محمد فوزي سعيد يكتب : كله ولا حتة منه
سائق التاكسي: شايف مدينة الانتاج الإعلامي دي يا بيه انا لو في إيدي اضربها بالمدافع … أسويها بالأرض
أنا وقد اتسعت عيناي وتحشرج صوتي : دي فيها ناس غلابة كتير قوي !!!!!!!
السائق يزداد اصرارا ويضرب بقبضته طارة القيادة في قسوة وعنف: والله أضربها بالمدافع وأسويها بالأرض باللي فيها كله
بدأت جملة الراحل عبد المنعم مدبولي ” كله … ولا حته منه ” تتسلل
إلى لساني وأنا أضحك في ذهول من ذلك الرجل المتطرف والذي يعبر عن بعض الكارهين للإعلام واقول له باندهاش كله ولا حتة منه ويرد هو بتصميم واصرار كله كله ….
انفصلت كثيرا عنه هو مجرد سائق تاكسي ركبت معه من مدينة السادس من اكتوبر في طريقي الى منطقة الهرم وسقطت في مقعدي محاولا الاختفاء من ذلك الوحش الآدمي الذي كان بدأ يتجاذب اطراف الحديث معي عن الأحوال الجارية كأي سائق أركب معه وبدأت اتفحصه انه رجل ضخم عادي حليق اللحية والشارب واصلع قمحي اللون منحه الله وفرة في الجسم تجعله اضخم مني بكثير واشعر انه يهز السيارة وهو يتحدث ويضرب الطارة بيده
اصابني الشرود من تلك الكراهية التي يتحدث بها واصبحت لا أسمعه ولكن أسمع اسماء إعلاميين وهو يسب ويلعن فيهم ويضرب طارة القيادة بقبضته الضخمة وأنا في عالم أخر هذا الرجل يريد ان يقتلني ويقتل العشرات وهو لا يعرفنا أساسا
كنت اتخيل دائما الناقمين على الاعلام وهم يتخيلون العاملين بمدينة الانتاج الاعلامي مثل العاملين بجهاز الموساد ندخله صباحا نقول ” شالوم” ونتصافح ونتفق على المؤامرة الجديدة التي تضايق المواطن المصري ” اه والله نظرية المؤامرة بقى وكل العاملين في القنوات بيقبضوا بقى وبيطبلوا بقى و…و… و….”
95 % من العاملين بالاعلام والسينما والموسيقى بشر طبيعيون يعبدون الله باختلاف دياناتهم وتوجهاتهم وضمائرهم يقظة يحاولون القيام بعملهم وتقديم اعمال جيدة والكسب الحلال … الا ان اكل العيش يجعل البعض يبرز الـــ 5 % من البشر غير الطبيعيين ويسلط عليهم الضوء فتتزايد كراهية المجتمع للوسط الفني باكمله … كله كله
تذكرت لحظتها رجال حازمون اثناء حصار مدينة الانتاج الاعلامي والذي أزعجنا كثيرا وهم سعداء بما يفعلون …. انه الفكر الذي يدفع امثال هؤلاء لمحاصرة الاعلام وهم يعتقدون انهم يضغطون عليه وهم لا يمتلكون أي فكر منظم ومحترم وواع لانتقاد ما يريدون .. كانوا يحاصرون المدينة حتى لا يخرج الاعلاميون عبر الشاشات… إلا أن امنيتهم لم تتحقق لأنهم غير مدركين للواقع الذي يتعاملون معه ولم يروا أي إعلامي يخرج من البوابات ولم يفكروا قليلا كيف يحدث ذلك أو من أين يخرجون أو يدخلون … نجحوا فقط في اضرار البسطاء من العاملين
” كله ولا حتة منه ” بالفعل بعض أسماء القنوات الفضائية تضع عبء على أكتاف العاملين بها في العالم الخارجي لأن المشاهد يطلق الاحكام المطلقة دون ان يفرق بين صالح وطالح ، الحل بسيط انه الريموت الذي يحول أي قناة ويجعلك تجلس في سعادة ….. حاول ان تفعل ولا تهاجم فقط ولا تنسى صديقي المهاجم أن هناك مؤدين لمن تمقت فلا تصدر الاحكام المطلقة وتفرضها على الجميع
العاملون بمدينة الانتاج الاعلامي بشر يمتهنون الاعلام ورسالتهم هي عملهم فقط ولا تعبر القناة التي يعملون بها عن افكارهم بالضرورة فهم أناس يجتهدون في مجال عملهم الفني ويتنقلون من قناة إلى أخرى … بشر يجلسون في الكنترولات يساعدون الاعلامي على اداء عمله واطلاق ارائه التي لا تعبر بالضرورة عنهم …. ” كله ولا حتة منه ” اصدار الاحكام المطلقة … بالرغم من ان الجزء هو بيت الداء … هذه هي آفة مجتمعنا …. طبقها على كل الازمات ”
وصلت لمنزلي وهبطت من التاكسي وسألت السائق (( عايز الأجرة ” كله ولا حتة منه … وهربت ” وعلقت بعدها لافتة على صدري مكتوب عليها ” ممنوع التحدث مع الزبون ” .