مهند خيري يكتب: ورد وشكولاتة.. ومن الحب ما قتل

يستهل مسلسل "ورد و شوكولاتة" حلقاته بحدث مُلتهب، لكن ما ميزه بحق هو المشهد الافتتاحي ما قبل شارة البداية "الأفان تتر"، الذي كان بمثابة فيلم قصير يكشف النواة الأصيلة للقصة التي سنتتبعها. مع هذا الافتتاح، يطل علينا بطل العمل، صلاح نجم، وتظهر على الفور نوبات غضبه وشطحات جنونه.

براعة السرد: رؤية محمد رجاء في معالجة القصة الحقيقية

إن الأسلوب السردي الذي اختاره الكاتب محمد رجاء للمسلسل كان اختيارا موفقا للغاية. لقد اعتمد الكاتب على تقنية سردية ذكية تخدم طبيعة القصة المشحونة، حيث يبدأ بسرد ما وصلنا إليه من نقطة الذروة الأولى (ما قبل الأفان تتر)، ثم يعود بالزمن ليُرينا ببطء وتدرج العوامل التي أوصلت الشخصيات إلى هذه النقطة، حتى يلتقي خطا الزمن ويتطابق الحدثان في اللحظة الحاضرة للرواية.

إن التعامل مع قصة حقيقية بمثل هذا التعقيد لا يعني أبدا سهولة في الكتابة، بل على العكس تماما. فامتلاك القصة كاملة يتطلب مهارة فائقة في الاقتصاد الدرامي؛ حيث تكمن الصعوبة في انتقاء أهم الأحداث وحذف ما سواها، مع إضافة الحبكة الدرامية الخاصة بالكاتب، وتقليص أدوار بعض الشخصيات الحقيقية أو إضافة شخصيات أخرى أحيانا لخدمة البناء الدرامي.

لو قُدمت جريمة حقيقية كهذه لخمسة كتاب سيناريو مختلفين، لخرجنا بخمسة سيناريوهات مختلفة تماما. فمنهم من كان سيركز على مسار الحكم والعقوبة في النهاية، ومنهم من كان سيختار طريقة سرد أخرى غير التتابع الزمني، ومنهم من كان سينسب البطولة المطلقة لشخصية صلاح نجم وحده، ومنهم من كان سينسبها لـ مروة.

لقد أحببت تماما وجهة النظر التي اختارها وأظهرها لنا الكاتب محمد رجاء. لقد نجح في تقديم رؤية متوازنة وعميقة لم تغرق في التفاصيل القانونية البحتة، بل تعمقت في التشريح النفسي والتراجيدي للعلاقة المعقدة، مُقدما معالجة تثري القصة الأصلية دون الإخلال بجوهرها.

صلاح نجم: البطل التراجيدي

يُعد صلاح نجم شخصية درامية بامتياز، فقد مرت حياته بالقوس المثالي للبطل التراجيدي. فهو يمتلك الصفات المطلوبة لتلك الشخصية؛ إذ يجب أن يكون شخصا ذا قيمة ومكانة في المجتمع، وهي صفات توافرت فيه بوضوح. كما تحلى بالعديد من الخصال الأخرى التي تقود المشاهد في النهاية إلى الشعور بالشفقة والخوف، محققا بذلك ما يُعرف بـ "التطهير" أو "الكاثارسيس".

لم يكتف صلاح بطباعه الحادة وجحوده الإنساني، بل كان يفتقر إلى الأخلاق المهنية والأخلاق العائلية على حد سواء؛ كان فاسدا من كل الجوانب. ومع ذلك، يظل أمام الناس واجهة ذات قيمة ومقام. إذا أجريت مقارنة خارجية بين صلاح وشخصيات مثل نادر أو كامل، فمن الطبيعي أن يتم اختياره، تماما كما فعلت مروة. إنه ناجح بشكل علني، واثق بنفسه، ومُقدر لقيمتها على عكس نادر (زوج مروة السابق) وكامل (رئيس القناة).

إن طباع صلاح الحادة لا تظهر في البداية؛ فهو يلعب دور الرجل الرومانسي المحب، والمضحي من أجل من يحب، وهذا هو خطافه الذي يجتذب به النساء. قد لا يكون هذا السلوك مقصودا بالضرورة، بل قد يكون دافعا لا واعيا، ثم يتحول إلى أسوأ نسخة لديه. هذا التحول هو نتاج حتمي لطفولة مشوهة.

تنقسم ردود فعل البشر على الأذى لنوعين: نوع يتجنب أن يكون صاحب الفعل المؤذي في يوم من الأيام، ونوع آخر يرتكب الفعل ذاته ويزيد عليه، مُبررا ذلك بما تعرض له. صلاح كان من النوع الثاني؛ فكل ما ذاقه من تعنيف وكراهية وجحود وغدر، ارتكبه وزيادة. لم يلم نفسه للحظة واحدة، بل ظل حتى اللحظات الأخيرة يرمي اللوم على كل من حوله، عاجزا عن رؤية الخطأ في أفعاله.

الأداء التمثيلي وتجسيد الشخصية

بنظري يُعد محمد فراج من أقوى ممثلين جيله، إذ يحمل صفات تذكرنا بالنجوم القدامى. لم يكن مفاجئا أداؤه لشخصية معقدة وصعبة مثل شخصية صلاح نجم. لقد عاش محمد فراج في الشخصية بالفعل، وقد أثرت عليه نفسيا وعصبيا بشكل كبير. إن انفعالات محمد فراج هي أكثر ما يميزه؛ فهو يخرجها بصدق عميق.

علاقة صلاح نجم بزوجته الأولى شيرين

بالنسبة لـ شيرين، كانت علاقتهما حب حياتها، والرجل الذي لم تمس إلا منه. على النقيض تماما، تشير الأحداث إلى أنها لم تكن خيانته الأولى، بل وأنه لم يكن يحبها. كانت شيرين مجرد واجهة بالنسبة له؛ فهي من عائلة كبيرة، ووالدها تبناه عمليا، ومنحه ثقة ومكانة لم يجدها في عائلته ولم يمنحها له والده الفعلي. كانت هذه أول درجة سلم الوصول لشخص بهذا الكم من الكراهية والغضب إلى مكانة وسلطة يمكنه من خلالها فرض سيطرته ونفوذه.

مروة: الاندفاع والاحتياج

بمتابعة دقيقة للقصة الواقعية الذي استلهم منها المسلسل، يتضح أن الشخصية الحقيقية كانت تشبه مروة في اندفاعها وعدم خوفها من شيء. كانت شخصية مروة دوما ينقصها "الضهر" ذو المكانة المرموقة مثل صلاح نجم. وكما قالت: "مفيش حب.. فيه احتياج"، فهي كانت بحاجة إليه، تماما كما كان هو بحاجة إلى زوجة يستطيع أن يتعرّى أمامها من ماضيه الحقيقي وخلفيته المعقدة وأعماله الجانبية المخالفة للقانون. وكانت مروة تعلم كل هذا عنه، مما كان يشعره بالراحة.

ما أعجبني في أداء زينة لتجسيد شخصية مروة هو عدم المبالغة. فلم تبالغ في أسلوبها لتبرز أنها من بيئة شعبية، بل مثلت الدور بكل براعة وسلاسة.

بالطبع، يعود جزء كبير من هذا الإتقان للمخرج محمد العدل، الذي أخرج لنا مسلسلا متكاملا. من وجهة نظري أعتبر هذا المسلسل، من أفضل المسلسلات القصيرة التي أنتجت من سنوات . بدءا من اختيار الممثلين والأماكن، وتماسك الدراما وصولا إلى اختيار الكادرات، يظهر بوضوح أن العدل مخرج ورد وشوكولاتة نفذ وأخرج العمل بالكامل في ذهنه أولا، لذلك ظهر المسلسل بهذه الجودة، وهذا للأسف ما لا يفعله بعض المخرجين. أجمل ما في هذا المسلسل إنه يعلمنا أن نفس الحكاية حتى لو حقيقية يمكن أن ترويها أكثر من مرة، لكن اختيارك للمعالجة المناسبة هو الذي يجعلها لا يمكن أن تتكرر ولا مرة.