النشر، واتجهاهم لشراء النسخ المقلدة رخيصة الثمن، يضيف (كنت أفعل ذلك، لكن منذ قراءتي لذلك المقال أصبحت لا أشتري سوى الطبعات الأصلية).

أمنية محمد التي يتمنى تحقيقها هي أن تعود صفحة (المكتبة) مرة آخرى، ورسالته لكل العاملين بجريدة المقال (أنتم صادقون وما يخرج من القلب يصل إلى القلب) أما كلمته للأستاذ إبراهيم عيسى ( تعلمت منك كيف أفكر، وكيف أختلف، والأهم كيف أغضب وأخرج طاقة غضبي بموضوعية).

3