أحمد فرغلي رضوان يكتب : Perfect strangers عن الصندوق الأسود لحياتنا !
أحمد فرغلي رضوان
دعوة على العشاء بشكل كلاسيكي في منزل زوجين لأصدقاءهم القدامى يتجمع خلالها ثلاث أزواج وزوجات مع الصديق السابع لهم الأعزب ويبدأون الحديث الاجتماعي التقليدي مثلنا جميعا عن تأثير الموبايل على حياتهم وما إلي ذلك وأنه بات يحمل أسرار لا يعلمهم سوى صاحبه ! وفجاة تقترح واحدة منهم “لعبة” وهي أن يضعون هواتفهم على طوالة العشاء ليردون على أي اتصال بمكبر الصوت وكذلك يقرأون الرسائل والايميلات بصوت مسموع أمام بعضهم البعض وهنا يبدو القلق على البعض لينذر باثارة قادمة في أحداث الفيلم وهو ما يحدث بالفعل بعد موافقة “القلقين” على مضضض بناء على رأي الأغلبية وشيئا فشيئا تنقلب “اللعبة” إلي جد درامي محزن بين الجميع!
الحقيقة تقول أن الموبايل أصبح الصندوق الأسود لحياتنا ويعكس الصورة الحقيقة للمجتمع الأن هذا ما يؤكد عليه الفيلم الإيطالي perfect strangers بالفكرة الذكية والرائعة وهي المكاشفة التي يقرر الأصدقاء لعبها قبل أن تنقلب إلي حقائق مؤلمة ومفاجأت غير سارة للجميع وهنا تبرز قدرة السيناريو المحكم على صياغة الأحداث بتسلسل رائع رغم أن جميع الأحداث تدور داخل لوكشن تصوير واحد وهو المنزل ومع ذلك لا يشعر المشاهد بالملل نهائيا بسبب عنصر التشويق المستمر مع كل مشهد! تحت إدارة جيدة جدا للمخرج باولو جينوفيزي.
سيناريو الحقائق المؤلمة!
ويأتي أكثر مشاهد الفيلم إثارة للمشاعر عندما تتصل إبنة أحدهم بوالدها لتخبره بشيء لم يتوقعه على الاطلاق وهي أنها تريد ان تذهب لقضاء ليلتها الأولى عند صديقها!؟ ويخيم الصمت والترقب على الجميع بما فيهم الأم ويحاول الأب “في أفضل مشاهد الفيلم” الهدوء وإجابة إبنته الصغيرة بحكمة يغلب عليها مشاعر القلق كأب فيقول لها “تذكري جيدا أن هذه الليلة ستكون في ذاكرتك الى الأبد فلو تستطيعي فعل ذلك فأفعلي” والمفاجأة إنه يسألها لماذا لم تخبر أمها؟! فنكتشف أن هناك خلاف وفجوة بينها وبين الأم ! وتنتقدها بشدة والأم تسمع في صمت والحزن على وجهها من رأي الابنة فيها، وهو شعور مؤلم لأي أم أن تسمع حقيقة رأي ابنتها فيها وامام الجميع.
وتصل الأحداث إلي مفاجأة درامية كبيرة أخرى حينما يأتي إتصال أخر لأحدهم ولكن هذه المرة غير متوقع ايضا في هذا السيناريو المدهش ويكون من صديقه الذي يكشف عن رغبات وميول “شاذة” تجاه صديقهم فينقلب المشهد إلي كوميديا من ردود أفعال الجالسين وتحديدا زوجته وهو يحاول الدفاع عن نفسه!
وهكذا يستمر “البطل ” الرئيسي في هذا العمل السيناريو المقنع جدا والذي بنى شبكة العلاقات بين أبطاله بدقة شديدة وصياغة وتسلسل رائع للأحداث وبشكل غير متوقع ما بين الدراما والسخرية التي تصل لحد كوميديا الموقف الصارخة بشكل متكرر جعل صالة العرض تضج بالضحك كثيرا مع كل إتصال أو رسالة أو بريد الكتروني تأتي لتكشف أن الجميع يخفون شيئا ما وأن الحقيقة بين علاقات هؤلاء تزحف تدريجيا إلي العلن بمفاجأت كبيرة نجح المخرج في ضبط الايقاع لهذا السيناريو المقنع رغم بساطة الفكرة وتكتشف أن هذا هو حالنا جميعا مع هواتفنا أو الصندوق الأسود لحياتنا.
الفيلم يعرض ضمن أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وأعتقد أنه سيكون ضمن الأفلام التي تنافس على جوائز هذه الدورة.
