إيناس العيسوي تكتب: عودة الفُسحة المسرحية بـ "القضية اللي هي"

قدم المخرج وليد طلعت على مسرح "تياترو" بمدينة الشيخ زايد العرض المسرحي "القضية اللي هي"، وهي عن المسرحية الكوميدية "قضية ظل الحمار" للكاتب السويسري فريدريش دورينمات، والتي تدور أحداثها الأصلية حول رجل فقير يبيع ظل حماره، وتتحول القضية البسيطة إلى قضية رأي عام.


العرض يدور حول قصة شجار وخلاف كبير، نشأ بين طبيب أسنان وتاجر حمير، حيث قرر طبيب الأسنان، تأجير الحمار يوما من التاجر، لكن نظرا لشدة الحر، يتوقف الطبيب فى منتصف الطريق، ويستظل بظل الحمار وهُنا يعترض صاحب الحمار ويرى أن طبيب الاسنان يجب أن يدفع ثمن ظل الحمار لأن اتفاقهم كان على تأجير الحمار كوسيلة مواصلات فقط، وتتصاعد أحداث المسرحية، وويذهب الطرفان للقضاء، وعلى مدار سرد الحكاية تظهر عورات المجتمع بالكامل، وتسليط الضوء على الطبقية خاصة عندما ينقسم المجتمع إلى طبقتين فقط أثرياء وفقراء، بدون طبقة وسطى، واستعرض العرض ذلك من خلال مُحامي الحمّار (طبقة الفقراء) ومُحامي طبيب الأسنان (طبقة الأغنياء)، وخلال الأحداث نجد محاولات زوجتا الطرفان المتنازعان للفوز بالقضية، فيحاولوا وضع خطة تكشف لنا عورات المجتمع واستغلال الجميع للقضية من رجل الدين والسياسة متمثلين في الكاهن والقاضي ومحامي كل خصم، ومحاولتهم استغلالها وتحويلها إلى منفعة شخصية للاسترزاق من ورائها، إضافة إلى اشعال نار الفتن والعنف، وحبس الحمار"سنبل" محل النزاع لحين انتهاء القضية، على الرغم أنه لم يصنع شيئًا وتحمل المسرحية الكثير من المعانى والدلالات، التى تمس المجتمع.


قدم وليد طلعت من قبل هذه الحكاية ولكن بفريق مسرح الجامعة الألمانية، تحت اسم "قضية سُنبل"، ولكن هذه المرة حاول طلعت أن يُقدم وجبة مسرحية متكاملة ولكن بمتطلبات السوق، حكاية مشوقة.. نص جيد.. سينوغرافيا مُبهرة.. ممثلين وجوههم معروفة للجمهور وخاصة جمهور السوشيال ميديا، ليستقطب جمهور جديد للمسرح بعيدًا عن جمهوره من المتخصصين والمُحبين له، هذه الخلطة أعادتنا من جديد لـ"فسحة المسرح" الذي تربى عليها جيل السبعينات والثمانينات ورُبما أوائل التسعينات، أنا واحدة من جيل الثمانينات عشت ذلك بداية من طفولتي إلى الآن، مسرح العرائس ومسرح عبد المنعم مدبولي، والذي أصبح الآن اسمه المسرح القومي للأطفال، ثم مسرحيات نجوم مثل عادل إمام وسمير غانم ومحمد صبحي، كان القطاع الخاص قادر على تقديم هذه الخلطة المسرحية، الذي أعادها إلينا وليد طلعت في عرضه "القضية اللي هي".

مع فتح الستار نجد ديكور مليء بالدلالات الغير مفهومة لمن لا يعرف أن العرض عن قضية ظل الحمار، وفي ثوانٍ معدودة يأخذنا مجموعة من الممثلين يغنون أغنية لتعرفنا على المدينة التي تدور فيها أحداث العرض.


لعبت الموسيقى دورًا رئيسيًّا في العرض سواء الموسيقى التصويرية أو الأغاني التي ألفها لبيب عزت ولحنها ووزعها محمد الصاوي، وكانت أداة جذب للمتلقي الغير مسرحي، وأضافت للعرض روح التفاعل المتعارف عليه في المسرح، فتفاعل الجمهور مع الأغاني وكان البعض يرددها معهم، وخاصة في نهاية العرض عندما حصل "سنبل" وهو اسم الحمار في العرض، على براءة، وتواجد الممثلون بين الجمهور وغنوا معًا.


تناسق عناصر السينوغرافيا المسرحية من الديكور الذي صممه د. محمد سعد والأزياء التي صممتها أميرة صابر والإضاءة التي صممها أبو بكر الشريف، من حيث الألوان ونسب تكاملية الصورة البصرية للعرض.


عرض منضبط متوافر فيه كل عناصر العرض المتكامل، خاصة حركة الممثل والاستعراضات التي صممتها شيرين حجازي، خالي من الملل رغم أنه قرابة الساعتين، ونجح وليد طلعت أن يقدم رؤية إخراجية مختلفة عن عرضه "قضية سنبل" والذي شاهدته من قبل على مسرح الهوسابير، وعلى الرغم أنه نفس القصة والأحداث، وأجاد طلعت في اختيار الممثلين الذين كان أداؤهم متميز ومولائم للشخصية التي يلعبها كل منهم على كل المستويات الآدائية والفيزيكال، وعلى الرغم أن المتعارف عليه أن أبطال العرض دائمًا يحصلون على مساحة دور أكبر، إلا أن طلعت استطاع أن يوظفهم في الأدوار المناسبة لهم بشكل مميز يجعلك تشعر أنهم معك من بداية العرض.


"القاضي" أول مرة مسرح

لعب الفنان عمرو وهبة دور "القاضي" الذي لا يعلم شيء عن قانون وشعب مدينته، بروحه الكوميدية المعتادة، دون أي إسفاف، كذلك محمد مولي وأحمد خيري، فالأول انفلونسر وقدم بعض الإعلانات والأخر المتعارف عليه أنه استانداب كوميديان، إلا أنني أعلم أن خيري لديه خلفية مسرحية قوية، المفاجأة أنهما استطاعا توظيف ذلك بشكل احترافي مميز.

"القضية اللي هي" بطولة: عمرو وهبة، كامل الشافي، محمد مولى، أحمد خيري، ندى نادر، سالي سيد، ريم الحبيبي، ريم نبيل، أحمد نادي، زياد زعتر، وأحمد علاء بلبل.

التأليف: فريدريش دورينمات، إعداد وأشعار: لبيب عزت، مخرج منفذ: طارق سعيد، ديكور: د. محمد سعد، أزياء: أميرة صابر، موسيقى وألحان: محمد الصاوي، أغنية الخطة: أحمد حسن راؤول، تصميم الإضاءة: أبو بكر الشريف، استعراضات: شيرين حجازي | مكياج: ماجد جمال، دعاية وإعلان: كامل الشافي، تصميم الغلاف: محمد كمال، مساعدو الإخراج: يوسف باسم ولؤا المعتصم، إخراج: وليد طلعت، إنتاج مشترك: "هنا المسرح" وBig Munky بإدارة كامل الشافعي.