من رمسيس للتقنيات الرقمية: ماذا ينتظر الزوار داخل المتحف المصري الكبير؟

أسماء مندور

على بُعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة، يتهيأ المتحف المصري الكبير لافتتاحه الرسمي كأكبر متحف أثري في العالم، وواجهة مصر الحديثة نحو تاريخها الممتد لسبعة آلاف عام.

هذا الصرح الذي استغرقت رحلة تشييده ثلاثة عقود، يرسم تاريخًا جديدًا للحضارة المصرية العريقة كنقطة التقاء بين عظمة الحضارة المصرية القديمة وأحدث ما وصلت إليه تقنيات العرض المتحفي والتجربة التفاعلية.

ومع اقتراب الافتتاح الرسمي للمتحف بعد عقود من الاستعدادات والتهيئة والتقنيات المعمارية الدقيقة، نستعرض أبرز معالم هذا الصرح الثقافي والسياحي الذي تسعى مصر من خلاله إلى تقديم زاوية جديدة لحضارتها لا تكتفي بعرض الماضي، بل تدمجه في تجربة مستقبلية مبهرة.


رحلة إنشائية تتحدى الزمن

بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي، حين أعلنت الحكومة المصرية عن مشروع طموح لتأسيس صرح ثقافي جديد قرب أهرامات الجيزة ليكون "متحف الحضارة المصرية".

وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس من خلال مسابقة دولية لتصميم المتحف، والتي فاز بها مكتب Heneghan Peng Architects الأيرلندي في عام 2003، والذي اعتمد تصميمه على أن تُمثل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها كتلة مخروطية هي "المتحف المصري الكبير"، لتبدأ الأعمال الإنشائية فعلياً عام 2005، بحسب الموقع الرسمي لوزارة السياحة والآثار.

تشير تقديرات التكلفة الأصلية للمتحف المصري الكبير إلى حوالي 500 مليون دولار، ولكن التأخيرات والتغييرات الإقليمية وعوامل أخرى دفعت التكلفة النهائية لإنشاء المجمع إلى أكثر من مليار دولار، بتمويل مصري ودولي، مما يعكس حرص التعاون الدولي في دعم التراث المصري.

وفي تحديث رسمي، أُعلن رسميًا عن الافتتاح الرسمي في نوفمبر 2025، ليتحول الحلم الذي استمر ثلاثة عقود إلى واقع.


تصميم معماري فريد

يقف المتحف على مساحة 500 ألف متر مربع، ويُطل مباشرةً على أهرامات الجيزة في محور بصري متصل يربط بين الأعجوبة القديمة والصروح الحديثة.

ويتيح الجزء الداخلي إطلالات بانورامية خلابة على الأهرامات، في فكرة قد تبدو بسيطة، لكنها تطلبت إعادة تشكيل كبيرة للتضاريس المحلية، بما في ذلك حفر وإزالة حوالي 79 مليون قدم مكعب من الرمال، وهو ما استغرق 7 أشهر من العمل، وفقًا لشبكة CBS الأمريكية.

أما البهو الرئيسي، فيرحّب بتمثال رمسيس الثاني الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من 11 مترًا ووزنه 83 طنًا، والذي نُقل عام 2006 من ميدان رمسيس إلى مركز الترميم في المتحف في عملية هندسية معقدة تحت أنظار العالم أجمع.

يضم المتحف بين جنباته كذلك أماكن خاصة بالأنشطة الثقافية والفعاليات مثل متحف للأطفال، مركز تعليمي، قاعات عرض، مركز للمؤتمرات، وكذلك العديد من المناطق التجارية والتي تشمل محال تجارية، كافيهات ومطاعم، بالإضافة إلى الحدائق والمتنزهات.


كنوز الفرعون في ثوب جديد

يضم المتحف المصري الكبير أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تغطي أكثر من سبعة آلاف عام من تاريخ مصر، من العصور الحجرية حتى العصر اليوناني الروماني، وأبرز ما يميّز المتحف هو عرضه الكامل لمجموعة الملك توت عنخ آمون التي تضم أكثر من 5 آلاف قطعة تُعرض لأول مرة في مكان واحد، داخل قاعات مخصصة تُظهر سياقها التاريخي والطقوس المرتبطة بكل مرحلة، لتتحول الزيارة إلى رحلة معرفية بصرية.

يعتمد المتحف كذلك نظام عرض زمني وموضوعي جديد، يبدأ من نشأة الحضارة المصرية حتى العصور المتأخرة، في سرد بصري يختلف عن أسلوب العرض التقليدي، من خلال 12 قاعة عرض مصمّمة بعناية فائقة للتعرّف عن قرب إلى حياة المصريين القدماء ومعتقداتهم وفنونهم، واكتشاف ملامح حضارة استثنائية امتدّت لآلاف السنين.

كما يضم المتحف أكبر مركز ترميم في الشرق الأوسط، يضم مختبرات حديثة لتحليل المواد باستخدام تقنيات الأشعة ثلاثية الأبعاد والمجهر الإلكتروني، مما يمنح التجربة بعدًا تفاعليًا نادرًا.

لغة العرض الجديدة

في عالم يشهد ثورة رقمية، لم يكن ممكنًا أن يظل المتحف المصري الكبير مجرد قاعات عرض، فالتكنولوجيا هنا هي "لغة العرض الجديدة"، وليست مجرد إضافة تكميلية.

القاعات مجهزة بشاشات تفاعلية ثلاثية الأبعاد تتيح للزائر تكبير القطع، رؤية تفاصيلها، وربطها بمواقعها الأصلية، فيما تقدم تطبيقات الهواتف الذكية جولات مخصصة بالصوت والصورة بعدة لغات، لتصبح التجربة شخصية بالكامل.

يدمج المتحف أيضًا تقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR)، لتتيح للزوار استكشاف مقابر الملوك والملكات كما كانت قبل آلاف السنين، والاقتراب من تفاصيل لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.


إلى جانب ذلك، يعتمد المتحف على أنظمة استدامة بيئية متقدمة، تشمل الإضاءة الموفرة للطاقة والتهوية الطبيعية لتقليل الانبعاثات الكربونية، ما يجعله نموذجًا للمتاحف الخضراء في الشرق الأوسط.

رؤية ثقافية متكاملة

وقبل أن يخطو الزائر خارج القاعة الأخيرة، سيكتشف أن هذا الصرح ليس مجرد متحف لعرض القطع الأثرية، بل إعلان عن رؤية ثقافية جديدة؛ فالحجارة القديمة لم تعد صامتة، بل تتحدث عبر الضوء والصوت والتقنية، والصحراء ليست خلفية، بل شريك بصري في التجربة، والماضي لم يعد ماضياً بل جزءاً من المستقبل.

فحين تُفتح الأبواب رسميًا، سيُدرك الزائر أن مصر لم تُقدّم للعالم متحفًا، بل تجربة إنسانية متكاملة، تُعيد تعريف معنى أن "تزور التاريخ".


نرشح لك: بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير.. خطوات إنشاء صورتك الفرعونية