مسابقة إعلام دوت أورج.. المقال الفائز بالمركز الأول

حصل مقال “المحتوى لا يُكال بالبتنجان” للكاتب “محمد السيد الغريب” على المركز الأول في مسابقة إعلام دوت أورج لأفضل مقال في مجال الميديا لعام 2015 .

فيما يلي نستعرض نص المقال الفائز:

 إذا كنت ممن عانوا كثيرًا وتوترت علاقتهم بفيلم السهرة على القناة الثانية بسبب فاصل “أحداث أربعٍ وعشرين ساعة” الذي لا يكتمل الفيلم بعده أبدًا، فأنت من جيل الثمانينيات فما أقدم، وممن سيجد في هذا المقال بعض الحنين لفترة كانت النشرات الإخبارية فيها أهم لدى الكثيرين من برامج الطبخ.

أتكلم هنا عن عصر “ما قبل الدش” وأيضًا الفترة الأولى للغزو الهادئ للدش و”الوصلة”، عندما كان الإعلام التلفزيوني يجلس بلا منازع على عرش المحاورات السياسية، التسلية، الرياضة، وكل شيء قد يدعوك للجلوس أمام الشاشة بعد الخامسة مساءً.

هناك حقيقة علمية تقول إن الوضع الذي يفتح الشخص عينيه فيجده قائمًا يظنه سائدًا منذ الأزل وإلى الأبد، لذا فالشباب دون الحادية والعشرين سيفشلون في أن يتخيلوا كيف كنا ننتظر “أهلاً بكم” الخاصة بالأنيق المخضرم حمدي قنديل، وكيف كانت برامج التوك شو تقدم مادة حوارية أدبية وسياسية تستحق الانتظار والترقب نوعًا ما.

لكن الشباب بصفة عامة سواء فريق “تاكسي السهرة” و”بانوراما فرنسية” أو فريق “السيلفي ستيك” متحدون في أنهم باتوا يستوحشون الاهتمام بالميديا التلفزيونية أو المطبوعة، فليس من العسير أن نلاحظ أن الميديا التلفزيونية قد تنازلت عن شريحة كبيرة من مريديها – وهم الشباب – لصالح السوشيال ميديا، وليس من العسير أيضًا أن نسرد العناصر الستة عشر الشهيرة التي تميز مواقع التواصل الاجتماعي عن الميديا التقليدية وتجعلها أقرب للجمهور، فالسوشيال ميديا تتميز بتوفّر التفاعل بين جموع المستخدمين وبين المادة المطروحة أيًا كان مقدمها وهو ما يعكس بوضوح رضا الجمهور عن هذا الرأي أو ذاك من عدمه، أما الميديا التقليدية فهي حوار الاتجاه الواحد، وما زال كثيرون يعتقدون أن اتصالات المشاهدين يُجرى أغلبها بمعرفة البرنامج فما زالوا يتذكرون “تامر بتاع غمرة”.

ولكن النقاط الأبرز من بين تلك العناصر بالنسبة للإعلام الحالي في مصر هي عدم الشفافية والانعزال عن الشباب بتوجهاته ومشكلاته، فالاتهام الدائم لوسائل الإعلام في مصر أنها مسيّسة بامتياز يجعلها موضع شك في كل مادة تطرحها للنقاش، ولكن الأدهى أنها لا تبذل أدنى مجهود لدفع تلك التهمة عن نفسها بل تحاول جاهدةً تثبيتها بوضع الإثارة والشو الإعلامي مقدمًا على الموضوعية من جهة، وبوضع اعتبارات السياسة والمال وتجنب الاصطدام بالسلطة مقدمةً على النقد الجاد المحايد من جهة أخرى، هذا الأمر جعل أغلب الشباب ينسحبون من أمام تلك القنوات متجهين نحو مكان آخر يقبل الرأي وضده، يعبرون فيه عن توجهاتهم ولا تُفرض عليهم الأفكار من منظِّر يرتدي حلة باهظة الثمن يستضيف خبراء في شيء ما يعيبون ثورة الشتاء مرارًا وتكرارًا.

وبوضع بعض الإحصائيات البسيطة أمامنا سنجد أن نسبة مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك في مصر قفزت من 6.7 مليون مستخدم في نهاية 2011 إلى 22.4 مليون مستخدم في نهاية 2014 بنسبة تزيد عن ثلاثة أضعاف، هذه الزيادة المطرَدة تعني الانسحاب من عالم الإعلام التقليدي إلى عالم شبكات التواصل، إحصائية أخرى تقول إن نسبة مشاهدة برامج التوك شو بين الشباب انخفضت لأقل من النصف في العامين الأخيرين، وهو ما دفع بالطبع تلك القنوات الفضائية والمؤسسات الصحافية للدخول في عالم تلك الشبكات الاجتماعية لتعويض انخفاض نسبة المشاهدة، فأصبحت المؤسسات الصحافية والقنوات الفضائية تنفق مبالغ طائلة لجذب أعداد كبيرة من الزوار لمواقعها الإلكترونية والمتابعين لصفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن يبدو أن إدارة تلك الصفحات تهتم بنِتاجِها الكمّي وليس الكيفي، وتقيّم النجاح بعدد المشاهدات والزوار، دون الاهتمام بجودة المحتوى وكفاءة عرضه ورضى الجمهور عنه، فظهروا كأنهم يهتمون بالترتيب على “أليكسا” أكثر من المحتوى ذاته.

لو تكلمنا  بلغة صريحة سنقول إن جميع القنوات وأغلب الصحف لها إدارات استثمارية تهدف للربح بالمقام الأول، ونجاح كل برامجها ومقدمي برامجها يدور في فلك “سعر الدقيقة الإعلانية” التي تدرّ أرباحًا معتبرة لتلك المؤسسات وتوفّر رواتب مقدمي برامجها الخيالية – أقصد الرواتب لا البرامج -،  لذا لنتكلم بلغة رقمية يفهمها هؤلاء، نسبة أكثر من 75% من مستخدمي السوشيال ميديا في مصر بأنواعها هم دون الأربعين، ونسبة كبيرة من هؤلاء تستقي آراءها وتوجهاتها السياسية والفكرية من مصادر أخرى بخلاف برامج التوك شو أو الإعلام المرئي بصفة عامة، لذا ففي الأعوام القليلة القادمة ستكون الطبقة الغالبة على المجتمع هم أشخاص لا يؤثر فيهم توجهات الميديا بل ويقابلوها بعدائية وتتلخص علاقتهم مع مقدميها في تصميم “كوميكسات” طريفة، وباستمرار تلك التوجهات التي لا تسير مع عقليات الشباب في اتجاه واحد بل في الأغلب في الاتجاه المضاد سيجعل تلك القنوات والصحف تفقد متابعيها وبالتالي لن تستحق دقيقتها الإعلانية هذه المبالغ التي تُعد مقياسًا للنجاح من دون جودة المحتوى أو مراعاة الضمير المهني.

اقـرأ أيـضـًا:

مسابقة إعلام.أورج ..المقال الفائز بالمركز الثاني

مسابقة إعلام.أورج ..المقال الفائز بالمركز الثالث

القائمة القصيرة للمقالات المشاركة في مسابقة إعلام.أورج

تفاصيل مسابقة إعلام.أورج لأفضل مقال في الميديا   

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا