د.محمد فتحي يونس يكتب: القسوة والصمت.. مالك عدلي ومن معه

نقلاً عن التحرير

(1)

كان بريمو ليفي كيمائيا إيطاليا متفوقا، قاوم الفاشية في إيطاليا إلى أن سقط أسيرا، اقتيد إلى معسكرات الاعتقال، ذهب إلى “أوشفيتز”، حيث أفران الغاز وتقشير طبقات الإنسانية حتى العظم، هناك أنقذته مهارته من الموت، لكنه بقي ليعمل مساعدا إجباريا للموت ذاته، ككميائي يساعد أفران الغاز على الاشتعال، تحول بعد انتهاء الحرب إلى واحد من أبرز كتاب أدب الذاكرة، يدون شهادات ضحايا الشر حتى النهاية. قال ليفي في آخر أعماله “الغرقى والناجون” إن كثيرا من ضحايا النازية الأحياء كانوا يحلمون حلما مشتركا، يختلف السرد في بعض التفاصيل لكن الجوهر واحد؛ يحلمون بحكي تفاصيل العذاب وسنوات الاعتقال لذويهم لكن أحدا لا يصدقهم، بل كان البعض منهم يديرون وجوههم عن رواة العذاب، بمجرد أن يسترسلوا.

مؤلفات ليفي العديدة عن ذكريات الجحيم النازي كانت تكفيرا عن الصمت، وقت أن كان كيميائيا، لم يتوقف عن الحكي، إلى أن انتحر بإلقاء نفسه من الطابق الثالث منتصف الثمانينات، ليكتمل التطهر.

“الصمت أمام القسوة”، وسد الآذان أمام حكايات الذاتي، جرائم موازية للانتهاك الأساسي.

الفكرة هي صلب الأدب المقاوم للديكتاتورية، وحكايات المستبدين غير الخيالية، سولجنتسن في روسيا، إيزابيل اللينيدي في شيلي، ماركيز وجنراله، عبد الرحمن منيف وشرق متوسطه.

عدنان مكية وجمهورية الخوف.

الأوردي: سعد زهران، تلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلون. قائمة الأدب طويلة
وقائمة الحكي غير الخيالي أطول.

ما دمنا ننتهك فلنحكي سيرة الانتهاك. ونستمع للرواة.
كي لا يكون الانتحار بديلا..

(2)

في حديث مع شبكة سي إن إن قال المحامي مالك عدلي إنه قضي 67 يوما لا يرى الشمس، وحبسته السلطة انفراديا لأكثر من مائة يوم، وتعرض للضرب عند القبض عليه.

وحكى الصحفي عمرو بدر عن ظروف شبيهة في حديثه لجريدة الشروق، قال بدر: “قضينا 125 يوما أنا ومحمود السقا في زنزانة مساحتها 3 أمتار فقط، وأول مرة نخرج منها للمشي كان بعد 70 يوما لنصف ساعة وأمام الزنزانة فقط، رغم أن باقي السجناء يتريضون ساعتين وثلاثة في اليوم ويتمشى في السجن كله.

وظللنا أول 21 يوما ممنوع عنا الزيارات سواء الأسر أو المحامين، فضلا عن نومنا على الأرض رغم أن أغلب السجناء يحصلون على سرير أو مرتبة، مما أثر على عظامي وحالتي”.

وهناك عشرات من الحكايات المتوالية عن انتهاكات أفظع بحق موقوفين آخرين، قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب والتنكيل الجسدي، من طفل التي شيرت إلى مصور.
لا علاقة بالسرد بنوعية الاتهام أو خطوات العدالة، أو مآلات الأحكام، بل بحقنا في معرفة الإجابة عن سؤال محوري؛ إذا كان من حقك أن تمارس تنفيذ القانون، فمن منحك حق الانتقام والقسوة؟