د. محمد فياض يكتب : أنطونيو ينعي إسلام بحيري

30 ديسمبر 2015 | 06:26 مساءً

كان المشهد الأبرز في مسرحية شكسبير عن يوليوس قيصر هو ذلك المشهد الذي قام فيه أنطونيو بتأبين قيصر والدفاع عنه علي مرأي ومسمع من قتلته ، سمحوا له بالحديث عن أبيه الروحي يوليوس قيصر الذي قتلته يد الغدر خانه أقرب الناس له متناسين دوره العظيم في تاريخ الإمبراطورية الرومانية .

وفي الحقيقة لا أدري ما الذي جعلني أستدعي مشهد أنطونيو وهو يدافع عن الإمبراطور الذي تناسي الجميع أفضاله كم كان هذا المشهد شبيهاً بمشهد ما حدث مع الباحث إسلام بحيري الذي حاول تطهير الدين مما لحق به من سواد عالق ومن تراث مشوه وأفكار سوداء ، وبينما كان إسلام بحيري ينتظر التقدير وجد نفسه بين عشية وضحاها بين جدران السجن مع المجرمين والإرهابيين مجاوراً لعادل حبارة فقط لأنه حاول التفكير في زمن التكفير حسب اصطلاح المرحوم الدكتور نصر حامد أبو زيد !!!

وها هو أنطونيو يراقب المشهد ليذكركم بإسلام بحيري فيقول ” يا أبناء وطني لقد قال لكم بروتس وعصبته أن إسلام بحيري لم يتصرف بشرف ودنس مقدساتنا وحاول تسفيه آلهتنا وأنه عاب في ابن تيمية المقدس وفي آراء حسان المعظم والحويني قُدس سره ، لو كان ذلك صحيحاً لكان ذنباً عظيماً ولقد كفر عنه بسجنه مع السفاحين والقتله ، ولكن بروتس يقول إن إسلام بحيري كافر وبروتس بالتأكيد رجل شريف ”

عندما لهث الجميع وراء تجديد الخطاب الديني بدون إدراك ولا وعي كان إسلام بحيري يناضل ويغرد منفرداً ، كان يفكك التراث المظلم لينقيه من شوائبه ويقدم لكم الصورة الحقيقية التي رفضت نكاح الأطفال ، وقتل غير المسلم وذبح الأسير ، كان ينفض الغبار عن عقولكم التي انشغلت بنجاسة دم البرغوت ونكاح الجان ، كان يصرخ بأن الدين يعني الإنسانية وليس إغتصاب الأسيرات وختان البنات ، كان يرفض أن يجعلكم دواعش ولم يهتم بهذه الكائنات المتطرفة ولم يخشاهم ، ولكن بروتس يقول أن إسلام بحيري كافر وبروتس بالتأكيد رجل شريف .

حين كان هؤلاء المشايخ يتحدثون عن حكم الشرع في الظراط المكتوم والظراط أبو صوت ، وتحريم الأغاني والموسيقى والرسم والحياة ، وتكفر المسيحيين ونجاستهم وعدم طهارتهم وحرمانية السلام عليهم وتهنتهم ، وعندما جبن الجميع كان إسلام بحيري وغيره يناضلون ضد هذا العفن الفكري ، عندما تضببت الصورة وقل اليقين وغاب الأمل كانت إسلام يزأر ضد هؤلاء ، نسي الجميع كيف كان هؤلاء الزومبي يحاصرون إسلام بحيري ونجحوا في إقصائه من علي الشاشات متخيلين أنهم نجحوا في إسكاته ولكن محبته زادت في القلوب والتلهف لعودته كان حاراً ، ولكن بروتس يقول أنه ازدري الدين وحطم الأصنام وبروتس بالتأكيد رجل شريف .

قال لكم بروتس النبيل إن إسلام بحيري طماع وممول وأجير ، ولكن ألم يكن يستطيع أن يخضع لنفاقكم ويهلل لكم ، ألم يكن يستطيع أن يصفق لتطرفهم حتي يغرق في نعيم سمنهم وعسلهم ، ألم يكن من الممكن أن ينال العديد من المكاسب والنجاحات والفضائيات مثلما نال غيره ، ولكنه رفض أن يبيع عقله لنفايات الكتب الصفراء ليلحق بزملاء التنوير ويركب قطار من تم تكفيرهم مثل طه حسين وعلي عبد الرازق ونجيب محفوظ وفرج فودة ونصر حامد أبو زيد ، فناضل وحمل روحه علي يده وشارك في تقديم الوعي وإسقاط المشروع الظلامي العفن ، ولكن بروتس يقول إنه كافر وزنديق وبروتس بالتأكيد رجل شريف .

إن كان لديكم دموع فاستعدوا للبكاء ، هل تتذكرون أفكار إسلام بحيري ، هذه الأفكار التي كانت كالملح في عين الدواعش والمتطرفين والأصوليين منذ اللحظة الأولي هذه الأفكار التي قضت مضاجع طيور الظلام ، هذه الطيور التي أجهزت من خلال محامين الحسبة علي إسلام بحيري ، انظروا من هذا الشق إخترقه خنجر المحتسبة ، ومن هذا الشق الذي شقه بعض المشايخ الحاقدين ، وهنا طعنه بروتس ، وطعنتموه أنتم ، وهو الذي أحبكم كل الحب وعندما انتزعتم خنجركم اللعين تدفق الدماء في أثره هنا ، وأشهدي أيتها الآلهة كم كان هذا الرجل مخلصاً ومؤمناً ووطنياً ، إذ عندما شاهدكم وأنتم تطعنوه شعر بالجحود وهو يقهره ، فالجحود أقوي من أسلحة الخونة ، وعندما انصدع جدار قلبه وسقط وعلى وجهه وشاحه القديم أخذ ينزف الدم بلا توقف ، ما أبشع تلك السقطة يا أبناء وطني ، لقد سقطت عندها وأنتم ، سقطنا جميعاً عندها بينما تباهت الخيانة الدامية فوق رؤوسنا وتراقصت طيور الظلام الداعشية تهلل وترقص لهذا النصر .

إنني لا أحاول إثبات خطأ ما قاله بروتس ولكني أقول لكم ما أعلمه علم اليقين ، لقد كنتم تحبونه يوماً ما ، وكنتم محقين في حبه ، فماذا يمنعكم الآن ….كان هذا هو إسلام بحيري … فمتي يجود الزمان بمثله ….فلتهنأوا بمشايخكم وحسانكم وحويينكم ولتشربوا نخب خطابكم الديني المجدد .